الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. وقِيلَ: ﴿الصَّمَدُ﴾ نَعْتٌ والخَبَرُ ما بَعْدَهُ ولَيْسَ بِشَيْءٍ. و«الصَّمَدُ» قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: لا خِلافَ بَيْنِ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّهُ السَّيِّدُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أحَدٌ الَّذِي يَصْمُدُ إلَيْهِ النّاسُ في حَوائِجِهِمْ وأُمُورِهِمْ. وقالَ الزَّجّاجُ: هو الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ السُّؤْدُدُ ويَصْمُدُ إلَيْهِ؛ أيْ: يَقْصِدُهُ كُلُّ شَيْءٍ وأنْشَدُوا: ؎لَقَدْ بَكَّرَ النّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أسَدْ بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ وقَوْلَهُ: ؎عَلَوْتُهُ بِحُسامٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ ∗∗∗ خُذْها خُزِيتَ فَأنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هو السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ في سُؤْدُدِهِ، والشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ في شَرَفِهِ، والعَظِيمُ (p-274)الَّذِي قَدْ كَمُلَ في عَظَمَتِهِ، والحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ في حِلْمِهِ، والعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ في عِلْمِهِ، والحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ في حِكْمَتِهِ، وهو الَّذِي قَدْ كَمُلَ في أنْواعِ الشَّرَفِ والسُّؤْدُدِ، وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: هو المُسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ أحَدٍ، المُحْتاجُ إلَيْهِ كُلُّ أحَدٍ، وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: هو الكامِلُ في جَمِيعِ صِفاتِهِ وأفْعالِهِ، وعَنِ الرَّبِيعِ هو الَّذِي لا تَعْتَرِيهِ الآفاتُ، وعَنْ مُقاتِلِ بْنِ حَيّانَ: هو الَّذِي لا عَيْبَ فِيهِ، وعَنْ قَتادَةَ: هو الباقِي بَعْدَ خَلْقِهِ ونَحْوُهُ قَوْلُ مَعْمَرٍ: هو الدّائِمُ، وقَوْلُ مُرَّةَ الهَمْدانِيِّ: هو الَّذِي لا يَبْلى ولا يَفْنى، وعَنْهُ أيْضًا: هو الَّذِي يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ويَفْعَلُ ما يَشاءُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ولا رادَّ لِقَضائِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ: لا أعْلَمُهُ إلّا قَدْ رَفَعَهُ قالَ: ««الصَّمَدُ الَّذِي لا جَوْفَ لَهُ»». ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎شِهابُ حُرُوبٍ لا تَزالُ جِيادُهُ ∗∗∗ عَوابِسَ يَعْلُكْنَ الشَّكِيمَ المُصَمَّدا وعَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: الصَّمَدُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أحْشاءٌ وهو رِوايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَنْ عِكْرِمَةَ: هو الَّذِي لا يَطْعَمُ. وفي رِوايَةٍ أُخْرى: الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنهُ شَيْءٌ، وعَنِ الشَّعْبِيِّ: هو الَّذِي لا يَأْكُلُ ولا يَشْرَبُ، وعَنْ طائِفَةٍ مِنهم أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ والرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ أنَّهُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ كَأنَّهم جَعَلُوا ما بَعْدَهُ تَفْسِيرَ إلَهٍ، والمُعَوَّلُ عَلَيْهِ تَفْسِيرًا بِالسَّيِّدِ الَّذِي يَصْمُدُ إلَيْهِ الخَلْقُ في الحَوائِجِ والمَطالِبِ، وتَفْسِيرُهُ بِالَّذِي لا جَوْفَ لَهُ وما عَداهُما إمّا راجِعٌ إلَيْهِما أوْ هو مِمّا لا تُساعِدُ عَلَيْهِ اللُّغَةُ، وجُعِلَ مَعْنى كَوْنِهِ تَعالى سَيِّدًا أنَّهُ مَبْدَأُ الكُلِّ، وفي مَعْناهُ تَفْسِيرُهُ بِالغَنِيِّ المُطْلَقِ المُحْتاجِ إلَيْهِ ما سِواهُ. وقالَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كِلا المَعْنَيَيْنِ مُرادًا فَيَكُونُ وصْفًا لَهُ تَعالى بِمَجْمُوعِ السَّلْبِ والإيجابِ وهو ظاهِرٌ في جَوازِ اسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ في كِلا مَعْنَيَيْهِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الشّافِعِيُّ، والَّذِي اخْتارَهُ تَفْسِيرُهُ بِالسَّيِّدِ الَّذِي يَصْمُدُ إلَيْهِ الخَلْقُ وهو فِعْلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ مِن صَمَدَ بِمَعْنى قَصَدَ فَيَتَعَدّى بِنَفْسِهِ وبِاللّامِ، وإطْلاقُ الصَّمَدِ بِمَعْنى السَّيِّدِ عَلَيْهِ تَعالى مِمّا لا خِلافَ فِيهِ وإنْ كانَ في إطْلاقِ السَّيِّدِ نَفْسِهِ خِلافٌ والصَّحِيحُ إطْلاقُهُ عَلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ كَما في الحَدِيثِ: ««السَّيِّدُ اللَّهُ»». وقالَ السُّهَيْلِيُّ: لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعالى مُضافًا فَلا يُقالُ سَيِّدُ المَلائِكَةِ والنّاسِ مَثَلًا، وقَصْدُ الخَلْقِ إيّاهُ تَعالى بِالحَوائِجِ أعَمُّ مِنَ القَصْدِ الإرادِيِّ والقَصْدِ الطَّبِيعِيِّ والقَصْدِ بِحَسْبِ الِاسْتِعْدادِ الأصْلِيِّ الثّابِتِ لِجَمِيعِ الماهِيّاتِ إذْ هي كُلُّها مُتَوَجِّهَةٌ إلى المَبْدَأِ تَعالى في طَلَبِ كِمالاتِها مِنهُ عَزَّ وجَلَّ وتَعْرِيفِهِ دُونَ أحَدٍ قِيلَ: لِعِلْمِهِمْ بِصَمَدِيَّتِهِ تَعالى دُونَ أحَدِيَّتِهِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَخْلُو عَنْ كَدَرٍ؛ لِأنَّ عِلْمَ المُخاطَبِ بِمَضْمُونِ الخَبَرِ لا يَقْتَضِي تَعْرِيفَهُ، بَلْ إنَّما يَقْتَضِي أنْ لا يُلْقى إلَيْهِ إلّا بَعْدَ تَنْزِيلِهِ مَنزِلَةَ الجاهِلِ لِأنَّ إفادَةَ لازِمِ فائِدَةِ الخَبَرِ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذا المَقامِ، فالأوْلى أنْ يُقالَ: إنَّ التَّعْرِيفَ لِإفادَةِ الحَصْرِ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ الرَّجُلُ. ولا حاجَةَ إلَيْهِ في الجُمْلَةِ السّابِقَةِ بِناءً عَلى أنَّ مَفْهُومَ أحَدٍ المُنَزَّهِ عَنْ أنْحاءِ التَّرْكِيبِ والتَّعَدُّدِ مُطْلَقًا إلى آخِرِ ما تَقَدَّمَ مَعَ أنَّهم لا يَعْرِفُونَ أحَدِيَّتَهُ تَعالى ولا يَعْتَرِفُونَ بِها. واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ الخَبَرَ إذا كانَ مَعْلُومًا لِلْمُخاطَبِ لا يُخْبَرُ بِهِ إلّا بِتَنْزِيلِهِ مَنزِلَةَ الجاهِلِ أوْ إفادَتِهِ لازِمَ فائِدَةِ الخَبَرِ أوْ إذا قُصِدَ الحَصْرُ؛ وهو يُنافِي ما تَقَرَّرَ في المَعانِي مِن أنَّ كَوْنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ مَعْلُومَيْنِ لا يُنافِي كَوْنَ الكَلامِ مُفِيدًا لِلسّامِعِ فائِدَةً مَجْهُولَةً؛ لِأنَّ ما يَسْتَفِيدُهُ السّامِعُ مِنَ الكَلامِ هو انْتِسابُ أحَدِهِما لِلْآخَرِ، وكَوْنُهُ هو هو فَيَجُوزُ أنْ يُقالَ هُنا: إنَّهم يَعْرِفُونَهُ تَعالى بِوَجْهٍ ما ويَعْرِفُونَ مَعْنى المَقْصُودِ سَواءٌ كانَ هو اللَّهَ سُبْحانَهُ أوْ غَيْرَهُ عِنْدَهُمْ، ولَكِنْ لا يَعْرِفُونَ أنَّهُ هو سَواءٌ كانَ بِمَعْنى الفَرْدِ الكامِلِ أوِ الجِنْسِ فَعَيَّنَهُ اللَّهُ تَعالى لَهم. وقِيلَ: إنَّ «أحَدٌ» في غَيْرِ النَّفْيِ والعَدَدُ لا يُطْلَقُ عَلى غَيْرِهِ تَعالى فَلَمْ يَحْتَجْ إلى تَعْرِيفِهِ بِخِلافِ الصَّمَدِ؛ فَإنَّهُ جاءَ في كَلامِهِمْ إطْلاقُهُ عَلى غَيْرِهِ عَزَّ وجَلَّ، أيْ: كَما في البَيْتَيْنِ السّابِقَيْنِ فَلِذا عُرِفَ. وتَكْرارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ دُونَ الإتْيانِ بِالضَّمِيرِ قِيلَ لِلْإشْعارِ بِأنَّ مَن لَمْ يَتَّصِفْ بِالصَّمَدِيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الأُلُوهِيَّةَ وذَلِكَ عَلى ما صَرَّحَ بِهِ الدَّوانِيُّ مَأْخُوذٌ مِن إفادَةِ تَعْرِيفِ الجُزْأيْنِ الحَصْرَ، فَإذا قُلْتَ: السُّلْطانُ العادِلُ، أشْعَرَ بِأنَّ مَن لَمْ يَتَّصِفْ (p-275)بِالعَدْلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّلْطَنَةَ، وقِيلَ ذَلِكَ لِأنَّ تَعْلِيقَ الصَّمَدِ بِاللَّهِ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّةِ الأُلُوهِيَّةِ بِناءً عَلى أنَّهُ في الأصْلِ صِفَةٌ وإذا كانَتِ الصَّمَدِيَّةُ نَتِيجَةً لِلْأُلُوهِيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الأُلُوهِيَّةَ مَن لَمْ يَتَّصِفْ بِها، وبُحِثَ فِيهِ بِأنَّ الأُلُوهِيَّةَ فِيما يَظْهَرُ لِلصَّمَدِيَّةِ لِأنَّهُ إنَّما يُعْبَدُ لِكَوْنِهِ مُحْتاجًا إلَيْهِ دُونَ العَكْسِ إلّا أنْ يُقالَ: المُرادُ بِالأُلُوهِيَّةِ مَبْدَؤُها وما تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لا كَوْنُهُ مَعْبُودًا بِالفِعْلِ، وإنَّما لَمْ يَكْتَفِ بِمَسْنَدٍ إلَيْهِ واحِدٌ لِأحَدٍ، والصَّمَدُ هو الِاسْمُ الجَلِيلُ بِأنْ يُقالَ: اللَّهُ الأحَدُ الصَّمَدُ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ كُلًّا مِنَ الوَصْفَيْنِ مُسْتَقِلٌّ في تَعْيِينِ الذّاتِ، وتُرِكَ العاطِفُ في الجُمْلَةِ المَذْكُورَةِ لِأنَّها كالدَّلِيلِ عَلَيْهِ؛ فَإنَّ مَن كانَ غَنِيًّا لِذاتِهِ مُحْتاجًا إلَيْهِ جَمِيعُ ما سِواهُ لا يَكُونُ إلّا واحِدًا أوْ ما سِواهُ لا يَكُونُ إلّا مُمْكِنًا مُحْتاجًا إلَيْهِ، أوْ لِأنَّها كالنَّتِيجَةِ لِذَلِكَ بِناءً عَلى أنَّ الأحَدِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ الصَّمَدِيَّةَ والغِنى المُطْلَقَ. وبِالجُمْلَةِ هَذِهِ الجُمْلَةُ مِن وجْهٍ تُشْبِهُ الدَّلِيلَ ومِن وجْهٍ تُشْبِهُ النَّتِيجَةَ فَهي مُسْتَأْنَفَةٌ أوْ مُؤَكَّدَةٌ. وقَرَأ أبانُ بْنُ عُثْمانَ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ وابْنُ سِيرِينَ والحَسَنُ وابْنُ أبِي إسْحاقَ وأبُو السَّمّالِ وأبُو عُمَرَ وفي رِوايَةِ يُونُسَ ومَحْبُوبٍ والأصْمَعِيِّ واللُّؤْلُؤِيِّ وعُبَيْدٍ «أحَدُ اللَّهُ» بِحَذْفِ التَّنْوِينِ لِالتِقائِهِ مَعَ لامِ التَّعْرِيفِ وهو مَوْجُودٌ في كَلامِ العَرَبِ، وأكْثَرُ ما يُوجَدُ في الشِّعْرِ كَقَوْلِ أبِي الأُسُودِ الدُّؤَلِيِّ: ؎فَألْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ∗∗∗ ولا ذاكِرَ اللَّهِ إلّا قَلِيلا وقَوْلِ الآخَرِ: ؎عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِضَيْفِهِ ∗∗∗ ورِجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجافُ والجَيِّدُ هو التَّنْوِينُ وكَسْرُهُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب