الباحث القرآني
﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ﴾ غايَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ والتَّقْدِيرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لا يَغُرَّنَّهم تَمادِيهِمْ فِيما هم فِيهِ مِنَ الدَّعَةِ والرَّخاءِ فَإنَّ مَن قَبْلَهم قَدْ أُمْهِلُوا حَتّى يَئِسَ الرُّسُلُ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا أوْ مِن إيمانِهِمْ لِانْهِماكِهِمْ في الكُفْرِ وتَمادِيهِمْ في الطُّغْيانِ مِن غَيْرِ وازِعٍ وقالَ أبُو الفَرَجِ بْنُ الجَوْزِيِّ: التَّقْدِيرُ وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا فَدَعَوْا قَوْمَهم فَكَذَّبُوهم وصَبَرُوا وطالَ دُعاؤُهم وتَكْذِيبُ قَوْمِهِمْ ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ﴾ .. إلَخْ وقالَ القُرْطُبِيُّ: التَّقْدِيرُ وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا ثُمَّ لَمْ نُعاقِبُ أُمَمَهم حَتّى إذا اسْتَيْأسَ .. إلَخْ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّقْدِيرُ وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا فَتَراخى النَّصْرُ حَتّى إذا .. إلَخْ ولَعَلَّ الأوَّلَ أوْلى وإنْ كانَ فِيهِ كَثْرَةُ حَذْفٍ والِاسْتِفْعالُ بِمَعْنى المُجَرَّدِ كَما أشَرْنا (p-69)إلَيْهِ وقَدْ مَرَّ الكَلامُ في ذَلِكَ ( وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا ) بِالتَّخْفِيفِ والبِناءِ لِلْمَفْعُولِ وهي قِراءَةُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وأُبَيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وطَلْحَةَ والأعْمَشِ والكُوفِيِّينَ واخْتُلِفَ في تَوْجِيهِ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ فَقِيلَ: الضَّمائِرُ الثَّلاثَةُ لِلرُّسُلِ والظَّنُّ بِمَعْنى التَّوَهُّمِ لا بِمَعْناهُ الأصْلِيِّ ولا بِمَعْناهُ المَجازِيِّ أعْنِي اليَقِينَ وفاعِلُ ( كُذِبُوا ) المُقَدَّرُ إمّا أنْفُسُهم أوْ رَجاؤُهم فَإنَّهُ يُوصَفُ بِالصِّدْقِ والكَذِبِ أيْ كَذَبَتْهم أنْفُسُهم حِينَ حَدَّثَتْهم بِأنَّهم يُنْصَرُونَ أوْ كَذَبَهم رَجاؤُهُمُ النَّصْرَ والمَعْنى أنَّ مُدَّةَ التَّكْذِيبِ والعَداوَةِ مِنَ الكُفّارِ وانْتِظارِ النَّصْرِ مِنَ اللَّهِ تَعالى قَدْ تَطاوَلَتْ وتَمادَتْ حَتّى اسْتَشْعَرُوا القُنُوطَ وتَوَهَّمُوا أنْ لا نَصْرَ لَهم في الدُّنْيا ﴿جاءَهم نَصْرُنا﴾ فَجْأةً وقِيلَ: الضَّمائِرُ كُلُّها لِلرُّسُلِ والظَّنُّ بِمَعْناهُ وفاعِلُ ( كُذِبُوا ) المُقَدَّرُ مَن أخْبَرَهم عَنِ اللَّهِ تَعالى ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فَقَدْ أخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: إنَّ ابْنَ عَبّاسٍ قَرَأ قَدْ ( كُذِبُوا ) مُخَفَّفَةً ثُمَّ قالَ: يَقُولُ أُخْلِفُوا وكانُوا بَشَرًا وتَلا ﴿حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ﴾ قالَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: فَذَهَبَ ابْنُ عَبّاسٍ إلى أنَّهم يَئِسُوا أوْ ضَعُفُوا فَظَنُّوا أنَّهم قَدْ أُخْلِفُوا ورَوى ذَلِكَ عَنْهُ البُخارِيُّ في الصَّحِيحِ واسْتُشْكِلَ هَذا بِأنَّ فِيهِ ما لا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ بَلْ إلى صالِحِي الأُمَّةِ ولِذا نُقِلَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها ذَلِكَ فَقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهُما مِن طَرِيقِ عُرْوَةَ أنَّهُ سَألَ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها عَنْ هَذِهِ الآيَةِ قالَ: قُلْتُ أكُذِبُوا أمْ كُذِّبُوا فَقالَتْ عائِشَةُ بَلْ كُذِّبُوا يَعْنِي فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قالَتْ: مَعاذَ اللَّهِ تَعالى لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ لِتَظُنَّ ذَلِكَ بِرَبِّها قُلْتُ: فَما هَذِهِ الآيَةُ قالَتْ: هُمُ أتْباعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وصَدَّقُوهم وطالَ عَلَيْهِمُ البَلاءُ واسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتّى إذا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهم مِن قَوْمِهِمْ وظَنَّتِ الرُّسُلُ أنَّ أتْباعَهم قَدْ كَذَّبُوهم جاءَ نَصْرُ اللَّهِ تَعالى عِنْدَ ذَلِكَ.
وأجابَ بَعْضُهم بِأنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أرادَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِالظَّنِّ ما يَخْطِرُ بِالبالِ ويَهْجِسُ بِالقَلْبِ مِن شُبَهِ الوَسْوَسَةِ وحَدِيثِ النَّفْسِ عَلى ما عَلَيْهِ البَشَرِيَّةُ وذَهَبَ المَجْدُ بْنُ تَيْمِيَةَ إلى رُجُوعِ الضَّمائِرِ جَمِيعِها أيْضًا إلى الرُّسُلِ مائِلًا إلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مُدَّعِيًا أنَّهُ الظّاهِرُ وأنَّ الآيَةَ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ﴾ فَإنَّ الإلْقاءَ في قَلْبِهِ وفي لِسانِهِ وفي عَمَلِهِ مِن بابٍ واحِدٍ واللَّهُ تَعالى يَنْسَخُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ قالَ: والظَّنُّ لا يُرادُ بِهِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ الِاعْتِقادُ الرّاجِحُ كَما هو في اصْطِلاحِ طائِفَةٍ مِن أهْلِ العِلْمِ ويُسَمُّونَ الِاعْتِقادَ المَرْجُوحَ وهْمًا فَقَدْ قالَ ﷺ: «إيّاكم والظَّنَّ فَإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ» وقالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ فالِاعْتِقادُ المَرْجُوحُ هو ظَنٌّ وهو وهْمٌ وهَذا قَدْ يَكُونُ ذَنْبًا يُضْعِفُ الإيمانَ ولا يُزِيلُهُ وقَدْ يَكُونُ حَدِيثَ النَّفْسِ المَعْفُوَّ عَنْهُ كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى تَجاوَزَ لِأُمَّتِي عَمّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسُها ما لَمْ تَتَكَلَّمْ أوْ تَعْمَلْ» وقَدْ يَكُونُ مِن بابِ الوَسْوَسَةِ الَّتِي هي صَرِيحُ الإيمانِ كَما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ «أنَّ الصَّحابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أحَدَنا لَيَجِدُ في نَفْسِهِ ما أنْ يُحْرَقَ حَتّى يَصِيرَ حِمَمًا أوْ يَخِرَّ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ أحَبُّ إلَيْهِ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قالَ ﷺ: أوَقَدْ وجَدْتُمُوهُ قالُوا: نَعَمْ قالَ: ذَلِكَ صَرِيحُ الإيمانِ» وفي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ أحَدَنا لَيَجِدُ ما يَتَعاظَمُ أنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ (p-70)الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إلى الوَسْوَسَةِ» ونَظِيرُ هَذا ما صَحَّ مِن قَوْلِهِ ﷺ: «نَحْنُ أحَقُّ بِالشَّكِّ مِن إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ: ﴿أوَلَمْ تُؤْمِن قالَ بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾» فَسَمّى النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ التَّفاوُتَ بَيْنَ الإيمانِ والِاطْمِئْنانِ شَكًّا بِإحْياءِ المَوْتى وعَلى هَذا يُقالُ: الوَعْدُ بِالنَّصْرِ في الدُّنْيا لِشَخْصٍ قَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ مُؤْمِنًا بِإنْجازِهِ ولَكِنْ قَدْ يَضْطَرِبُ قَلْبُهُ فِيهِ فَلا يَطْمَئِنُّ فَيَكُونُ فَواتُ الِاطْمِئْنانِ ظَنًّا أنَّهُ كَذِبٌ فالشَّكُّ وظَنُّ أنَّهُ كَذِبٌ مِن بابٍ واحِدٍ وهَذِهِ الأُمُورُ لا تَقْدَحُ في الإيمانِ الواجِبِ وإنْ كانَ فِيها ما هو ذَنْبٌ فالأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَعْصُومُونَ مِنَ الإقْرارِ عَلى ذَلِكَ كَما في أفْعالِهِمْ عَلى ما عُرِفَ مِن أُصُولِ السُّنَّةِ والحَدِيثِ وفي قَصِّ مِثْلِ ذَلِكَ عِبْرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَإنَّهم لا بُدَّ أنْ يُبْتَلَوْا بِما هو أكْثَرُ مِن ذَلِكَ فَلا يَيْأسُوا إذا ابْتُلُوا ويَعْلَمُونَ أنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ مَن هو خَيْرٌ مِنهم وكانَتِ العاقِبَةُ إلى خَيْرٍ فَيَتَيَقَّنُ المُرْتابُ ويَتُوبُ المُذْنِبُ ويَقْوى إيمانُ المُؤْمِنِ وبِذَلِكَ يَصِحُّ الِاتِّساءُ بِالأنْبِياءِ ومِن هُنا قالَ سُبْحانَهُ: ﴿لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ ولَوْ كانَ المَتْبُوعُ مَعْصُومًا مُطْلَقًا لا يَتَأتّى الِاتِّساءُ فَإنَّهُ يَقُولُ: التّابِعُ أنا لَسْتُ مِن جِنْسِهِ فَإنَّهُ لا يُذَكَّرُ بِذَنْبٍ فَإذا أذْنَبَ اسْتَيْأسَ مِنَ المُتابَعَةِ والِاقْتِداءِ لِما أتى بِهِ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي يُفْسِدُ المُتابِعَةَ عَلى القَوْلِ بِالعِصْمَةِ بِخِلافِ ما إذا عُلِمَ أنَّهُ قَدْ وقَعَ شَيْءٌ وجُبِرَ بِالتَّوْبَةِ فَإنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ أمْرُ المُتابَعَةِ كَما قِيلَ: أوَّلُ مَن أذْنَبَ وأجْرَمَ ثُمَّ تابَ ونَدِمَ أبُو البَشَرِ آدَمُ.
؎ومَن يُشابِهْ أبَهُ فَما ظَلَمَ
ولا يَلْزَمُ الِاقْتِداءُ بِهِمْ فِيما نُهُوا عَنْهُ ووَقَعَ مِنهم ثُمَّ تابُوا عَنْهُ لِتَحَقُّقِ الأمْرِ بِالِاقْتِداءِ بِهِمْ فِيما أقَرُّوا عَلَيْهِ ولَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ ووَقَعَ مِنهم ولَمْ يَتُوبُوا مِنهُ وما ذُكِرَ لَيْسَ بِدُونِ المَنسُوخِ مِن أفْعالِهِمْ وإذا كانَ ما أُمِرُوا بِهِ وأُبِيحَ لَهم ثُمَّ نُسِخَ تَنْقَطِعُ فِيهِ المُتابِعَةُ فَما لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ ووَقَعَ مِنهم وتابُوا عَنْهُ أحْرى وأوْلى بِانْقِطاعِ المُتابَعَةِ فِيهِ. اهَـ.
ولا يَخْفى أنْ ما ذَكَرَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِجَوازِ وُقُوعِ الكَبائِرِ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وحاشاهم مِن غَيْرِ أنْ يُقِرُّوا عَلى ذَلِكَ والقَوْلُ بِهِ جَهْلٌ عَظِيمٌ ولا يُقْدِمُ عَلَيْهِ ذُو قَلْبٍ سَلِيمٍ عَلى أنَّ في كَلامِهِ بُعْدٌ ما فِيهِ ولَيْتَهُ اكْتَفى بِجَعْلِ الضَّمائِرِ لِلرُّسُلِ وتَفْسِيرِ الظَّنِّ بِالتَّوَهُّمِ كَما فَعَلَ غَيْرُهُ فَإنَّهُ ما لا بَأْسَ بِهِ وكَذا لا بَأْسَ في حَمْلِ كَلامِ ابْنِ عَبّاسٍ عَلى أنَّهُ أرادَ بِالظَّنِّ فِيهِ ما هو عَلى طَرِيقِ الوَسْوَسَةِ ومِثالُها مِن حَدِيثِ النَّفْسِ فَإنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الوَسْوَسَةِ المُنَزَّهِ عَنْها الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أوْ عَلى أنَّهُ أرادَ بِذَلِكَ المُبالَغَةَ في التَّراخِي وطُولِ المُدَّةِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ بِأنَّ شُبَهَ المُبالَغَةِ في التَّراخِي بِظَنِّ الكَذِبِ بِاعْتِبارٍ اسْتَلْزَمَ كُلٌّ مِنهُما لِعَدَمِ تَرَتُّبِ المَطْلُوبِ فاسْتُعْمِلَ ما لِأحَدِهِما في الآخَرِ وقِيلَ: إنَّ الضَّمائِرَ الثَّلاثَةَ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ لِأنَّ ذِكْرَ الرُّسُلِ مُتَقاضٍ ذاكَ ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
؎أمِنَكَ البَرْقَ أرْقُبُهُ فَهاجا ∗∗∗ وبِتُّ أخالُهُ دَهْمًا خِلاجا
فَإنَّ ضَمِيرَ أخالُهُ لِلرَّعْدِ ولَمْ يُصَرِّحْ بِهِ بَلِ اكْتَفى بِوَمِيضِ البَرْقِ عَنْهُ وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: إنَّ ذِكْرَهم قَدْ جَرى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ لِلَّذِينِ مِن قَبْلِهِمْ مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والمَعْنى ظَنَّ المُرْسَلُ إلَيْهِمْ أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوهم فِيما ادَّعُوهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وفِيما وعَدُوا بِهِ مَن لَمْ يُؤْمِن مِنَ العِقابِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا فَقَدْ أخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ والنَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهم مِن طُرُقٍ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ ( كُذِبُوا ) مُخَفَّفَةً ويَقُولُ: حَتّى إذا يَئِسَ الرُّسُلُ مِن قَوْمِهِمْ أنْ يَسْتَجِيبُوا لَهم وظَنَّ قَوْمُهم أنَّ الرُّسُلَ قَدْ (p-71)كَذَبُوهم فِيما جاءُوا بِهِ جاءَ الرُّسُلَ نَصْرُنا ورُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ قالَ: حَدَّثَنِي أبِي أنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسارٍ سَألَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقالَ: يا أبا عَبْدِ اللَّهِ آيَةٌ قَدْ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغٍ ﴿حَتّى إذا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ فَإنَّ المَوْتَ أنْ تَظُنَّ الرُّسُلَ أنَّهم قَدْ كَذَّبُوا مُثَقَّلَةً أوْ تَظُنُّ أنَّهم قَدْ كُذِبُوا مُخَفَّفَةً فَقالَ سَعِيدٌ: حَتّى إذا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ مِن قَوْمِهِمْ أنْ يَسْتَجِيبُوا لَهم وظَنَّ قَوْمُهم أنَّ الرُّسُلَ كَذَبَتْهم جاءَهم نَصْرُنا فَقامَ مُسْلِمٌ إلَيْهِ فاعْتَنَقَهُ وقالَ: فَرَّجَ اللَّهُ تَعالى عَنْكَ كَما فَرَّجْتَ عَنِّي ورُوِيَ أنَّهُ قالَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الضَّحّاكِ فَقالَ لَهُ: لَوْ رَحَلْتُ في هَذِهِ إلى اليَمَنِ لَكانَ قَلِيلًا وقِيلَ: ضَمِيرُ ( ظَنُّوا ) لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ وضَمِيرُ ( أنَّهم ) و( كُذِبُوا ) لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أيْ وظَنُّوا أنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أُخْلِفُوا فِيما وُعِدَ لَهم مِنَ النَّصْرِ وخَلَطَ الأمْرُ عَلَيْهِمْ وقَرَأ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ والحَسَنُ وقَتادَةُ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وأبُو رَجاءٍ وابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ والأعْرَجُ وعائِشَةُ في المَشْهُورِ ( كُذِّبُوا ) بِالتَّشْدِيدِ والبِناءِ لِلْمَفْعُولِ والضَّمائِرُ عَلى هَذا لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أيْ ظَنَّ الرُّسُلُ أنَّ أُمَمَهم كَذَّبُوهم فِيما جاءُوا بِهِ لِطُولِ البَلاءِ عَلَيْهِمْ فَجاءَهم نَصْرُ اللَّهِ تَعالى عِنْدَ ذَلِكَ وهو تَفْسِيرُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها الَّذِي رَواهُ البُخارِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ والظَّنُّ بِمَعْناهُ أوْ بِمَعْنى اليَقِينِ أوِ التَّوَهُّمِ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ والضَّحّاكِ أنَّهم قَرَؤُوا ( كُذِبُوا ) مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ فَضَمِيرُ ( ظَنُّوا ) لِلْأُمَمِ وضَمِيرُ ﴿أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ لِلرُّسُلِ أيْ ظَنَّ المُرْسَلُ إلَيْهِمْ أنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوا فِيما وعَدُوهم بِهِ مِنَ النَّصْرِ أوِ العِقابِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ﴿ظَنُّوا﴾ لِلرُّسُلِ وضَمِيرُ ﴿أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ أيْ ظَنَّ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أنَّ الأُمَمَ كَذَّبَتْهم فِيما وعَدُوهم بِهِ مِن أنَّهم يُؤْمِنُونَ والظَّنُّ الظّاهِرُ كَما قِيلَ: إنَّهُ بِمَعْنى اليَقِينِ وقُرِئَ كَما قالَ أبُو البَقاءِ: ( كَذَّبُوا ) بِالتَّشْدِيدِ والبِناءِ لِلْفاعِلِ وأوَّلُ ذَلِكَ بِأنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ظَنُّوا أنَّ الأُمَمَ قَدْ كَذَّبُوهم في وعْدِهِمْ هَذا والمَشْهُورُ اسْتِشْكالُ الآيَةِ مِن جِهَةِ أنَّها مُتَضَمِّنَةٌ ظاهِرًا عَلى القِراءَةِ الأُولى نِسْبَةَ ما لا يَلِيقُ مِنَ الظَّنِّ إلى الأنْبِياءِ الكِرامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ واسْتَشْكَلَ بَعْضُهم نِسْبَةَ الِاسْتِيئاسِ إلَيْهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أيْضًا بِناءً عَلى أنَّ الظّاهِرَ أنَّهُمُ اسْتَيْأسُوا مِمّا وُعِدُوا بِهِ وأُخْبِرُوا بِكَوْنِهِ فَإنَّ ذَلِكَ أيْضًا مِمّا لا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ وأُجِيبَ بِأنَّهُ لا يُرادُ ذَلِكَ وإنَّما يُرادُ أنَّهُمُ اسْتَيْأسُوا مِن إيمانِ قَوْمِهِمْ.
واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يُبْعِدُهُ عَطْفُ ﴿وظَنُّوا أنَّهم قَدْ كُذِبُوا﴾ الظّاهِرِ في أنَّهم ظَنُّوا كَوْنَهم مَكْذُوبِينَ فِيما وعَدُوا بِهِ عَلَيْهِ.
وذَكَرَ المَجْدُ في هَذا المَقامِ غَيْرَ ما ذَكَرَهُ أوَّلًا وهو أنَّ الِاسْتِيئاسَ وظَنَّ أنَّهم مَكْذُوبِينَ كِلَيْهِما مُتَعَلِّقانِ بِما ضُمَّ لِلْمَوْعُودِ بِهِ اجْتِهادًا وذَلِكَ أنَّ الخَبَرَ عَنِ اسْتِيئاسِهِمْ مُطْلَقٌ ولَيْسَ في الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى تَقْيِيدِهِ بِما وُعِدُوا بِهِ وأُخْبِرُوا بِكَوْنِهِ وإذا كانَ كَذَلِكَ فَمِنَ المَعْلُومِ أنَّ اللَّهَ تَعالى إذا وعَدَ الرُّسُلَ بِنَصْرٍ مُطْلَقٍ كَما هو غالِبُ إخْباراتِهِ لَمْ يُعَيَّنْ زَمانُهُ ولا مَكانُهُ ولا صِفَتُهُ فَكَثِيرًا ما يَعْتَقِدُ النّاسُ في المَوْعُودِ بِهِ صِفاتٍ أُخْرى لَمْ يَدُلَّ عَلَيْها خِطابُ الحَقِّ تَعالى بَلِ اعْتَقَدُوها بِأسْبابٍ أُخْرى كَما اعْتَقَدَ طائِفَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم إخْبارَ النَّبِيِّ ﷺ لَهم أنَّهم يَدْخُلُونَ المَسْجِدَ الحَرامَ ويَطُوفُونَ بِهِ أنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عامَ الحُدَيْبِيَةَ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ورَجا أنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ذَلِكَ العامَ ويَطُوفَ ويَسْعى فَلَمّا اسْتَيْأسُوا مِن ذَلِكَ ذَلِكَ العامَ لَمّا صَدَّهُمُ المُشْرِكُونَ حَتّى قاضاهم عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى الصُّلْحِ المَشْهُورِ بَقِيَ في قَلْبِ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مَعَ أنَّهُ كانَ (p-72)مِنَ المُحَدِّثِينَ: ألَمْ تُخْبِرْنا يا رَسُولَ اللَّهِ أنّا نَدْخُلُ البَيْتَ ونَطُوفُ قالَ: بَلى أفَأخْبَرْتُكَ إنَّكَ تَدْخُلُهُ هَذا العامَ قالَ: لا قالَ: إنَّكَ داخِلُهُ ومُطَوِّفٌ بِهِ وكَذَلِكَ قالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَبَيَّنَ لَهُ أنَّ الوَعْدَ مِنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ وكَوْنُهُ ﷺ سَعى في ذَلِكَ العامِ إلى مَكَّةَ وقَصَدَها لا يُوجِبُ تَخْصِيصًا لِوَعْدِهِ تَعالى بِالدُّخُولِ في تِلْكَ السَّنَةِ ولَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إنَّما سَعى بِناءً عَلى ظَنِّ أنْ يَكُونَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ولا مَحْذُورَ في ذَلِكَ فَلَيْسَ مِن شَرْطِ النَّبِيِّ ﷺ أنْ يَكُونَ كُلُّ ما قَصَدَهُ بَلْ مِن تَمامِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ أنْ يَأْخُذَ بِهِ عَمّا يَقْصِدُهُ إلى أمْرٍ آخَرَ هو أنْفَعُ مِمّا قَصَدَهُ إنْ كانَ كَما كانَ في عامِ الحُدَيْبِيَةِ ولا يَضُرُّ أيْضًا خُرُوجُ الأمْرِ عَلى خِلافِ ما يَظُنُّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقَدْ رَوى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ في تَأْبِيرِ النَّخْلِ: إنَّما ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلا تُؤاخِذُونِي بِالظَّنِّ ولَكِنْ إذا حَدَّثْتُكم عَنِ اللَّهِ تَعالى شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإنِّي لَنْ أكْذِبَ عَلى اللَّهِ تَعالى» ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ في حَدِيثِ ذِي اليَدَيْنِ: «ما قُصِرَتِ الصَّلاةَ ولا نَسِيتُ» ثُمَّ تَبَيَّنَ النِّسْيانُ وفي قِصَّةِ الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ النّازِلِ فِيها ﴿إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ الآيَةَ وقِصَّةِ بَنِي أُبَيْرِقٍ النّازِلِ فِيها ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أراكَ اللَّهُ ولا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيمًا﴾ ما فِيهِ كِفايَةٌ في العِلْمِ بِأنَّهُ ﷺ قَدْ يَظُنُّ الشَّيْءَ فَيُبَيِّنُهُ اللَّهُ تَعالى عَلى وجْهٍ آخَرَ وإذا كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهو هو هَكَذا فَما ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ الكِرامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ومِمّا يَزِيدُ هَذا قُوَّةً أنَّ جُمْهُورَ المُحَدِّثِينَ والفُقَهاءِ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ الِاجْتِهادُ في الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ ويَجُوزُ عَلَيْهِمُ الخَطَأُ في ذَلِكَ لَكِنْ لا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ فَإنَّهُ لا شَكَّ أنَّ هَذا دُونَ الخَطَأِ في ظَنِّ ما لَيْسَ مَنِ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ في شَيْءٍ وإذا تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَلا يَبْعُدُ أنْ يُقالَ: إنَّ أُولَئِكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أُخْبِرُوا بِعَذابِ قَوْمِهِمْ ولَمْ يُعَيَّنَ لَهم وقْتٌ لَهُ فاجْتَهَدُوا وعَيَّنُوا لِذَلِكَ وقْتًا حَسْبَما ظَهَرَ لَهم كَما عُيِّنَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عامَ الحُدَيْبِيَةِ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَلَمّا طالَتِ المُدَّةُ اسْتَيْأسُوا وظَنُّوا كَذِبَ أنْفُسِهِمْ وغَلَطَ اجْتِهادُهم ولَيْسَ في ذَلِكَ ظَنٌّ بِكَذِبِ وعْدِهِ تَعالى ولا مُسْتَلْزِمًا لَهُ أصْلًا فَلا مَحْذُورَ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الأوْفَقَ بِتَعْظِيمِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والأبْعَدُ عَنِ الحَوْمِ حَوْلَ حِمى ما لا يَلِيقُ بِهِمُ القَوْلُ بِنِسْبَةِ الظَّنِّ إلى غَيْرِهِمْ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ وسَلَّمَ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ والظّاهِرُ أنَّ ضَمِيرَ ﴿جاءَهُمْ﴾ عَلى سائِرِ القِراءاتِ والوُجُوهِ لِلرُّسُلِ وقِيلَ: إنَّهُ راجِعٌ إلَيْهِمْ وإلى المُؤْمِنِينَ جاءَ الرُّسُلَ ومَن آمَنَ بِهِمْ نَصْرُنا ﴿فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ﴾ أنْجاهُ وهُمُ الرُّسُلُ والمُؤْمِنُونَ بِهِمْ وإنَّما لَمْ يُعَيَّنُوا لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْتَأْهِلُونَ أنْ يَشاءَ نَجاتَهم ولا يُشارِكُهم فِيهِ غَيْرُهم.
وقَرَأ عاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ ويَعْقُوبُ ( فَنُجِّيَ ) بِنُونٍ واحِدَةٍ وجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ وياءٍ مَفْتُوحَةٍ عَلى أنَّهُ ماضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ و( مَن ) نائِبُ الفاعِلِ وقَرَأ مُجاهِدٌ والحَسَنُ والجَحْدَرِيُّ وطَلْحَةُ وابْنُ هُرْمُزَ كَذَلِكَ إلّا أنَّهم سَكَّنُوا الياءَ وخُرِّجَتْ عَلى أنَّ الفِعْلَ ماضٍ أيْضًا كَما في القِراءَةِ الَّتِي قَبْلَها إلّا أنَّهُ سُكِّنَتِ الياءُ عَلى لُغَةِ مَن يَسْتَثْقِلُ الحَرَكَةَ عَلى الياءِ مُطْلَقًا ومِنهُ قِراءَةُ مَن قَرَأ ( ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكم ) بِسُكُونِ الياءِ وقِيلَ: الأصْلُ نُنْجِي بِنُونَيْنِ فَأُدْغِمُ النُّونُ في الجِيمِ ورَدَّهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّها لا تُدْغَمُ فِيها وتُعُقِّبَ بِأنَّ بَعْضَهم قَدْ ذَهَبَ إلى جَوازِ إدْغامِها ورُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنِ الكِسائِيِّ ونافِعٍ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ كَما قَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِنُونَيْنِ مُضارِعُ أُنْجِيَ إلّا أنَّهم فَتَحُوا الياءَ ورَواها هُبَيْرَةُ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ وزَعَمَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِن هُبَيْرَةَ إذْ لا وجْهَ لِلْفَتْحِ وفِيهِ أنَّ الوَجْهَ ظاهِرٌ فَقَدْ ذَكَرُوا أنَّ الشَّرْطَ والجَزاءَ يَجُوزُ أنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُما المُضارِعُ مَنصُوبًا بِإضْمارِ أنْ بَعْدَ الفاءِ كَقِراءَةِ (p-73)مَن قَرَأ ( وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرَ ) بِنَصْبِ يَغْفِرَ ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ أنْ تَكُونَ أداةُ الشَّرْطِ جازِمَةً أوْ غَيْرَ جازِمَةٍ.
وقَرَأ نَصْرُ بْنُ عاصِمٍ وأبُو حَيْوَةَ وابْنُ السَّمَيْقَعِ وعِيسى البَصْرَةُ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وكَذا الحَسَنُ ومُجاهِدٌ في رِوايَةٍ ( فَنَجا ) ماضِيًا مُخَفَّفًا و( مَن ) فاعِلُهُ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ أنَّهُ قَرَأ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ شَدَّدَ الجِيمَ والفاعِلُ حِينَئِذٍ ضَمِيرُ النَّصْرِ و( مَن ) مَفْعُولُهُ وقَدْ رُجِّحَتْ قِراءَةُ عاصِمٍ ومَن مَعَهُ بِأنَّ المَصاحِفَ اتَّفَقَتْ عَلى رَسْمِها بِنُونٍ واحِدَةٍ وقالَ مَكِّيٌّ: أكْثَرُ المَصاحِفِ عَلَيْهِ فَأشْعُرُ بِوُقُوعِ خِلافٍ في الرَّسْمِ وحِكايَةُ الِاتِّفاقِ نُقِلَتْ عَنِ الجَعْبَرِيِّ وابْنِ الجَزَرِيِّ وغَيْرِهِما وعَنِ الجَعْبَرِيِّ أنَّ قِراءَةَ مَن قَرَأ بِنُونَيْنِ تُوافِقُ الرَّسْمَ تَقْدِيرًا لِأنَّ النُّونَ الثّانِيَةَ ساكِنَةٌ مُخْفاةٌ عِنْدَ الجِيمِ كَما هي مُخْفاةٌ عِنْدَ الصّادِ والظّاءِ في ( لَنَنْصُرُ ) والإخْفاءُ لِكَوْنِهِ سَتْرًا يُشْبِهُ الإدْغامَ لِكَوْنِهِ تَغْيِيبًا فَكَما يُحْذَفُ عِنْدَ الإدْغامِ يُحْذَفُ عِنْدَ الإخْفاءِ بَلْ هو عِنْدَهُ أوْلى لِمَكانِ الِاتِّصالِ وعَنْ أبِي حَيْوَةَ أنَّهُ قَرَأ ( فَنُجِّيَ مَن يَشاءُ ) بِياءِ الغَيْبَةِ أيْ مَن يَشاءُ اللَّهُ تَعالى نَجاتَهُ ﴿ولا يُرَدُّ بَأْسُنا﴾ عَذابُنا ﴿عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ﴾ . (110) . إذا نَزَلَ بِهِمْ وفِيهِ بَيانٌ لِمَن تَعَلَّقَ بِهِمُ المَشِيئَةُ لِأنَّهُ يُعْلَمُ مِنَ المُقابَلَةِ أنَّهم مَن لَيْسُوا بِمُجْرِمِينَ وقَرَأ الحَسَنُ ( بَأْسُهُ ) بِضَمِيرِ الغائِبِ أيْ بَأْسُ اللَّهِ تَعالى ولا يَخْفى ما في الجُمْلَةِ مِنَ التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ لِمُعاصِرِي النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ
{"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَا ٱسۡتَیۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَاۤءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّیَ مَن نَّشَاۤءُۖ وَلَا یُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











