الباحث القرآني
﴿ثُمَّ بَدا لَهُمْ﴾ أيْ ظَهَرَ لِلْعَزِيزِ وأصْحابِهِ المُتَصَدِّينَ لِلْحَلِّ والعَقْدِ رُبَّما اكْتَفَوْا بِأمْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالكِتْمانِ والإعْراضِ عَنْ ذَلِكَ ﴿مِن بَعْدِ ما رَأوُا الآياتِ﴾ الصّارِفَةَ لَهم عَنْ ذَلِكَ البَدا وهي الشَّواهِدُ الدّالَّةُ عَلى بَراءَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وطَهارَتِهِ مِن قَدِّ القَمِيصِ وقَطْعِ النِّساءِ أيْدِيَهُنَّ، وعَلَيْهِما اقْتَصَرَ قَتادَةُ فِيما أخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وفِيهِ إطْلاقُ الجَمْعِ عَلى اثْنَيْنِ والأمْرُ فِيهِ هَيِّنٌ، وعَنْ مُجاهِدٍ الِاقْتِصارُ عَلى القَدِّ فَقَطْ لِأنَّ القَطْعَ لَيْسَ مِنَ الشَّواهِدِ الدّالَّةِ عَلى البَراءَةِ في شَيْءٍ حِينَئِذٍ لِلتَّعْظِيمِ، ويُحْمَلُ الجَمْعُ حِينَئِذٍ عَلى التَّعْظِيمِ أوْ ألْ عَلى الجِنْسِيَّةِ وهي تُبْطِلُ مَعْنى الجَمْعِيَّةِ كَذا قِيلَ، وهو كَما تَرى، ووَجَّهَ بَعْضُهم عَدَّ القَطْعِ مِنَ الشَّواهِدِ بِأنَّ حُسْنَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الفاتِنُ لِلنِّساءِ في مَجْلِسٍ واحِدٍ، وفي أوَّلِ نَظْرَةٍ يَدُلُّ عَلى فِتْنَتِها بِالطَّرِيقِ الأُولى وأنَّ الطَّلَبَ مِنها لا مِنهُ، وعَدَّ بَعْضُهُمُ اسْتِعْصامَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ النِّسْوَةِ إذْ دَعَوْنَهُ إلى أنْفُسِهِنَّ فَإنَّ العَزِيزَ وأصْحابَهُ قَدْ سَمِعُوهُ وتَيَقَّنُوا بِهِ حَتّى صارَ كالمُشاهِدِ لَهُمْ، ودَلالَةُ ذَلِكَ عَلى البَراءَةِ ظاهِرَةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: سَألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما عَنِ الآياتِ فَقالَ: ما سَألَنِي عَنْها أحَدٌ قَبْلَكَ، مِنَ الآياتِ: قَدُّ القَمِيصِ وأثَرُها في جَسَدِهِ، وأثَرُ السِّكِّينِ، فَعَدَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ الأثَرَ مِنَ الآياتِ ولَمْ يُذْكَرْ فِيما سَبَقَ، ومِن هُنا قِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هُناكَ آياتٌ غَيْرُ ما ذُكِرَ تُرِكَ ذِكْرُها كَما تُرِكَ ذِكْرُ كَثِيرٍ مِن مُعْجِزاتِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وفاعِلُ (بَدا) ضَمِيرٌ يَعُودُ إمّا لِلْبَداءِ مَصْدَرُ الفِعْلِ المَذْكُورِ أوْ بِمَعْنى الرَّأْيِ كَما في قَوْلِهِ: 50 لَعَلَّكَ والمَوْعُودَ حَقَّ لِقاؤُهُ (بَدا) لَكَ في تِلْكَ القَلُوصِ بِداءُ
وإمّا لِلسَّجْنِ بِالفَتْحِ المَفْهُومِ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ وجُمْلَةُ القَسَمِ وجَوابِهِ إمّا مَفْعُولٌ لِقَوْلٍ مُضْمَرٍ وقَعَ حالًا مِن ضَمِيرِهِمْ وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ المُبَرِّدُ، وإمّا مُفَسِّرَةٌ لِلضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في (بَدا) فَلا مَوْضِعَ لَها.
وقِيلَ: إنَّ جُمْلَةَ ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ جَوابٌ –لِبَدا- لِأنَّهُ مِن أفْعالِ القُلُوبِ، والعَرَبُ تُجْرِيها مَجْرى القَسَمِ وتَتَلَقّاها بِما يَتَلَقّى بِهِ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ مَضْمُونَ الجُمْلَةِ هو فاعِلُ (بَدا) كَما قالُوا في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (p-237)﴿أفَلَمْ يَهْدِ لَهم كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِنَ القُرُونِ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَبَيَّنَ لَكم كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ﴾ أنَّ الفاعِلَ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ أيْ كَثْرَةُ إهْلاكِنا وكَيْفِيَّةُ فِعْلِنا، وظاهِرُ كَلامِ ابْنِ مالِكٍ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ أنَّ الفاعِلَ في ذَلِكَ الجُمْلَةِ لِتَأْوِيلِها بِالمُفْرَدِ حَيْثُ قالَ: وجازَ الإسْنادُ في هَذا البابِ بِاعْتِبارِ التَّأْوِيلِ كَما جازَ في بابِ المُبْتَدَأِ نَحْوَ ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ وجُمْهُورُ النُّحاةِ لا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ كَما حَقَّقَ في مَوْضِعِهِ.
واخْتارَ المازِنِيُّ في الفاعِلِ الوَجْهَ الأوَّلَ، قِيلَ: وحَسُنَ -بَدا لَهُمْ- بِداءً- وإنْ لَمْ يَحْسُنْ ظَهَرَ لَهم ظُهُورًا لِأنَّ البَداءَ قَدْ اسْتُعْمِلَ في غَيْرِ المَصْدَرِيَّةِ كَما عَلِمْتَ، واخْتارَ أبُو حَيّانَ الوَجْهَ الأخِيرَ وكَوْنَهُ ضَمِيرَ السَّجْنِ السّابِقِ عَلى قِراءَةِ مَن فَتَحَ السِّينَ، والأوْلى كَوْنُهُ ضَمِيرَ السِّجْنِ المَفْهُومِ مِنَ الجُمْلَةِ أيْ بَدا لَهم سَجْنُهُ المَحْتُومُ قائِلِينَ: (واللَّهِ لَيَسْجُنُنَّهُ) وكانَ ذَلِكَ البَداءُ بِاسْتِنْزالِ المَرْأةِ لِزَوْجِها ومُطاوَعَتِهِ لَها وحُبِّهِ إيّاها وجَعْلِهِ زِمامَ أمْرِهِ بِيَدِها.
ورُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا اسْتَعْصَمَ عَنْها ويَئِسَتْ مِنهُ قالَتْ لِلْعَزِيزِ: إنَّ هَذا الغُلامَ العِبْرانِيَّ قَدْ فَضَحَنِي في النّاسِ يُخْبِرُهم بِأنِّي راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَأبى ويَصِفُ الأمْرَ حَسْبَما يَخْتارُ، وأنا مَحْبُوسَةٌ مَحْجُوبَةٌ فَإمّا أنْ تَأْذَنَ لِي فَأخْرُجُ فَأعْتَذِرُ إلى النّاسِ وأُكَذِّبُهُ، وإمّا أنْ تَحْبِسَهُ كَما أنِّي مَحْبُوسَةٌ فَحُبِسَ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّهُ أُمِرَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَحُمِلَ عَلى حِمارٍ وضُرِبَ مَعَهُ الطَّبْلُ ونُودِيَ عَلَيْهِ في أسْواقِ مِصْرَ أنَّ يُوسُفَ العِبْرانِيَّ راوَدَ سَيِّدَتَهُ فَهَذا جَزاؤُهُ، وكانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما كَما قالَ أبُو صالِحٍ: كُلَّما ذَكَرَ هَذا بَكى، وأرادَتْ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ وعِيدِها لِتَلِينَ بِهِ عَرِيكَتُهُ وتَنْقادَ لَها قَرُونَتُهُ لِما انْصَرَمَتْ حِبالُ رَجائِها عَنِ اسْتِتْباعِهِ بِعَرْضِ الجَمالِ بِنَفْسِها وبِأعْوانِها.
وقَرَأ الحَسَنُ –لَتَسْجُنُنَّهُ- عَلى صِيغَةِ الخِطابِ بِأنْ خاطَبَ بَعْضُهُمُ العَزِيزَ ومَن يَلِيهِ أوِ العَزِيزَ وحْدَهُ عَلى وجْهِ التَّعْظِيمِ، أوْ خاطَبَ بِهِ العَزِيزَ ومَن عِنْدَهُ مِن أصْحابِ الرَّأْيِ المُباشِرِينَ لِلسِّجْنِ والحَبْسِ ﴿حَتّى حِينٍ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إلى انْقِطاعِ المَقالِ وما شاعَ في المَدِينَةِ مِنَ الفاحِشَةِ، وهَذا بادِي الرَّأْيِ عِنْدَ العَزِيزِ، وأمّا عِنْدَها فَحَتّى يُذَلِّلَهُ السَّجْنُ ويُسَخِّرَهُ لَها ويَحْسَبَ النّاسُ أنَّهُ المُجْرِمُ، وقِيلَ: الحِينُ هَهُنا خَمْسُ سِنِينَ، وقِيلَ: بَلْ سَبْعٌ.
وقالَ مُقاتِلٌ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حُبِسَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، والأوْلى أنْ لا يُجْزَمَ بِمِقْدارٍ، وإنَّما يُجْزَمُ بِالمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، والحِينُ عِنْدَ الأكْثَرِينَ وقْتٌ مِنَ الزَّمانِ غَيْرُ مَحْدُودٍ يَقَعُ عَلى القَصِيرِ مِنهُ والطَّوِيلِ، وقَدِ اسْتُعْمِلَ في غَيْرِ ذَلِكَ كَما ذَكَرْناهُ في شَرْحِ القادِرِيَّةِ.
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ –عَتّى- بِإبْدالِ حاءِ حَتّى عَيْنًا وهي لُغَةُ هُذَيْلٍ، وقَدْ أقْرَأ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِذَلِكَ إلى أنْ كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنْ يُقْرِئَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ (حَتّى) بِالحاءِ
{"ayah":"ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُا۟ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَیَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق