الباحث القرآني
ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ تَحْقِيقِ الحَقِّ وبَيانِهِ لَهُما مِقْدارَ عِلْمِهِ الواسِعِ شَرَعَ في إنْبائِهِما عَمّا اسْتَنْبَآهُ عَنْهُ، ولِكَوْنِهِ بَحْثًا مُغايِرًا لِما سَبَقَ فَصْلُهُ عَنْهُ بِتَكْرِيرِ الخِطابِ فَقالَ: ﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أمّا أحَدُكُما﴾ أرادَ بِهِ الشَّرابِيَّ، وإنَّما لَمْ يُعَيِّنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثِقَةً بِدَلالَةِ التَّعْبِيرِ مَعَ ما فِيهِ مِن رِعايَةِ حُسْنِ الصُّحْبَةِ ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾ أيْ سَيِّدَهُ ﴿خَمْرًا﴾ رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لَهُ: ما رَأيْتَ مِنَ الكَرْمَةِ وحُسْنِها هو المَلِكُ وحُسْنُ حالِكَ عِنْدَهُ، وأمّا القُضْبانُ الثَّلاثَةُ فَإنَّها ثَلاثَةُ أيّامٍ تَمْضِي في السِّجْنِ ثُمَّ تَخْرُجُ وتَعُودُ إلى ما كُنْتَ عَلَيْهِ، وقُرِئَ (فَيُسْقِي) بِضَمِّ الياءِ والبِناءِ لِلْفاعِلِ مِن أسْقى، قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: يُقالُ: سَقى وأسْقى بِمَعْنًى، وقُرِئَ في السَّبْعَةِ (نَسْقِيكُمْ) و(نُسْقِيكُمْ) بِالفَتْحِ والضَّمِّ، والمَعْرُوفُ (p-246)أنَّ سَقاهُ ناوَلَهُ لِيَشْرَبَ وأسْقاهُ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا، ونُسِبَ ضَمُّ الياءِ لِعِكْرِمَةَ، والجَحْدَرِيِّ، وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ عِكْرِمَةَ قَرَأ (فَيُسْقى) بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ، و–رَيِّهِ- بِالياءِ المُثَنّاةِ والرّاءِ المَكْسُورَةِ، والمُرادُ بِهِ ما يُرْوى بِهِ وهو مَفْعُولٌ ثانٍ –لِيَسْقِي- والمَفْعُولُ الأوَّلُ الضَّمِيرُ النّائِبُ عَنِ الفاعِلِ العائِدِ عَلى أحَدٍ، ونُصِبَ (خَمْرًا) حِينَئِذٍ عَلى التَّمْيِيزِ﴿وأمّا الآخَرُ﴾ وهو الخَبّازُ ﴿فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَأْسِهِ﴾ رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ لَهُ: ما رَأيْتَ مِنَ السِّلالِ الثَّلاثِ ثَلاثَةَ أيّامٍ تَمُرُّ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُصْلَبُ (قُضِيَ) أتَمَّ وأُحْكِمَ ﴿الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ﴾ وهو ما يَؤُولُ إلَيْهِ حالُكُما وتَدُلُّ عَلَيْهِ رُؤْياكُما مِن نَجاةِ أحَدِكُما وهَلاكِ الآخَرِ، ومَعْنى اسْتِفْتائِهِما فِيهِ سُؤالُهُما عَنْهُ، أخْرَجَ جَماعَةٌ مِنهُمُ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: ما رَأى صاحِبا يُوسُفَ شَيْئًا إنَّما تَحالَما لِيُجَرِّبا عِلْمَهُ فَلَمّا أوَّلَ رُؤْياهُما قالا: إنَّما كُنّا نَلْعَبُ ولَمْ نَرَ شَيْئًا، فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ( قُضِيَ الأمْرُ ) إلَخْ يَقُولُ: وقَعَتِ العِبارَةُ اهـ، وقِيلَ: المُرادُ بِالأمْرِ ما اتُّهِما بِهِ، والكَلامُ حِينَئِذٍ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ عاقِبَةُ ذَلِكَ.
وذَهَبَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ إلى أنَّ المُرادَ بِهِ ما رَأياهُ مِنَ الرُّؤْيَتَيْنِ، ونَفى أنْ يَكُونَ المُرادُ ما يَؤُولُ إلَيْهِ أمْرُهُما، قالَ: لِأنَّ الِاسْتِفْتاءَ إنَّما يَكُونُ في الحادِثَةِ لا في حُكْمِها يُقالُ: اسْتَفْتى الفَقِيهُ في الحادِثَةِ أيْ طَلَبَ مِنهُ بَيانَ حُكْمِها ولا يُقالُ: اسْتَفْتاهُ في حُكْمِها وكَذا الإفْتاءُ، يُقالُ: أفْتى في الواقِعَةِ الفُلانِيَّةِ بِكَذا ولا يُقالُ: أفْتى في حُكْمِها بِكَذا؛ ومِمّا هو عِلْمٌ في ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها المَلأُ أفْتُونِي في رُؤْيايَ﴾ ومَعْنى اسْتِفْتائِهِما فِيهِ طَلَبَهُما لِتَأْوِيلِهِ بِقَوْلِهِما ﴿نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ﴾ وعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالأمْرِ وعَنْ طَلَبِ تَأْوِيلِهِ بِالِاسْتِفْتاءِ تَهْوِيلًا لِأمْرِهِ وتَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ إذْ الِاسْتِفْتاءُ إنَّما يَكُونُ في النَّوازِلِ المُشَكِّلَةِ الحُكْمِ المُبْهَمَةِ الجَوابِ، وإيثارُ صِيغَةِ المُضارِعِ لِما أنَّهُما بِصَدَدِ الِاسْتِفْتاءِ إلى أنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الجَوابِ وطَرَهُ، وإسْنادُ القَضاءِ إلَيْهِ مَعَ أنَّهُ مِن أحْوالِ مَآلِهِ لِأنَّهُ في الحَقِيقَةِ عَيْنُ ذَلِكَ المَآلِ، وقَدْ ظَهَرَ في عالَمِ المِثالِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ، وأمّا تَوْحِيدُهُ مَعَ تَعَدُّدِ رُؤْياهُما فَوارِدٌ عَلى حَسَبِ ما وحَّداهُ في قَوْلِهِما: ﴿نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ﴾ لا لِأنَّ الأمْرَ ما اتُّهِما بِهِ وسُجِنا لِأجْلِهِ مِن سَمِّ المَلِكِ فَإنَّهُما لَمْ يَسْتَفْتِيا فِيهِ ولا فِيما هو صُورَتُهُ بَلْ فِيما هو صُورَةٌ لِمَآلِهِ وعاقِبَتِهِ فَتَأمَّلْ، اهـ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا مانِعَ مِن أنْ يُرادَ بِالأمْرِ المَآلُ كَما يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ إسْنادِ القَضاءِ إلَيْهِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الكَثِيرُ، وتُجْعَلُ –فِي- لِلسَّبَبِيَّةِ مِثْلَها في قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنَّ امْرَأةً دَخَلَتِ النّارَ في هِرَّةٍ» ويَكُونُ مَعْنى الِاسْتِفْتاءِ فِيهِ الِاسْتِفْتاءَ بِسَبَبِهِ أيْ طَلَبَ بَيانَ حُكْمِ الرُّؤْيَتَيْنِ لِأجْلِهِ، وهُما إنَّما طَلَبا ذَلِكَ لِتُعْرَفَ حالُهُما ومَآلُ أمْرِهِما.
وإنْ أبَيْتَ ذَلِكَ فَأيُّ مانِعٍ مِن أنْ يَكُونَ الِاسْتِفْتاءُ في الأمْرِ مَعَ أنَّ الِاسْتِفْتاءَ إنَّما يَكُونُ في الحادِثَةِ، وهي هُنا الرُّؤْيَتانِ لِما أنَّ بَيْنَ الأمْرِ وتِلْكَ الحادِثَةِ اتِّحادًا كَما ادَّعاهُ هُوَ، ووَجَّهَ بِهِ إسْنادَ القَضاءِ إلى الأمْرِ بِالمَعْنى الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَعَ أنَّهُ مِن أحْوالِ مَآلِهِ، ولَيْسَ لَهُ أنْ يَقُولَ بِصِحَّةِ اعْتِبارِ العَيْنِيَّةِ في إسْنادِ القَضاءِ وعَدَمِ صِحَّةِ اعْتِبارِها في تَعَلُّقِ الِاسْتِفْتاءِ إذْ بَعْدَ اعْتِبارِ العَيْنِيَّةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَكُونُ صِحَّةُ نِسْبَةِ ما هو مِن أحْوالِ أحَدِهِما إلى الآخَرِ دُونَ صِحَّةِ نِسْبَةِ ما هو مِن أحْوالِ ذَلِكَ الآخَرِ إلَيْهِ تَرْجِيحًا بِلا مُرَجِّحٍ، ومَنَعَ ذَلِكَ مُكابَرَةً، ويُرَجَّحُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الكَثِيرُ أنَّ فِيهِ سَلامَةَ مَن نَزَعَ الخُفَّ قَبْلَ الوُصُولِ إلى الماءِ كَما لا يَخْفى عَلى مَن تَيَمَّمَ كَعْبَةَ الإنْصافِ، وبِأنَّ ما ذَكَرَهُ في تَعْلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ تَفْسِيرِ الأمْرِ بِما اتُّهِما بِهِ وسُجِنا لِأجْلِهِ لا يَخْلُو عَنْ دَغْدَغَةٍ عَلى أنَّ ذَلِكَ كانَ تَعْرِيضًا بِصاحِبِ الكَشّافِ (p-247)وهُوَ عَلى ما قالَ الطِّيبِيُّ: ما عَنى بِالأمْرِ إلّا العاقِبَةَ، نَعَمْ صَدْرُ كَلامِهِ ظاهِرٌ فِيما ذَكَرَ والأمْرُ فِيهِ سَهْلٌ، ولَعَلَّ وجْهَ الأمْرِ بِالتَّأمُّلِ في كَلامِ هَذا المُحَقِّقِ مَجْمُوعُ ما ذَكَرْناهُ فَتَأمَّلْ، ثُمَّ إنَّ هَذا الإخْبارَ كَما يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِما حَسْبَما ورَدَ في الأثَرِ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ تَحْقِيقًا لِتَعْبِيرِهِ وتَأْكِيدًا لَهُ، ولا يَشْكُلُ عَلى الأوَّلِ أنَّهُ لا داعِيَ لِجُحُودِ الشَّرابِيِّ لِأنّا نَقُولُ عَلى تَقْدِيرِ كَذِبِهِما في ذَلِكَ: يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ لِمُراعاةِ جانِبِ صاحِبِهِ الخَبّازِ.
وجاءَ في بَعْضِ الآثارِ ”إنَّ الَّذِي جَحَدَ هو الخَبّازُ“ فَحِينَئِذٍ الأمْرُ واضِحٌ، واسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلى ما هو المَشْهُورُ مِن أنَّ الرُّؤْيا تَقَعُ كَما تُعَبَّرُ، ولِذا قِيلَ: المَنامُ عَلى جَناحِ طائِرٍ إذا قُصَّ وقَعَ.
{"ayah":"یَـٰصَـٰحِبَیِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّاۤ أَحَدُكُمَا فَیَسۡقِی رَبَّهُۥ خَمۡرࣰاۖ وَأَمَّا ٱلۡـَٔاخَرُ فَیُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّیۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِی فِیهِ تَسۡتَفۡتِیَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق