الباحث القرآني
﴿وإلى مَدْيَنَ﴾ أيْ أوْلادِ مَدْيَنَ بْنِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَحُذِفَ المُضافُ أوْ جُعِلَ اسْمًا بِالغَلَبَةِ لِلْقَبِيلَةِ وكَثِيرًا ما تُسَمّى القَبِيلَةُ بِاسْمِ أبِيهِمْ كَمُضَرَ وتَمِيمٍ، ولَعَلَّ هَذا أوْلى، وجَوَّزَ أنْ يُرادَ بِمَدْيَنَ المَدِينَةُ الَّتِي بَناها مَدْيَنُ فَسُمِّيَتْ بِهِ فَيُقَدَّرُ حِينَئِذٍ مُضافٌ أيْ وإلى أهْلِ مَدْيَنَ ﴿أخاهُمْ﴾ نَسِيبَهم ﴿شُعَيْبًا﴾ قَدْ مَرَّ ما قِيلَ في نَسَبِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا﴾ أيْ وأرْسَلْنا إلى مَدْيَنَ شُعَيْبًا.
﴿قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ أمْرٌ بِالتَّوْحِيدِ عَلى وجْهٍ أكِيدٍ، ولَمّا كانَ مِلاكَ الأمْرِ قَدَّمَهُ عَلى النَّهْيِ عَمّا اعْتادُوهُ مِنَ البَخْسِ المُنافِي لِلْعَدْلِ المُخِلِّ بِحِكْمَةِ التَّعارُضِ وإيصالِ الحُقُوقِ لِأصْحابِها بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ قِيلَ: أيْ لا تَنْقُصُوا النّاسَ مِنَ المِكْيالِ والمِيزانِ يَعْنِي مِمّا يُكالُ ويُوزَنُ عَلى ذِكْرِ المَحَلِّ وإرادَةِ الحالِ، واسْتَظْهَرَ أنَّ المُرادَ لا تَنْقُصُوا حَجْمَ المِكْيالِ عَنِ المَعْهُودِ وكَذا الصَّنَجاتُ، وقَدْ تَقَدَّمَ في الأعْرافِ الكَيْلُ بَدَلُ المِكْيالِ فَتَذَكَّرْ وتَأمَّلْ، ﴿إنِّي أراكم بِخَيْرٍ﴾ أيْ مُلْتَبِسِينَ بِثَرْوَةٍ واسِعَةٍ تُغْنِيكم عَنْ ذَلِكَ أوْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى حَقُّها أنْ تُقابَلَ بِغَيْرِ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِأنْ تَتَفَضَّلُوا عَلى النّاسِ شُكْرًا عَلَيْها، فَإنَّ أجَلَّ شُكْرِ النِّعَمِ الإحْسانُ والتَّفَضُّلُ عَلى عِبادِ اللَّهِ تَعالى أوْ أراكم بِخَيْرٍ وغِنًى فَلا تُزِيلُوهُ بِما تَأْتُونَهُ مِنَ الشَّرِّ، وعَلى كُلِّ حالٍ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، وعَقَّبَ بِعِلَّةٍ أُخْرى أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وإنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ﴾ إنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ ﴿عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ .
وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْأمْرِ والنَّهْيِ جَمِيعًا، وفُسِّرَ المُحِيطُ بِما لا يَشِذُّ مِنهُ أحَدٌ مِنهم وفَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالمُهْلِكِ أخْذًا مِن قَوْلِهِ تَعالى: (p-115)﴿وأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ وأصْلُهُ مِن إحاطَةِ العَدُوِّ، وادَّعى أنْ يُصَفُ اليَوْمُ بِالإحاطَةِ أبْلَغُ مِن وصْفِ العَذابِ لِأنَّ اليَوْمَ زَمانٌ يَشْتَمِلُ عَلى الحَوادِثِ فَإذا أحاطَ بِعَذابِهِ فَقَدِ اجْتَمَعَ لِلْمُعَذَّبِ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنهُ كَما إذا أحاطَ بِنَعِيمِهِ يَعْنِي أنَّ اليَوْمَ لِما كانَ زَمانًا مُشْتَمِلًا عَلى الحَوادِثِ الكائِنَةِ فِيهِ عَذابًا أوْ غَيْرَهُ، فَإذا أحاطَ بِالمُعَذَّبِ مُلْتَبِسًا بِعَذابِهِ لِأنَّهُ حادِثَةٌ فَقَدِ اجْتَمَعَ لِلْمُعَذَّبِ الأمْرُ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ اليَوْمُ وهو العَذابُ كَما إذا أحاطَ مُلْتَبِسًا بِنَعِيمِهِ.
والحاصِلُ أنَّ إحاطَةَ اليَوْمِ تَدُلُّ عَلى إحاطَةِ كُلِّ ما فِيهِ مِنَ العَذابِ، وأمّا إحاطَةُ العَذابِ عَلى قَوْمٍ فَقَدْ يَكُونُ بِأنْ يُصِيبَ كُلُّ فَرْدٍ مِنهم فَرْدًا مِن أفْرادِ العَذابِ، وأمّا فِيما نَحْنُ فِيهِ فَيَدُلُّ عَلى إحاطَةِ أنْواعِ العَذابِ المُشْتَمِلِ عَلَيْها اليَوْمُ بِكُلِّ فَرْدٍ، ولا شَكَّ في أبْلَغِيَّةِ هَذا كَذا في الكَشْفِ، وتَمامُ الكَلامِ فِيهِ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ في بَيانِ الأبْلَغِيَّةِ: إنَّ اليَوْمَ زَمانٌ لِجَمِيعِ الحَوادِثِ فَيَوْمُ العَذابِ زَمانُ جَمِيعِ أنْواعِ العَذابِ الواقِعَةِ فِيهِ، فَإذا كانَ مُحِيطًا بِالمُعَذَّبِ فَقَدِ اجْتَمَعَ أنْواعُ العَذابِ لَهُ وهَذا كَقَوْلِهِ:
؎إنَّ المُرُوءَةَ والسَّماحَةَ والنَّدى في قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلى ابْنِ الحَشْرَجِ
فَإنَّ وُقُوعَ العَذابِ في اليَوْمِ كَوُجُودِ الأوْصافِ في القُبَّةِ، وجَعْلُ اليَوْمِ مُحِيطًا بِالمُعَذَّبِ كَضَرْبِ القُبَّةِ عَلى المَمْدُوحِ، فَكَما أنَّ هَذا كِنايَةٌ عَنْ ثُبُوتِ تِلْكَ الأوْصافِ لَهُ كَذَلِكَ ذاكَ كِنايَةٌ عَنْ ثُبُوتِ أنْواعِ العَذابِ لِلْمُعَذَّبِ، وأمّا وصْفُ العَذابِ بِالإحاطَةِ فَفِيهِ اسْتِعارَةُ إحاطَتِهِ لِاشْتِمالِهِ عَلى المُعَذَّبِ، فَكَما أنَّ المُحِيطَ لا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِن أجْزاءِ المُحاطِ لا يَفُوتُ العَذابَ شَيْءٌ مِن أجْزاءِ المُعَذَّبِ، وهَذِهِ الِاسْتِعارَةُ تُفِيدُ أنَّ العَذابَ لِكُلِّ المُعَذَّبِ وتِلْكَ الكِنايَةُ تُفِيدُ أنَّ كُلَّ العَذابِ لَهُ، ولا يَخْفى ما بَيْنَهُما مِنَ التَّفاوُتِ في الأبْلَغِيَّةِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ (مُحِيطٍ) نَعْتًا لِعَذابٍ وجُرَّ لِلْجِوارِ، وقِيلَ: هو نَعْتٌ لِيَوْمٍ جارٍ عَلى غَيْرِ مَن هو لَهُ والتَّقْدِيرُ عَذابُ يَوْمٍ مُحِيطٍ عَذابُهُ ولَيْسَ بِشَيْءٍ كَما لا يَخْفى، وأيًّا ما كانَ، فالمُرادُ عَذابُ يَوْمِ القِيامَةِ أوْ عَذابُ الِاسْتِئْصالِ في الدُّنْيا، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ فَسَّرَ الخَيْرَ بِرُخْصِ السِّعْرِ والعَذابَ بِغَلائِهِ.
{"ayah":"۞ وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَۖ إِنِّیۤ أَرَىٰكُم بِخَیۡرࣲ وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ مُّحِیطࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق