الباحث القرآني

﴿وكَأيِّنْ مِن آيَةٍ﴾ أيْ وكَمْ مِن آيَةٍ قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ: إنَّ كَأيِّ اسْمٌ كَكَمِ التَّكْثِيرِيَّةِ الخَبَرِيَّةِ في المَعْنى مُرَكَّبٌ مِن كافِ التَّشْبِيهِ وأيٍّ الِاسْتِفْهامِيَّةِ المُنَوَّنَةِ وحُكِيَتْ ولِهَذا جازَ الوَقْفُ عَلَيْها بِالنُّونِ لِأنَّ التَّنْوِينَ لَمّا دَخَلَ في التَّرْكِيبِ أشْبَهَ النُّونَ الأصْلِيَّةَ ولِذا رُسِمَ في المُصْحَفِ نُونًا ومَن وقَفَ عَلَيْها بِحَذْفِهِ أعْتَبَرَ حُكْمَهُ في الأصْلِ وقِيلَ: الكافُ فِيها هي الزّائِدَةُ قالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: ألا تَرى أنَّكَ لا تُرِيدُ بِها مَعْنى التَّشْبِيهِ وهي مَعَ ذا لازِمَةٌ وغَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِشَيْءٍ وأيْ مَجْرُورُها وقِيلَ: هي اسْمٌ بَسِيطٌ واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ قالَ: ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ تَلاعُبُ العَرَبِ بِها في اللُّغاتِ وإفادَتُها لِلِاسْتِفْهامِ نادِرٌ حَتّى أنْكَرَهُ الجُمْهُورُ ومِنهُ قَوْلُ أُبَيٍّ لِابْنِ مَسْعُودٍ: كَأيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الأحْزابِ آيَةً فَقالَ: ثَلاثًا وسَبْعِينَ والغالِبُ وُقُوعُها خَبَرِيَّةً ويَلْزَمُها الصَّدْرُ فَلا تَجُرُّ خِلافًا لِابْنِ قُتَيْبَةَ وابْنِ عُصْفُورٍ ولا يَحْتاجُ إلى سَماعٍ والقِياسُ عَلى كَمْ يَقْتَضِي أنْ يُضافَ إلَيْها ولا يُحْفَظُ ولا يُخْبَرَ عَنْها إلّا بِجُمْلَةٍ فِعْلِيَّهٍ مُصَدَّرَةٍ بِماضٍ أوْ مُضارِعٍ كَما هُنا قالَ أبُو حَيّانَ: والقِياسُ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى المَصْدَرِ أوِ الظَّرْفِ أوْ خَبَرَ كانَ كَما كانَ ذَلِكَ في كَمْ وفي البَسِيطِ أنَّها تَكُونُ مُبْتَدَأً وخَبَرًا ومَفْعُولًا ويُقالُ فِيها: كائِنٌ بِالمَدِّ بِوَزْنِ اسْمِ الفاعِلِ مِن كانَ ساكِنَةِ النُّونِ وبِذَلِكَ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ( وكَأ ) بِالقَصْرِ بِوَزْنِ ( عَمَ ) . ( وكَأيْ ) (p-66)بِوَزْنِ رَمى وبِهِ قَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ ( وكَيْءِ ) بِتَقْدِيمِ الياءِ عَلى الهَمْزَةِ وذَكَرَ صاحِبُ اللَّوامِحِ أنَّ الحَسَنَ قَرَأ ( وكَيِ ) بِياءٍ مَكْسُورَةٍ مِن غَيْرِ هَمْزٍ ولا ألِفٍ ولا تَشْدِيدٍ و﴿آيَةٍ﴾ في مَوْضِعِ التَّمْيِيزِ و( مِن ) زائِدَةٌ وجَرُّ تَمْيِيزِ كَأيِّنْ بِها دائِمِيٌّ أوْ أكْثَرِيٌّ وقِيلَ: هي مُبَيِّنَةٌ لِلتَّمْيِيزِ المُقَدَّرِ والمُرادُ مِنَ الآيَةِ الدَّلِيلُ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ ووَحْدَتِهِ وكَمالِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ وهي وإنْ كانَتْ مُفْرَدَةً لَفْظًا لَكِنَّها في مَعْنى الجَمْعُ أيْ آياتٌ لِمَكانٍ كائِنٍ والمَعْنى وكَأيِّ عَدَدٍ شِئْتَ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى صِدْقِ ما جِئْتَ بِهِ غَيْرَ هَذِهِ الآيَةِ ﴿فِي السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ كائِنَةٌ فِيهِما مِنَ الأجْرامِ الفَلَكِيَّةِ وما فِيها مِنَ النُّجُومِ وتَغَيُّرِ أحْوالِها ومِنَ الجِبالِ والبِحارِ وسائِرِ ما في الأرْضِ مِنَ العَجائِبِ الفائِتَةِ لِلْحَصْرِ: ؎وفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ واحِدُ ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْها﴾ يُشاهِدُونَها ﴿وهم عَنْها مُعْرِضُونَ﴾ . (105) . غَيْرُ مُتَفَكِّرِينَ فِيها ولا مُعْتَبِرِينَ بِها وفي هَذا مِن تَأْكِيدِ تَعَزِّيهِ ﷺ وذَمِّ القَوْمِ ما فِيهِ والظّاهِرُ أنَّ ﴿فِي السَّماواتِ والأرْضِ﴾ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِآيَةٍ وجُمْلَةُ ﴿يَمُرُّونَ﴾ خَبَرُ كَأيِّنْ كَما أشَرْنا إلَيْهِ سابِقًا وجُوِّزَ العَكْسُ وقَرَأ عِكْرِمَةُ وعَمْرُو بْنُ قائِدٍ ( والأرْضُ ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّ في السَّماواتِ هو الخَبَرُ لِكَأيِّنْ والأرْضُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الجُمْلَةُ بَعْدَهُ ويَكُونُ ضَمِيرُ عَلَيْها لِلْأرْضِ لا لِلْآياتِ كَما في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ وقَرَأ السُّدِّيُّ ( والأرْضَ ) بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ ﴿يَمُرُّونَ﴾ وهو مِنَ الِاشْتِغالِ المُفَسَّرِ بِما يُوافِقُهُ في المَعْنى وضَمِيرُ ﴿عَلَيْها﴾ كَما هو فِيما قَبْلُ أيْ ويَطَؤُونَ الأرْضَ يَمُرُّونَ عَلَيْها وجُوِّزَ أنْ يُقَدَّرَ يَطَؤُونَ ناصِبًا لِلْأرْضِ وجُمْلَةُ ﴿يَمُرُّونَ﴾ حالٌ مِنها أوْ مِن ضَمِيرِ عامِلِها. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ( والأرْضُ ) بِالرَّفْعِ و( يَمْشُونَ ) بَدَلَ ( يَمُرُّونَ ) والمَعْنى عَلى القِراءاتِ الثَّلاثِ أنَّهم يَجِيئُونَ ويَذْهَبُونَ في الأرْضِ ويَرَوْنَ آثارَ الأُمَمِ الهالِكَةِ وما فِيها مِنَ الآياتِ والعِبَرِ ولا يَتَفَكَّرُونَ في ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب