الباحث القرآني

وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَأوْرَدَهُمُ النّارَ﴾ عَلى الأوَّلِ اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا لِمَن سَألَ عَنْ حالِ المَتْبُوعِ والتّابِعِ مَآلًا، وعَلى الثّانِي تَفْسِيرٌ وإيضاحٌ لِعَدَمِ صَلاحِ عاقِبَتِهِ أيْ كَيْفَ يُرْشِدُ أمْرَ مَن هَذِهِ عاقِبَتُهُ، وجُمْلَةُ ( وما أمْرُ ) إلَخْ جَوَّزَ أنْ تَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ –اتَّبَعُوا- وأنْ تَكُونَ حالًا مِن مَفْعُولِهِ قِيلَ: وهو مُخْتارُ الزَّمَخْشَرِيِّ، والمُرادُ بِالقَوْمِ ما يَشْمَلُ المَلَأ وغَيْرَهُمْ، و﴿يَقْدُمُ﴾ كَيَنْصُرُ مِن قَدَمَ كَنَصَرَ بِمَعْنى تَقَدَّمَ، ومِنهُ قادِمَةُ الرَّحْلِ، وهَذا كَما يُقالُ: قَدَّمَهُ بِمَعْنى تَقَدَّمَهُ ومِنهُ مُقَدِّمَةُ الجَيْشِ، وأقْدَمَ بِمَعْنى تَقَدَّمَ ومِنهُ مُقَدِّمُ العَيْنِ فَإنَّهُ بِالكَسْرِ لا غَيْرَ كَما قالَهُ المَرْزُوقِيُّ، ومِثْلُهُ مُؤَخِّرُ العَيْنِ كَما في المُزْهِرِ، والمُرادُ مِن أوْرَدَهم يُورِدُهُمْ، والتَّعْبِيرُ بِهِ دُونَهُ لِلْإيذانِ بِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ لا مَحالَةَ، والقَوْلُ: بِأنَّهُ باقٍ عَلى حَقِيقَتِهِ -والمُرادُ فَأوْرَدَهم في الدُّنْيا النّارَ أيْ مُوجِبُها وهو الكُفْرُ- لَيْسَ بِشَيْءٍ، ونَصْبُ النّارِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ –لِأوْرَدَهُمْ- وهي اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ لِلضِّدِّ وهو الماءُ، وفي قَرِينَتِها احْتِمالاتٌ كَما شاعَ في ( يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ) وعَلى احْتِمالِ المَجازِ يَكُونُ الإيرادُ مُسْتَعارًا اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً لِسَوْقِهِمْ إلى النّارِ. وجَوَّزَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ شَبَّهَ فِرْعَوْنَ بِالفارِطِ وهو الَّذِي يَتَقَدَّمُ القَوْمَ لِلْماءِ فَفِيهِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ، وجَعَلَ اتِّباعَهُ وارِدَةً، وإثْباتُ الوُرُودِ لَهم تَخْيِيلٌ، وجَوَّزَ أيْضًا جَعْلَ المَجْمُوعِ تَمْثِيلًا. وجَوَّزَ بَعْضُهم كَوْنَ ﴿يَقْدُمُ﴾ وأوْرَدَ مُتَنازِعِينَ في النّارِ إلّا أنَّهُ أعْمَلَ الثّانِي وحَذَفَ مَفْعُولَ الأوَّلِ ولَيْسَ بِذَلِكَ. ﴿وبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ﴾ أيْ بِئْسَ الوِرْدُ الَّذِي يَرِدُونَهُ النّارُ لِأنَّ الوِرْدَ إنَّما يُورَدُ لِتَسْكِينِ العَطَشِ وتَبْرِيدِ الأكْبادِ وفي النّارِ تَقْطُّعُ الأكْبادِ واشْتِعالُها كَذا قِيلَ، فالوِرْدُ عَلى هَذا بِمَعْنى النَّصِيبِ مِنَ الماءِ و(المَوْرُودُ) صِفَتُهُ، والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وهو النّارُ، وتَعَقَّبَ بِأنَّهُ لا بُدَّ مِن تَصادُقِ فاعِلِ (بِئْسَ) ومَخْصُوصِها ولا تَصادُقَ عَلى هَذا، وأيْضًا في جَوازِ وصْفِ فاعِلِ -نِعْمَ وبِئْسَ- خِلافٌ، وابْنُ السِّراجِ والفارِسِيُّ عَلى عَدَمِ الجَوازِ. وجَوَّزَ ابْنُ عَطِيَّةَ كَوْنَ المَوْرُودِ صِفَةً والمَخْصُوصِ النّارَ إلّا أنَّهُ جَعَلَ الكَلامَ عَلى حَذْفِ المُضافِ وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ، فالتَّصادُقُ حاصِلٌ في الحَقِيقَةِ أيْ -بِئْسَ مَكانُ الوُرُودِ والمَوْرُودِ النّارُ- ومِنهم مَن يَجْعَلُ ﴿المَوْرُودُ﴾ هو المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، والمُرادُ بِهِ النّارُ، ويُقَدَّرُ المُضافُ لِيَحْصُلَ التَّصادُقُ أيْضًا أيْ -بِئْسَ مَكانُ الوِرْدِ النّارُ- ومَن يَجْعَلُ الوِرْدَ فاعِلَ (بِئْسَ) ويُفَسِّرُهُ بِالجَمْعِ الوارِدِ، و﴿المَوْرُودُ﴾ صِفَةٌ لَهم والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ ضَمِيرُهُمُ المَحْذُوفُ أيْ -بِئْسَ القَوْمُ المَوْرُودُ بِهِمْ هُمْ- فَيَكُونُ ذَمًّا لِلْوارِدِينَ لا لِمَوْضِعِ الوُرُودِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب