الباحث القرآني

﴿قالَ قائِلٌ مِنهُمْ﴾ وهو يَهُوذا وكانَ رَأْيُهُ فِيهِ أهْوَنَ شَرًّا مِن رَأْيِ غَيْرِهِ وهو القائِلُ: ﴿فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ﴾ إلَخْ قالَهُ السُّدِّيُّ. وقالَ قَتادَةُ وابْنُ إسْحاقَ: هو رُوبِيلُ، وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ شَمْعُونُ، وقِيلَ: دانُ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ أحَدَ هَذَيْنِ هو القائِلُ: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ إلَخْ، وأمّا القائِلُ ﴿لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ فَغَيْرُهُ، ولَعَلَّ الأصَحَّ أنَّهُ يَهُوذا. قِيلَ: وإنَّما لَمْ يُذْكَرْ أحَدٌ مِنهم بِاسْمِهِ سَتْرًا عَلى المُسِيءِ، وكُلٌّ مِنهم لَمْ يَخْلُ عَنِ الإساءَةِ وإنْ تَفاوَتَتْ مَراتِبُها، والقَوْلُ بِأنَّهُ عَلى هَذا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يُعَيِّنَ أحَدًا مِنهم بِاسْمِهِ تَأسِّيًا بِالكِتابِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّ ذَلِكَ مَقامُ تَفْسِيرٍ وهو فِيهِ أمْرٌ مَطْلُوبٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا كَأنَّ سائِلًا سَألَ اتَّفَقُوا عَلى ما عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِن خَصْلَتَيِ الصَّنِيعِ أمْ خالَفَهم في ذَلِكَ أحَدٌ؟ فَقِيلَ: قالَ قائِلٌ مِنهُمْ: ﴿لا تَقْتُلُوا﴾ إلَخْ، والإتْيانُ بِيُوسُفَ دُونَ ضَمِيرِهِ لِاسْتِجْلابِ شَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ واسْتِعْظامِ قَتْلِهِ وهو هُوَ، فَإنَّهُ يُرْوى أنَّهُ قالَ لَهُمُ: القَتْلُ عَظِيمٌ ولَمْ يُصَرِّحْ بِنَهْيِهِمْ عَنِ الخِصْلَةِ الأُخْرى، وأحالَهُ عَلى أوْلَوِيَّةِ ما عَرَضَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وألْقُوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ﴾ أيْ في قَعْرِهِ وغَوْرِهِ سُمِّيَ بِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ عَيْنِ النّاظِرِ، ومِنهُ قِيلَ لِلْقَبْرِ: غَيابَةٌ، قالَ المِنخَلُ السَّعْدِيُّ: ؎إذا أنا يَوْمًا غَيَّبَتْنِي (غَيابَتِي) فَسِيرُوا بِسَيْرِي في العَشِيرَةِ والأهْلِ وقالَ الهَرَوِيُّ: الغَيابَةُ في الجُبِّ شِبْهُ كَهْفٍ، أوْ طاقٍ في البِئْرِ فَوْقَ الماءِ يَغِيبُ ما فِيهِ عَنِ العُيُونِ، والجُبُّ الرَّكْيَةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ فَإذا طُوِيَتْ فَهي بِئْرٌ، قالَ الأعْشى: ؎لَئِنْ كُنْتُ في جُبٍّ ثَمانِينَ قامَةً ∗∗∗ ورَقِيتُ أسْبابَ السَّماءِ بِسُلَّمٍ ويُجْمَعُ عَلى جُبَبٍ وجِبابٍ وأجْبابٍ، وسُمِّيَ جُبًّا لِأنَّهُ جُبَّ مِنَ الأرْضِ أيْ قُطِعَ، وسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى الكَلامُ في تَأْنِيثِهِ وتَذْكِيرِهِ. وقَرَأ نافِعٌ في –غَياباتِ- في المَوْضِعَيْنِ كَأنَّ لِتِلْكَ الجُبِّ غَياباتٍ، فَفِيهِ إشارَةٌ إلى سِعَتِها، أوْ أرادَ بِالجُبِّ الجِنْسَ أيْ في بَعْضِ غَياباتِ الجُبِّ، وقَرَأ ابْنُ هُرْمُزَ –غَيّاباتِ- بِتَشْدِيدِ الياءِ التَّحْتِيَّةِ وهو صِيغَةُ مُبالَغَةٍ، ووَزْنُهُ عَلى ما نَقَلَ صاحِبُ اللَّوامِحِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فَعّالاتٍ كَحَمّاماتٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ فَيْعالاتٍ كَشَيْطاناتٍ في جَمْعِ شَيْطانَةٍ، وقَرَأ الحَسَنُ غَيَبَةِ بِفُتُحاتٍ عَلى أنَّهُ في الأصْلِ مَصْدَرٌ كالغَلَبَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ غائِبٍ كَصانِعٍ وصَنَعَةٍ، وفي حَرْفِ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ غَيْبَةٌ بِسُكُونِ الياءِ التَّحْتِيَّةِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ أُرِيدَ بِهِ الغائِبُ. ﴿يَلْتَقِطْهُ﴾ أيْ يَأْخُذْهُ عَلى وجْهِ الصِّيانَةِ عَنِ الضَّياعِ والتَّلَفِ، فَإنَّ الِالتِقاطَ أخْذُ شَيْءٍ مُشْرِفٍ عَلى الضَّياعِ كَذا قِيلَ، وفي مَجْمَعِ البَيانِ هو أنْ يَجِدَ الشَّيْءَ ويَأْخُذَهُ مِن غَيْرِ أنْ يَحْسَبَهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ومَنهَلٌ ورَدْتُهُ التِقاطًا. ﴿بَعْضُ السَّيّارَةِ﴾ أيْ بَعْضُ جَماعَةٍ تَسِيرُ في الأرْضِ وألْ في السَّيّارَةِ كَما في الجُبِّ وما فِيهِما، وفي –البَعْضِ- مِنَ الإبْهامِ لِتَحْقِيقِ ما يَتَوَخّاهُ مِن تَرْوِيجِ كَلامِهِ بِمُوافَقَتِهِ لِغَرَضِهِمُ الَّذِي هو تَنائِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْهم بِحَيْثُ لا يُدْرى أثَرُهُ ولا يُرْوى خَبَرُهُ، وقَرَأ الحَسَنُ –تَلْتَقِطْهُ- عَلى التَّأْنِيثِ بِاعْتِبارِ المَعْنى كَما في قَوْلِهِ: ؎إذا بَعْضُ السِّنِينَ (تَعْرِفَتُنا) ∗∗∗ كَفى الأيْتامَ فَقْدُ أبِي اليَتِيمِ (p-193)وجاءَ قُطِعَتْ بَعْضُ أصابِعِهِ وجَعَلُوا هَذا مِن بابِ اكْتِسابِ المُضافِ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ التَّأْنِيثَ كَقَوْلِهِ: كَما شَرَقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّمِ. ﴿إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ أيْ إنْ كُنْتُمْ عازِمِينَ مُصِرِّينَ عَلى أنْ تَفْعَلُوا بِهِ ما يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ أبِيهِ أوْ إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ بِمَشُورَتِي ورَأْيِي فَألْقُوهُ إلَخْ، ولَمْ يَبِتَّ القَوْلَ لَهم بَلْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ وتَوْجِيهًا لَهم إلى رَأْيِهِ وحَذَرًا مِن سُوءِ ظَنِّهِمْ بِهِ؛ ولَمّا كانَ هَذا مَظِنَّةً لِسُؤالِ سائِلٍ يَقُولُ: فَما فَعَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ قَبِلُوا رَأْيَهُ أمْ لا؟ فَأُجِيبَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ عَلى وجْهٍ أدْرَجَ في تَضاعِيفِهِ قَبُولَهم لَهُ بِما سَيَجِيءُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وأجْمَعُوا أنْ يَجْعَلُوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ﴾ فَقِيلَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب