الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ أيْ بِمُخالَطَتِهِ إذًا لَهم -سَواءٌ اسْتُعْمِلَ بِمَعْنى القَصْدِ والإرادَةِ مُطْلَقًا أوْ بِمَعْنى القَصْدِ الجازِمِ والعَقْدِ الثّابِتِ كَما هو المُرادُ هَهُنا، لا يَتَعَلَّقُ بِالأعْيانِ.
والمَعْنى أنَّها قَصَدَتِ المُخالَطَةَ وعَزَمَتْ عَلَيْها عَزْمًا جازِمًا لا يَلْوِيها عَنْهُ صارِفٌ بَعْدَ ما باشَرَتْ مَبادِيها وفَعَلَتْ ما فَعَلَتْ مِمّا قَصَّ اللَّهُ تَعالى، ولَعَلَّها تَصَدَّتْ هُنالِكَ لِأفْعالٍ أُخَرَ مِن بَسْطِ يَدِها إلَيْهِ وقَصْدِ المُعانَقَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا اضْطَرَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى الهَرَبِ نَحْوَ البابِ، والتَّأْكِيدُ لِدَفْعِ ما عَسى يُتَوَهَّمُ مِنِ احْتِمالِ إقْلاعِها عَمّا كانَتْ عَلَيْهِ بِما في مَقالَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الزَّواجِرِ ﴿وهَمَّ بِها﴾ أيْ مالَ إلى مُخالَطَتِها بِمُقْتَضى الطَّبِيعَةِ البَشَرِيَّةِ كَمَيْلِ الصّائِمِ في اليَوْمِ الحارِّ إلى الماءِ البارِدِ، ومِثْلَ ذَلِكَ لا يَكادُ يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ لا أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَصَدَها قَصْدًا اخْتِيارِيًّا لِأنَّ ذَلِكَ أمْرٌ مَذْمُومٌ تُنادِي الآياتُ عَلى عَدَمِ اتِّصافِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ، وإنَّما عَبَّرَ عَنْهُ بِالهَمِّ لِمُجَرَّدِ وُقُوعِهِ في صُحْبَةِ هَمِّها في الذَّكَرِ بِطَرِيقِ المُشاكَلَةِ لا لِشَبَهِهِ بِهِ كَما قِيلَ، وقَدْ أُشِيرَ إلى تَغايُرِهِما كَما قالَ غَيْرُ واحِدٍ: حَيْثُ لَمْ يَلُزّا في قَرْنٍ واحِدٍ مِنَ التَّعْبِيرِ بِأنْ قِيلَ: ولَقَدْ هَمّا بِالمُخالَطَةِ أوْ هَمَّ كُلٌّ مِنهُما بِالآخَرِ وأكَّدَ الأوَّلَ دُونَ الثّانِي.
﴿لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ أيْ حُجَّتَهُ الباهِرَةَ الدّالَّةَ عَلى كَمالِ قُبْحِ الزِّنا وسُوءِ سَبِيلِهِ، والمُرادُ بِرُؤْيَتِهِ لَها كَمالُ إيقانِهِ بِها ومُشاهَدَتُهُ لَها مُشاهَدَةً واصِلَةً إلى مَرْتَبَةِ عَيْنِ اليَقِينِ، وقِيلَ: المُرادُ بِرُؤْيَةِ البُرْهانِ حُصُولُ الأخْلاقِ وتَذْكِيرُ الأحْوالِ الرّادِعَةِ عَنِ الإقْدامِ عَلى المُنْكَرِ، وقِيلَ: رُؤْيَةٌ ﴿ولا تَقْرَبُوا الزِّنا إنَّهُ كانَ فاحِشَةً وساءَ سَبِيلا﴾ مَكْتُوبًا في السَّقْفِ، وجَوابُ (لَوْلا) مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ أيْ لَوْلا مُشاهَدَتُهُ البُرْهانَ لَجَرى عَلى مُوجَبِ مَيْلِهِ الجِبِلِّيِّ لَكِنَّهُ حَيْثُ كانَ مُشاهِدًا لَهُ اسْتَمَرَّ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِن قَضِيَّةِ البُرْهانِ، هَذا ما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ في مَعْنى الآيَةِ، وهو قَوْلٌ بِإثْباتِ هَمَّ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلّا أنَّهُ هَمٌّ غَيْرُ مَذْمُومٍ.
وفِي البَحْرِ أنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ هَمٌّ بِها ألْبَتَّةَ بَلْ هو مَنفِيٌّ لِوُجُودِ رُؤْيَةِ البُرْهانِ كَما تَقُولُ: قارَفْتُ الذَّنْبَ (p-214)لَوْ لا أنْ عَصَمَكَ اللَّهُ تَعالى ولا نَقُولُ: إنَّ جَوابَ (لَوْلا) مُتَقَدِّمٌ عَلَيْها وإنْ كانَ لا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلى امْتِناعِ ذَلِكَ بَلْ صَرِيحُ أدَواتِ الشَّرْطِ العامِلَةِ مُخْتَلِفٌ في جَوازِ تَقْدِيمِ أجْوِبَتِها عَلَيْها، وقَدْ ذَهَبَ إلى الجَوازِ الكُوفِيُّونَ.
ومِن أعْلامِ البَصْرِيِّينَ أبُو زَيْدٍ الأنْصارِيُّ وأبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ بَلْ نَقُولُ: إنَّ جَوابَ (لَوْلا) مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ كَما يَقُولُ جُمْهُورُ البَصْرِيِّينَ في قَوْلِ العَرَبِ: أنْتَ ظالِمٌ إنْ فَعَلْتَ كَذا فَيُقَدِّرُونَهُ إنْ فَعَلْتَ فَأنْتَ ظالِمٌ، ولا يَدُلُّ قَوْلُهُمْ: أنْتَ ظالِمٌ عَلى ثُبُوتِ الظُّلْمِ بَلْ هو مُثْبَتٌ عَلى تَقْدِيرِ وُجُودِ الفِعْلِ، وكَذَلِكَ هَهُنا التَّقْدِيرُ ﴿لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ لَهم بِها فَكانَ يُوجَدُ الهَمُّ عَلى تَقْدِيرِ انْتِفاءِ رُؤْيَةِ البُرْهانِ لَكِنَّهُ وجَدَ رُؤْيَةَ البُرْهانِ فانْتَفى الهَمُّ، والمُرادُ بِالبُرْهانِ ما عِنْدَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ العِلْمِ الدّالِّ عَلى تَحْرِيمِ ما هَمَّتْ بِهِ وأنَّهُ لا يُمْكِنُ الهَمُّ فَضْلًا عَنِ الوُقُوعِ فِيهِ، ولا التِفاتَ إلى قَوْلِ الزَّجّاجِ: ولَوْ كانَ الكَلامُ ولَهَمَّ بِها كانَ بَعِيدًا فَكَيْفَ مَعَ سُقُوطِ اللّامِ لِأنَّهُ تَوَهَّمَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (هَمَّ بِها) هو جَوابُ (لَوْلا) ونَحْنُ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ، وإنَّما قُلْنا إنَّهُ دَلِيلُ الجَوابِ عَلى أنَّهُ عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ نَفْسَ الجَوابِ قَدْ يُقالُ: إنَّ اللّامَ لَيْسَتْ بِلازِمَةٍ بَلْ يَجُوزُ أنْ يَأْتِيَ جَوابُ (لَوْلا) إذا كانَتْ بِصِيغَةِ الماضِي بِاللّامِ وبِدُونِها فَيُقالُ: لَوْلا زَيْدٌ لَأكْرَمْتُكَ ولَوْلا زَيْدٌ أكْرَمْتُكَ، فَمَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَذْكُورَ هو نَفْسُ الجَوابِ لَمْ يَبْعُدْ، وكَذا لا التِفاتَ أيْضًا لِقَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ: إنَّ قَوْلَ مَن قالَ إنَّ الكَلامَ قَدْ تَمَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ وأنَّ جَوابَ (لَوْلا) في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وهَمَّ بِها﴾ وأنَّ المَعْنى ﴿لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ لَهَمَّ بِها فَلَمْ يَهِمَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَرُدُّهُ لِسانُ العَرَبِ، وأقْوالُ السَّلَفِ لِما في قَوْلِهِ: يَرُدُّهُ لِسانُ العَرَبِ مِنَ البَحْثِ.
وقَدِ اسْتَدَلَّ مَن ذَهَبَ إلى الجَوازِ بِوُجُودِهِ في لِسانِ العَرَبِ فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها﴾ فَقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنْ كادَتْ﴾ إلَخْ؛ إمّا أنْ يَكُونَ هو الجَوابَ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ القائِلُ، وإمّا أنْ يَكُونَ دَلِيلَ الجَوابِ عَلى ما قَرَّرْناهُ، وأمّا أقْوالُ السَّلَفِ فالَّذِي نَعْتَقِدُهُ أنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنها شَيْءٌ عَنْهم لِأنَّها أقْوالٌ مُتَكاذِبَةٌ يُناقِضُ بَعْضُها بَعْضًا مَعَ كَوْنِها قادِحَةً في بَعْضِ فُسّاقِ المُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنِ المَقْطُوعِ لَهم بِالعِصْمَةِ عَلى أنَّ ما رُوِيَ لا يُساعِدُ عَلَيْهِ كَلامُ العَرَبِ لِأنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَ الجَوابِ مَحْذُوفًا لِغَيْرِ دَلِيلٍ لِأنَّهم لَمْ يُقَدِّرُوا بِناءً عَلى ذَلِكَ لَهَمَّ بِها، وكَلامُ العَرَبِ لا يَدُلُّ إلّا عَلى أنْ يَكُونَ المَحْذُوفُ مِن مَعْنى ما قَبْلَ الشَّرْطِ لِأنَّهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، هَذا ومِمَّنْ ذَهَبَ إلى تَحَقُّقِ الهَمِّ القَبِيحِ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ الواحِدِيُّ فَإنَّهُ قالَ في كِتابِ البَسِيطِ: قالَ المُفَسِّرُونَ المَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمُ المَرْجُوعُ إلى رِوايَتِهِمُ الآخِذُونَ لِلتَّأْوِيلِ عَمَّنْ شاهَدَ التَّنْزِيلَ: هَمَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْضًا بِهَذِهِ المَرْأةِ هَمًّا صَحِيحًا وجَلَسَ مِنها مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ المَرْأةِ فَلَمّا رَأى البُرْهانَ مِن رَبِّهِ زالَ كُلُّ شَهْوَةٍ عَنْهُ.
قالَ أبُو جَعْفَرٍ الباقِرُ: رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِإسْنادِهِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهُهُ أنَّهُ قالَ: ”طَمِعَتْ فِيهِ وطَمِعَ فِيها“ وكانَ طَمَعُهُ فِيها أنْ هَمَّ أنْ يَحُلَّ التِّكَّةَ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ حَلَّ الهِمْيانَ وجَلَسَ مِنها مَجْلِسَ الخاتِنَ، وعَنْهُ أيْضًا أنَّها اسْتَلْقَتْ لَهُ وقَعَدَ بَيْنَ رِجْلَيْها يَنْزِعُ ثِيابَهُ، ورَوَوْا في البُرْهانِ رِواياتٍ شَتّى: مِنها ما أخْرَجَهُ أبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنَّها قامَتْ إلى صَنَمٍ مُكَلَّلٍ بِالدُّرِّ والياقُوتِ في ناحِيَةِ البَيْتِ فَسَتَرَتْهُ بِثَوْبٍ أبْيَضَ بَيْنَها وبَيْنَهُ، فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: أيُّ شَيْءٍ تَصْنَعِينَ؟ فَقالَتْ: أسْتَحِي مِن إلَهِي أنْ يَرانِي عَلى هَذِهِ السَّوْأةِ، فَقالَ: تَسْتَحِينَ مِن صَنَمٍ لا يَأْكُلُ ولا يَشْرَبُ ولا أسْتَحْيِ أنا مِن إلَهِي الَّذِي هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ؟! ثُمَّ قالَ: لا تَنالِيها مِنِّي أبَدًا وهو البُرْهانُ الَّذِي رَأى، ومِنها ما أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَضَرَبَ (p-215)بِيَدِهِ عَلى صَدْرِهِ، ومِنها ما أخْرَجَهُ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّهُ مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوبُ عاضًّا عَلى إصْبَعَيْهِ وهو يَقُولُ: يا يُوسُفُ أتَهِمُّ بِعَمَلِ السُّفَهاءِ وأنْتَ مَكْتُوبٌ مِنَ الأنْبِياءِ، ومِنها ما أخْرَجَهُ عَنِ القاسِمِ بْنِ أبِي بَزَّةَ قالَ: نُودِيَ يا ابْنَ يَعْقُوبَ لا تَكُونَنَّ كالطَّيْرِ لَهُ رِيشٌ فَإذا زَنى قَعَدَ لَيْسَ لَهُ رِيشٌ فَلَمْ يَعْرِضْ لِلنِّداءِ وقَعَدَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَأى وجْهَ يَعْقُوبَ عاضًّا عَلى إصْبَعِهِ فَقامَ مَرْعُوبًا اسْتِحْياءً مِن أبِيهِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وتَعَقَّبَ الإمامُ الرّازِيُّ ما ذُكِرَ بِأنَّ هَذِهِ المَعْصِيَةَ الَّتِي نَسَبُوها إلى يُوسُفَ –وحاشاهُ- مِن أقْبَحِ المَعاصِي وأنْكَرِها، ومِثْلُها لَوْ نُسِبَ إلى أفْسَقِ خَلْقِ اللَّهِ تَعالى وأبْعَدِهِمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ لاسْتَنْكَفَ مِنهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إسْنادُهُ إلى هَذا الصِّدِّيقِ الكَرِيمِ؟ وأيْضًا إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ شَهِدَ بِكَوْنِ ماهِيَّةِ السُّوءِ وماهِيَّةِ الفَحْشاءِ مَصْرُوفَتَيْنِ عَنْهُ، ومَعَ هَذِهِ الشَّهادَةِ كَيْفَ يُقْبَلُ القَوْلُ بِنِسْبَةِ أعْظَمِ السُّوءِ والفَحْشاءِ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأيْضًا إنَّ هَذا الهَمَّ القَبِيحَ لَوْ كانَ واقِعًا مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَما زَعَمُوا وكانَتِ الآيَةُ مُتَضَمِّنَةً لَهُ لَكانَ تَعْقِيبُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشاءَ﴾ خارِجًا عَنِ الحِكْمَةِ لِأنّا لَوْ سَلَّمْنا أنَّهُ لا يَدُلُّ عَلى نَفْيِ المَعْصِيَةِ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يَدُلَّ عَلى المَدْحِ العَظِيمِ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى أنْ يَحْكِيَ إقْدامَهُ عَلى مَعْصِيَةٍ عَظِيمَةٍ ثُمَّ إنَّهُ يَمْدَحُهُ ويُثْنِي عَلَيْهِ بِأعْظَمِ المَدائِحِ والأثْنِيَةِ، وأيْضًا إنَّ الأكابِرَ كالأنْبِياءِ مَتى صَدَرَتْ عَنْهم زَلَّةٌ أوْ هَفْوَةٌ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وأتْبَعُوهُ بِإظْهارِ النَّدامَةِ والتَّوْبَةِ والتَّخَضُّعِ والتَّنَصُّلِ فَلَوْ كانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ أقْدَمَ عَلى هَذِهِ الفاحِشَةِ المُنْكَرَةِ لَكانَ مِنَ المُحالِ أنْ لا يُتْبِعَها بِذَلِكَ، ولَوْ كانَ قَدْ أتْبَعَها لَحُكِيَ، وحَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِلْمُنا أنَّهُ ما صَدَرَ عَنْهُ في هَذِهِ الواقِعَةِ ذَنْبٌ أصْلًا، وأيْضًا جَمِيعُ مَن لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذِهِ الواقِعَةِ قَدْ أفْصَحَ بِبَراءَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ المَعْصِيَةِ كَما لا يَخْفى عَلى مَن لَهُ قَلْبٌ أوْ ألْقى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ، ومَن نَظَرَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا المُخْلَصِينَ﴾ رَآهُ أفْصَحَ شاهِدٍ عَلى بَراءَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، ومَن ضَمَّ إلَيْهِ قَوْلَ إبْلِيسَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿إلا عِبادَكَ مِنهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ وجَدَ إبْلِيسَ مُقِرًّا بِأنَّهُ لَمْ يُغْوِهِ ولَمْ يُضِلَّهُ عَنْ سَبِيلِ الهُدى كَيْفَ وهو عَلَيْهِ السَّلامُ مِن عِبادِ اللَّهِ تَعالى المُخْلَصِينَ بِشَهادَةِ اللَّهِ تَعالى، وقَدِ اسْتَثْناهم مِن عُمُومِ ﴿لأُغْوِيَنَّهم أجْمَعِينَ).﴾
وعِنْدَ هَذا يُقالُ لِلْجَهَلَةِ الَّذِينَ نَسَبُوا إلى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ تِلْكَ الفَعْلَةَ الشَّنِيعَةَ: إنْ كانُوا مِن أتْباعِ اللَّهِ سُبْحانَهُ فَلْيَقْبَلُوا شَهادَةَ اللَّهِ تَعالى عَلى طَهارَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإنْ كانُوا مِن أتْباعِ إبْلِيسَ فَلْيَقْبَلُوا شَهادَتَهُ، ولَعَلَّهم يَقُولُونَ كُنّا في أوَّلِ الأمْرِ مِن تَلامِذَتِهِ إلى أنْ تَخَرَّجْنا فَزِدْنا عَلَيْهِ في السَّفاهَةِ كَما قالَ الحَرِيرِيُّ:
؎وكُنْتُ امْرَءًا مِن جُنْدِ إبْلِيسَ فانْتَهى بِيَ الحالُ حَتّى صارَ إبْلِيسُ مِن جُنْدِي
؎فَلَوْ ماتَ قَبْلِي كُنْتُ أُحْسِنُ بَعْدَهُ ∗∗∗ طَرائِقَ فِسْقٍ لَيْسَ يُحْسِنُها بَعْدِي
ومَن أمْعَنَ النَّظَرَ في الحُجَجِ وأنْصَفَ جَزَمَ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ في يَدِ الواحِدِي ومَن وافَقَهُ إلّا مُجَرَّدُ التَّصَلُّفِ وتَعْدِيدُ أسْماءِ المُفَسِّرِينَ ولَمْ يَجِدْ مَعَهم شُبْهَةً في دَعْواهُمُ المُخالِفَةِ لِما شَهِدَ لَهُ الآياتُ البَيِّناتُ سِوى رِواياتٍ واهِياتٍ.
وقَدْ ذَكَرَ الطِّيبِيُّ طَيَّبَ اللَّهُ تَعالى ثَراهُ بَعْدَ أنْ نَقَلَ ما حَكاهُ مُحْيِي السُّنَّةِ عَنْ بَعْضِ أهْلِ الحَقائِقِ مِن أنَّ الهَمَّ هَمّانِ: هَمٌّ ثابِتٌ وهو ما كانَ مَعَهُ عَزْمٌ وعَقْدٌ ورِضا مِثْلُ هَمِّ امْرَأةِ العَزِيزِ، وهَمٌّ عارِضٌ وهو الخَطِرَةُ وحَدِيثُ النَّفْسِ مِن غَيْرِ اخْتِيارٍ ولا عَزْمٍ مِثْلُ هَمِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ هَذا التَّفْسِيرَ هو الَّذِي يَجِبُ أنْ نَذْهَبَ إلَيْهِ ونَتَّخِذَهُ مَذْهَبًا، وإنْ نَقَلَ المُفَسِّرُونَ ما نَقَلُوا لِأنَّ مُتابَعَةَ النَّصِّ القاطِعِ وبَراءَةَ المَعْصُومِ عَنْ تِلْكَ الرَّذِيلَةِ وإحالَةِ التَّقْصِيرِ عَلى الرُّواةِ أوْلى بِالمَصِيرِ إلَيْهِ عَلى أنَّ أساطِينَ النَّقْلِ المُتْقِنِينَ لَمْ يَرْوُوا في ذَلِكَ شَيْئًا مَرْفُوعًا في كُتُبِهِمْ، وجُلَّ تِلْكَ الرِّواياتِ بَلْ كُلُّها مَأْخُوذٌ مِن مَسْألَةِ أهْلِ الكِتابِ اهـ، نَعَمْ قَدْ صَحَّحَ الحاكِمُ بَعْضًا مِنَ الرِّواياتِ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْها (p-216)مَن نَسَبَ تِلْكَ الشَّنِيعَةَ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَكِنَّ تَصْحِيحَ الحاكِمِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الِاعْتِبارِ عِنْدَ ذَوِي الِاعْتِبارِ.
وفِي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ بَعْدَ نَقْلِ نُبْذَةٍ مِنها إنْ كُلُّ ذَلِكَ إلّا خُرافاتٍ وأباطِيلَ تَمُجُّها الآذانُ وتَرُدُّها العُقُولُ والأذْهانُ ويْلٌ لِمَن لاكَها ولَفَّقَها أوْ سَمِعَها وصَدَّقَها، ثُمَّ إنَّ الإمامَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ ذَكَرَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بَعْدَ أنْ مَنَعَ دَلالَتَها عَلى الهَمِّ ما حاصِلُهُ: إنّا سَلَّمْنا أنَّ الهَمَّ قَدْ حَصَلَ إلّا أنّا نَقُولُ: لا بُدَّ مِن إضْمارِ فِعْلٍ مَخْصُوصٍ يَجْعَلُ مُتَعَلِّقَ الهَمِّ إذِ الذَّواتُ لا تَصْلُحُ لَهُ ولا يَتَعَيَّنُ ما زَعَمُوهُ مِن إيقاعِ الفاحِشَةِ بِها بَلْ نُضْمِرُهُ شَيْئًا آخَرَ يُغايِرُ ما أضْمَرُهُ، فَنَقُولُ: المُرادُ هَمَّ بِدَفْعِها عَنْ نَفْسِهِ ومَنعِها عَنْ ذَلِكَ القَبِيحِ لِأنَّهُ الَّذِي يَسْتَدْعِيهِ حالُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقَدْ جاءَ هَمَمْتُ بِفُلانٍ أيْ قَصَدْتُهُ ودَفَعْتُهُ ويُضْمِرُ في الأوَّلِ المُخالَطَةَ والتَّمَتُّعَ ونَحْوَ ذَلِكَ لِأنَّهُ اللّائِقُ بِحالِها، فَإنْ قالُوا: لا يَبْقى حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ فائِدَةٌ، قُلْنا: بَلْ فِيهِ أعْظَمُ الفَوائِدِ وبَيانُهُ مِن وجْهَيْنِ.
الأوَّلُ أنَّهُ تَعالى أعْلَمَ يُوسُفَ أنَّهُ لَوْ هَمَّ بِدَفْعِها لَفَعَلَتْ مَعَهُ ما يُوجِبُ هَلاكُهُ فَكانَ في الِامْتِناعِ عَنْ ذَلِكَ صَوْنُ النَّفْسِ عَنِ الهَلاكِ، الثّانِي أنَّهُ لَوِ اشْتَغَلَ بِدَفْعِها فَلَرُبَّما تَعَلَّقَتْ بِهِ فَكانَ يَتَمَزَّقُ ثَوْبُهُ مِن قُدّامَ، وكانَ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى أنَّ الشّاهِدَ يَشْهَدُ بِأنَّ ثَوْبَهُ لَوْ كانَ مُتَمَزِّقًا مِن قُدّامَ لَكانَ هو الجانِي، ولَوْ كانَ مُتَمَزِّقًا مِن خَلْفٍ لَكانَتْ هي الجانِيَةُ فَأعْلَمَهُ هَذا المَعْنى فَلا جَرْمَ لَمْ يَشْتَغِلْ بِدَفْعِها وفَّرَ عَنْها حَتّى صارَتِ الشَّهادَةُ حُجَّةً لَهُ عَلى بَراءَتِهِ عَنِ المَعْصِيَةِ، وإلى تَقْدِيرِ الدَّفْعِ ذَهَبَ بَعْضُ السّادَةِ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعالى أسْرارَهم فَفي الجَواهِرِ والدُّرَرِ لِلشَّعْرانِيِّ: سَألْتُ شَيْخَنا عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها﴾ ما هَذا الهَمُّ الَّذِي أُبْهِمَ فَقَدْ تَكَلَّمَ النّاسُ فِيهِ بِما لا يَلِيقُ بِرُتَبِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ؟ فَقالَ: لا أعْلَمُ، قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الأكْبَرُ قَدَّسَ سِرَّهُ أنَّ مُطْلَقَ اللِّسانِ يَدُلُّ عَلى أُحَدِيَّةِ المَعْنى، ولَكِنَّ ذَلِكَ أكْثَرِيٌّ لا كُلِّيٌّ فالحَقُّ أنَّها هَمَّتْ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِتَقْهَرَهُ عَلى ما أرادَتْهُ مِنهُ، وهَمَّ هو بِها لِيَقْهَرَها في الدَّفْعِ عَمّا أرادَتْهُ مِنهُ، فالِاشْتِراكُ في طَلَبِ القَهْرِ مِنهُ ومِنها والحُكْمُ مُخْتَلِفٌ، ولِهَذا قالَتْ: ﴿أنا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ وما جاءَ في السُّورَةِ أصْلًا أنَّهُ راوَدَها عَنْ نَفْسِها اهـ، وجَوَّزَ الإمامُ أيْضًا تَفْسِيرَ الهَمِّ بِالشَّهْوَةِ، وذُكِرَ أنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ في اللُّغَةِ الشّائِعَةِ فَإنَّهُ يَقُولُ القائِلُ فِيما لا يَشْتَهِيهِ: لا يُهِمُّنِي هَذا، وفِيما يَشْتَهِيهِ: هَذا أهَمُّ الأشْياءِ إلَيَّ، وهو ما أشَرْنا إلَيْهِ أوَّلًا إلّا أنَّهُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ حَمَلَ الهَمَّ في المَوْضِعَيْنِ عَلى ذَلِكَ فَقالَ بَعْدُ: فَمَعْنى الآيَةِ ولَقَدِ اشْتَهَتْهُ واشْتَهاها ولَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ لَفَعَلَ وهو مِمّا لا داعِيَ إلَيْهِ إذْ لا مَحْذُورَ في نِسْبَةِ الهَمِّ المَذْمُومِ إلَيْها، والظّاهِرُ أنَّ الهَمَّ بِهَذا المَعْنى مَجازٌ كَما نَصَّ عَلَيْهِ السَّيِّدُ المُرْتَضِي في دُرَرِهِ لا حَقِيقَةَ كَما يُوهِمُهُ ظاهِرُ كَلامِ الإمامِ، وقَدْ ذَهَبَ إلى هَذا التَّأْوِيلِ أبُو عَلِيٍّ الجُبّائِيُّ وغَيْرُهُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ، وبِالجُمْلَةِ لا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلى ما شاعَ في الأخْبارِ والعُدُولُ عَمّا ذَهَبَ إلَيْهِ المُحَقِّقُونَ الأخْيارُ، وإيّاكَ والهَمَّ بِنِسْبَةِ تِلْكَ الشَّنِيعَةِ إلى ذَلِكَ الجَنابِ بَعْدَ أنْ كَشَفَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَنْ بَصَرِ بَصِيرَتِكَ فَرَأيْتَ بُرْهانَ رَبِّكَ بِلا حِجابٍ ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ﴾ قِيلَ: خِيانَةُ السَّيِّدِ ﴿والفَحْشاءَ﴾ الزِّنا لِأنَّهُ مُفْرَطُ القُبْحِ، وقِيلَ: (السُّوءُ) مُقَدِّماتُ الفَحْشاءِ مِنَ القُبْلَةِ والنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، وقِيلَ: هو الأمْرُ السَّيِّئُ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ فِيهِ الخِيانَةُ المَذْكُورَةُ وغَيْرُها، والكافُ عَلى ما قِيلَ: في مَحَلِّ نَصْبٍ، والإشارَةُ إلى التَّثْبِيتِ اللّازِمِ لِلْإراءَةِ المَدْلُولِ عَلَيْها بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ التَّثْبِيتِ ثَبَّتْناهُ ﴿لِنَصْرِفَ﴾ إلَخْ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّ الكافَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ جَرَتْ أفْعالُنا وأقْدارُنا ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ)،﴾ وقَدَّرَ أبُو البَقاءِ نُراعِيهِ كَذَلِكَ، والحَوْفِيُّ أرَيْناهُ البَراهِينَ كَذَلِكَ، وجَوَّزَ الجَمِيعُ كَوْنَهُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ فَقِيلَ: أيِ الأمْرُ أوْ عِصْمَتُهُ مِثْلُ ذَلِكَ (p-217)لَكِنْ قالَ الحَوْفِيُّ: إنَّ النَّصْبَ أجْوَدُ لِمُطالَبَةِ حُرُوفِ الجَرِّ لِلْأفْعالِ أوْ مَعانِيها، واخْتارَ في البَحْرِ كَوْنَ الإشارَةِ إلى الرُّؤْيا المَفْهُومَةِ مِن رَأى أوِ الرَّأْيِ المَفْهُومِ، وقَدْ جاءَ مَصْدَرُ الرَّأْيِ كالرُّؤْيَةِ كَما في قَوْلِهِ:
؎ورَأْيُ عَيْنَيِ الفَتى أباكا ∗∗∗ يُعْطِي الجَزِيلَ فَعَلَيْكَ ذاكا
والكافُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَوْلا أنْ رَأى﴾ إلَخْ وهو أيْضًا مُتَعَلِّقُ ﴿لِنَصْرِفَ﴾ أيْ مِثْلُ الرُّؤْيَةِ أوِ الرَّأْيِ يَرى بَراهِينَنا ﴿لِنَصْرِفَ﴾ إلَخْ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، ومِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ ما قِيلَ: إنَّ الجارَّ والمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِهَمَّ، وفي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ وتَقْدِيرُهُ ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها كَذَلِكَ لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ لِنَصْرِفَ عَنْهُ إلَخْ، ولا يَخْفى ما في التَّعْبِيرِ بِما في النَّظْمِ الجَلِيلِ دُونَ لِنَصْرِفَهُ عَنِ السُّوءِ والفَحْشاءِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى رَدِّ مَن نَسَبَ إلَيْهِ ما نُسِبَ والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى.
وقَرَأ الأعْمَشُ –لِيَصْرِفَ- بِياءِ الغَيْبَةِ وإسْنادِ الصَّرْفِ إلى ضَمِيرِ الرَّبِّ سُبْحانَهُ ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا المُخْلَصِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِما سَبَقَ مِن مَضْمُونِ الجُمْلَةِ بِطَرِيقِ التَّحْقِيقِ، والمُخْلَصُونَ هُمُ الَّذِينَ أخْلَصَهُمُ اللَّهُ تَعالى واخْتارَهم لِطاعَتِهِ بِأنْ عَصَمَهم عَمّا هو قادِحٌ فِيها، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ الحُكْمُ عَلَيْهِ بِأنَّهُ مُخْتارٌ لِطاعَتِهِ سُبْحانَهُ، ويُحْتَمَلُ عَلى ما قِيلَ: أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّهُ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذِينَ قالَ فِيهِمْ جَلَّ وعَلا: ﴿إنّا أخْلَصْناهم بِخالِصَةٍ﴾ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ المُخْلِصِينَ إذا كانَ فِيهِ ألْ حَيْثُ وقَعَ بِكَسْرِ اللّامِ، وهُمُ الَّذِينَ أخْلَصُوا دِينَهم لِلَّهِ تَعالى، ولا يَخْفى ما في التَّعْبِيرِ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى انْتِظامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في سِلْكِ أُولَئِكَ العِبادِ الَّذِينَ هم هم مِن أوَّلِ الأمْرِ لا أنَّهُ حَدَثَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ، وفي هَذا عِنْدَ ذَوِي الألْبابِ ما يَنْقَطِعُ مَعَهُ عُذْرُ أُولَئِكَ المُتَشَبِّثِينَ بِأذْيالِ هاتَيْكَ الأخْبارِ الَّتِي ما أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى بِها مِن كِتابٍ
{"ayah":"وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَاۤ أَن رَّءَا بُرۡهَـٰنَ رَبِّهِۦۚ كَذَ ٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلۡفَحۡشَاۤءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق