الباحث القرآني
﴿فَلَمّا رَأى أيْدِيَهم لا تَصِلُ إلَيْهِ﴾ كِنايَةٌ عَنْ أنَّهم لا يَمُدُّونَ إلَيْهِ أيْدِيَهم ويَلْزَمُهُ أنَّهم لا يَأْكُلُونَ، وقِيلَ: (لا) كِنايَةٌ بِناءً عَلى ما رُوِيَ أنَّهم كانُوا يَنْكُتُونَ اللَّحْمَ بِقِداحٍ في أيْدِيهِمْ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وفي القَلْبِ مِن صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوايَةِ شَيْءٌ إذْ هَذا النَّكْتُ أشْبَهُ شَيْءٍ بِالعَبَثِ، والمَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَجِلُّونَ عَنْ مِثْلِهِ، و(رَأى) قِيلَ: عِلْمِيَّةٌ فَجُمْلَةُ ﴿لا تَصِلُ﴾ مَفْعُولٌ ثانٍ، والظّاهِرُ أنَّها بَصَرِيَّةٌ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ مِن أدَبِ الضِّيافَةِ النَّظَرَ إلى الضَّيْفِ هَلْ يَأْكُلُ أوْ لا، لَكِنْ ذَكَرُوا أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بِتَلَفُّتٍ ومُسارَقَةٍ لا بِتَحْدِيدِ النَّظَرِ (p-95)لِأنَّ ذَلِكَ مِمّا يَجْعَلُ الضَّيْفَ مُقَصِّرًا في الأكْلِ أيْ لِما شاهَدَ مِنهم ذَلِكَ ﴿نَكِرَهُمْ﴾ أيْ نَفَرَهم ﴿وأوْجَسَ﴾ أيِ اسْتَشْعَرَ وأدْرَكَ، وقِيلَ: أضْمَرَ (مِنهُمْ) أيْ مِن جِهَتِهِمْ (خِيفَةً) أيْ خَوْفًا، وأصْلُها الحالَةُ الَّتِي عَلَيْها الإنْسانُ مِنَ الخَوْفِ، ولَعَلَّ اخْتِيارَها بِالذِّكْرِ لِلْمُبالَغَةِ حَيْثُ تَفَرَّسَ لِذَلِكَ مَعَ جَهالَتِهِ لَهم مِن قَبْلُ وعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ مِن أيِّ النّاسِ يَكُونُونَ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ ما في الذّارِياتِ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ حِكايَةً عَنْهُ: ﴿قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ أنَّهم مَلائِكَةٌ، وظَنَّ أنَّهم أُرْسِلُوا لِعَذابِ قَوْمِهِ لِأمْرٍ أنْكَرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ (قالُوا) حِينَ رَأوْا أثَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، أوْ أعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِهِ، أوْ بَعْدَ أنْ قالَ لَهم ما في الحِجْرِ ﴿إنّا مِنكم وجِلُونَ﴾ فَإنَّ الظّاهِرَ مِنهُ أنَّ هُناكَ قَوْلًا بِالفِعْلِ لا بِالقُوَّةِ كَما هو احْتِمالٌ فِيهِ عَلى ما سَتَراهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ أنَّ عِلْمَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهم مَلائِكَةٌ يُوجِبُ الخَوْفَ لِأنَّهم لا يَنْزِلُونَ إلّا بِعَذابٍ، وقِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ لِلْمَلائِكَةِ مُطْلَقًا ما لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ مِن الِاطِّلاعِ كَما قالَ تَعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ وفي الصَّحِيحِ: «قالَتِ المَلائِكَةُ: رَبِّ عَبْدُكَ هَذا يُرِيدُ أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً» الحَدِيثَ، وهو قَوْلٌ بِأنَّ المَلائِكَةَ يَعْلَمُونَ الأُمُورَ القَلْبِيَّةَ.
وفِي الأخْبارِ الصَّحِيحَةِ ما هو صَرِيحٌ بِخِلافِهِ، والآيَةُ والخَبَرُ المَذْكُورانِ لا يَصْلُحانِ دَلِيلًا لِهَذا المَطْلَبِ، وإسْنادُ القَوْلِ إلَيْهِمْ ظاهِرٌ في أنَّ الجَمِيعَ قالُوا ( لا تَخَفْ ) ويَحْتَمِلُ أنَّ القائِلَ بَعْضُهُمْ، وكَثِيرًا ما يُسْنَدُ فِعْلُ البَعْضِ إلى الكُلِّ في أمْثالِ ذَلِكَ، وظاهِرُ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنّا أُرْسِلْنا﴾ أنَّهُ اسْتِئْنافٌ في مَعْنى التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ المَذْكُورِ كَما أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنّا نُبَشِّرُكَ﴾ اسْتِئْنافٌ كَذَلِكَ فَإنَّ إرْسالَهم إلى قَوْمٍ آخَرِينَ يُوجِبُ أمْنَهُ مِنَ الخَوْفِ أيْ (أرْسَلْنا) بِالعَذابِ ﴿إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ خاصَّةً، ويُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْنا أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أحَسَّ بِأنَّهم مَلائِكَةٌ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا﴾ فَإنَّهُ كَما لا يَخْفى عَلى مَن لَهُ أدْنى ذَوْقٍ إنَّما يُقالُ لِمَن عَرَفَهم ولَمْ يَعْرِفْ فِيمَ أُرْسِلُوا فَخافَ، وأنَّ الإنْكارَ المَدْلُولَ عَلَيْهِ بِنَكْرِهِمْ غَيْرَ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِما في الذّارِياتِ فَلا إشْكالَ في كَوْنِ الإنْكارِ هُناكَ قَبْلَ إحْضارِ الطَّعامِ وهُنا بَعْدَهُ، وأصْلُ الإنْكارِ ضِدَّ العِرْفانِ، ونَكَرْتُ وأنْكَرْتُ واسْتَنْكَرْتُ بِمَعْنًى، وقِيلَ: إنْ أنْكَرَ فِيما لا يُرى مِنَ المَعانِي ونَكَرَ فِيما يُرى بِالبَصَرِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎وأنْكَرَتْنِي وما كانَ الَّذِي نَكَرَتْ مِنَ الحَوادِثِ إلّا الشَّيْبَ والصَّلَعا
فَإنَّهُ أرادَ في الأوَّلِ عَلى ما قِيلَ: أنْكَرَتْ مَوَدَّتِي، وقالَ الرّاغِبُ: إنَّ أصْلَ ذَلِكَ أنْ يَرِدَ عَلى القَلْبِ ما لا يَتَصَوَّرُهُ وذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الجَهْلِ وبِهِ فُسِّرَ ما في الآيَةِ، وفَرَّقَ بَعْضُهم بَيْنَ ما هُنا وبَيْنَ ما وقَعَ في الذّارِياتِ بِأنَّ الأوَّلَ راجِحٌ إلى حالِهِمْ حِينَ قَدَّمَ إلَيْهِمُ العِجْلَ. والثّانِي مُتَعَلِّقٌ بِأنْفُسِهِمْ ولا تَعَلُّقَ لَهُ بِرُؤْيَةِ عَدَمِ أكْلِهِمْ، بَلْ وقَعَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَهم لِعَدَمِ كَوْنِهِمْ مِن جِنْسِ ما يَعْهَدُهُ مِنَ النّاسِ، ويَحْتاجُ هَذا إلى اعْتِبارِ حَذْفِ المُضافِ أوْ مُلاحَظَةِ الحَيْثِيَّةِ، واعْتُرِضَ ما قَدَّمْناهُ بِأنَّ فِيهِ ارْتِكابَ مَجازٍ، ولَعَلَّ الأمْرَ فِيهِ سَهْلٌ.
وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَعْرِفْ أنَّهم مَلائِكَةٌ حَتّى قالُوا لَهُ: ﴿لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا﴾ وكَأنَّ سَبَبَ خَوْفِهِ مِنهم أنَّهم لَمْ يَتَحَرَّمُوا بِطَعامِهِ فَظَنَّ أنَّهم يُرِيدُونَ بِهِ سُوءًا إذْ كانَتِ العادَةُ إذْ ذاكَ كَذَلِكَ، وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ نازِلًا في طَرَفٍ مِنَ الأرْضِ مُنْفَرِدًا عَنْ قَوْمِهِ، وهي رِوايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أخْرَجَها إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ (p-96)وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحّاكِ عَنْهُ، وقِيلَ: كانَ سَبَبُ خَوْفِهِ أنَّهم دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنٍ وبِغَيْرِ وقْتٍ.
وقالَ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ: الحَقُّ أنَّ الخَوْفَ إنَّما صَدَرَ عَنْ مَجْمُوعِ كَوْنِهِمْ مُنْكِرِينَ وكَوْنِهِمْ مُمْتَنِعِينَ مِنَ الطَّعامِ كَما يُعْلَمُ مِنَ الآياتِ الوارِدَةِ في هَذِهِ القِصَّةِ، ولِأنَّهُ لَوْ عَرَفَهم بِأنَّهم مَلائِكَةٌ لَمْ يُحْضِرْ بَيْنَ أيْدِيهِمُ الطَّعامَ ولَمْ يُحَرِّضْهم عَلى الأوَّلِ، وإنَّما عَدَلُوا إلى قَوْلِهِمْ: ﴿إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ لِيَكُونَ جامِعًا لِلْمَعانِي بِحَيْثُ يُفْهَمُ مِنهُ المَقْصُودُ أيْضًا، انْتَهى.
وفِيهِ إشارَةٌ إلى الرَّدِّ عَلى الزَّمَخْشَرِيَّ، وقَدِ اخْتَلَفَ كَلامُهُ في تَعْلِيلِ الخَوْفِ فَعَلَّلَهُ تارَةً بِعِرْفانِهِ أنَّهم مَلائِكَةٌ وأُخْرى بِأنَّهم لِمَ يَتَحَرَّمُوا طَعامَهُ، ولَعَلَّهُ أرادَ بِذَلِكَ العِرْفانِ العِرْفانَ بَعْدَ إحْضارِ الطَّعامِ، وما ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ مِن أنَّهُ لَوْ عَرَفَهم بِأنَّهم مَلائِكَةٌ لَمْ يَحْضُرْ إلَخْ غَيْرَ قادِحٍ إذْ يَجُوزُ أنْ يَخافَهم بَعْدَ الإحْضارِ أوَّلًا لِعَدَمِ التَّحَرُّمِ، ثُمَّ بَعْدَ تَفَرُّسِ أنَّهم مَلائِكَةٌ خافَهم لِأنَّهم مَلائِكَةٌ أُرْسِلُوا لِلْعَذابِ، والزَّمَخْشَرِيُّ حَكى أحَدَ الخَوْفَيْنِ في مَوْضِعٍ والآخَرَ في آخَرَ.
قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ والتَّعْلِيلُ بِأنَّهم مَلائِكَةٌ هو الوَجْهُ لِيَنْتَظِمَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لا تَوْجَلْ إنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ مَعَ ما قَبْلَهُ إذْ لَوْ كانَ الوَجَلُ لِكَوْنِهِمْ عَلى غَيْرِ زِيٍّ مِن عُرْفٍ ونَحْوِهِ لَمْ يَحْسُنِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( إنّا نُبَشِّرُكَ ) فَإنَّهُ إنَّما هو تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الوَجِلِ مِن أنَّهم مَلائِكَةٌ أُرْسِلُوا لِلْعَذابِ كَأنَّهم قالُوا: ﴿لا تَوْجَلْ إنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)،﴾ و﴿إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ فَجاءَ عَلى اخْتِصاراتِ القُرْآنِ بِذِكْرِ أحَدِ التَّعْلِيلَيْنِ في أحَدِ المَوْضِعَيْنِ والآخِرِ في الآخَرِ، ولا شَكَّ أنَّ في الحِجْرِ اخْتِصارًا لِطَيِّ حَدِيثِ الرُّواعِ، والتَّعْجِيلُ بِالعِجْلِ الحَنِيذِ وعَدَمُ تَحَرُّمِهِمْ بِطَعامِهِ لِما أنَّ المَقْصُودَ مِن سَوْقِ القِصَّةِ هُنالِكَ التَّرْغِيبُ والتَّرْهِيبُ لِلِاعْتِبارِ بِحالِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وما لَقِيَ مِنَ البُشْرى والكَرامَةِ، وحالِ قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وما مُنُّوا بِهِ مِنَ السَّوْأى والمَلامَةِ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿نَبِّئْ عِبادِي أنِّي أنا الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ إلى قَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿عَنْ ضَيْفِ إبْراهِيمَ﴾ فاقْتَصَرَ عَلى ما يُفِيدُ ذَلِكَ الغَرَضَ، وأمّا في هَذِهِ السُّورَةِ فَجِيءَ بِها لِلْإرْشادِ الَّذِي بَنى عَلَيْهِ السُّورَةَ الكَرِيمَةَ مَعَ إدْماجِ التَّسْلِيَةِ ورَدَ ما رَمَوْهُ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن الِافْتِراءِ، وفي كُلٍّ مِن أجْزاءِ القِصَّةِ ما يَسُدُّ مِن هَذِهِ الأغْراضِ فَسُرِدَ عَلى وجْهِها، وفي سُورَةِ الذّارِياتِ لِلْأخِيرَيْنِ فَقَطْ فَجِيءَ بِما يُفِيدُ ذَلِكَ فَلا عَلَيْكَ إنْ رَأيْتَ اخْتِصارًا أنْ تَنْقُلَ إلَيْهِ مِنَ المَبْسُوطِ ما يَتِمُّ بِهِ الكَلامُ بَعْدَ أنْ تَعْرِفَ نُكْتَةَ الِاخْتِصارِ، وهَذا مِن خَواصِّ كِتابِ اللَّهِ تَعالى الكَرِيمِ، انْتَهى ولا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ، وفِيهِ ذَهابٌ إلى كَوْنِ جُمْلَةِ ﴿إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ اسْتِئْنافًا في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ كَما هو الظّاهِرُ.
وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: الظّاهِرُ ما ذُكِرَ إلّا أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قالَ فَما خَطْبُكم أيُّها المُرْسَلُونَ﴾ ﴿قالُوا إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ صَرِيحٌ في أنَّهم قالُوهُ جَوابًا عَنْ سُؤالِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقَدْ أوْجَزَ الكَلامَ اكْتِفاءً بِذَلِكَ، انْتَهى.
وتَعَقَّبَ بِأنَّهُ قَدْ يُقالُ: إنَّ ذَلِكَ لا يَقْدَحُ في الحَمْلِ عَلى الظّاهِرِ لِجَوازِ أنْ يَكُونُوا قالُوا ذَلِكَ عَلى مَعْنى التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنِ الخَوْفِ، ولَكِنَّهُ وإنْ أُرِيدَ مِنهُ الإرْسالُ بِالعَذابِ لِقَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مُجْمَلٌ لَمْ يُؤْتَ بِهِ عَلى وجْهٍ يَظْهَرُ مِنهُ ما نَوْعُ هَذا العَذابِ هَلْ هو اسْتِئْصالٌ أمْ لا؟ فَسَألَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ فَكَأنَّهُ قالَ: أيُّها المُرْسَلُونَ إلى قَوْمِ لُوطٍ ما هَذا الأمْرُ العَظِيمُ الَّذِي أُرْسِلْتُمْ بِهِ؟ فَأجابُوهُ بِما يَتَضَمَّنُ بَيانَ ذَلِكَ مَعَ الإشارَةِ إلى عِلَّةِ نُزُولِ ذَلِكَ الأمْرِ بِهِمْ وهو قَوْلُهُمْ: ﴿إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ ﴿إلا آلَ لُوطٍ إنّا لَمُنَجُّوهم أجْمَعِينَ﴾ الآيَةَ، فَإنَّ انْفِهامَ عَذابِ الِاسْتِئْصالِ لِقَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن ذَلِكَ ظاهِرٌ، وكَذا الإشارَةُ إلى العِلَّةِ.
(p-97)والحاصِلُ أنَّ السُّؤالَ في تِلْكَ الآيَةِ عَنِ الخَطْبِ وهو في الأصْلِ الأمْرُ العَظِيمُ الَّذِي يَكْثُرُ فِيهِ التَّخاطُبُ، ويُرادُ مِنَ السُّؤالِ عَنْهُ تَحْقِيقُ أمْرٍ لَمْ يَعْلَمْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن كَلامِهِمْ قَبْلُ؛ إمّا لِأنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنهُ، أوْ لِأنَّهُ كانَ مَشْغُولًا عَنْ كَمالِ التَّوَجُّهِ لِيَعْلَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنهُ ذَلِكَ، وفي خِطابِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لَهم عَلَيْهِمُ السَّلامُ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ ما يُؤَيِّدُ تَقَدُّمَ قَوْلِهِمْ: ( إنّا أُرْسِلْنا ) عَلى هَذا السُّؤالِ لَكِنَّهُ أُسْقِطَ هُناكَ تَعْوِيلًا عَلى ما هُنا، ولا بِدَعَ في الإسْقاطِ مِنَ المُتَأخِّرِ تَعْوِيلًا عَلى المُتَقَدِّمِ، وتَأخُّرُ الحِجْرِ والذّارِياتِ عَنْ هُودٍ تِلاوَةً مِمّا لا كَلامَ فِيهِ، وتَأخُّرُهُما نُزُولًا مِمّا رَواهُ ابْنُ ضُرَيْسٍ في فَضائِلِ القُرْآنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي جَعْفَرٍ الرّازِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ هارُونَ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وذَكَرَ أنَّها كُلَّها نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وأنَّ بَيْنَ هُودٍ والحِجْرِ سُورَةً واحِدَةً، وبَيْنَ الحِجْرِ والذّارِياتِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سُورَةً فَلْيُتَأمَّلْ في هَذا المَقامِ، ويَفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِهِمْ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنَهم مَلائِكَةً إلّا بَعْدَ أنْ مَسَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ العِجْلَ بِجَناحِهِ فَقامَ يَدْرُجُ حَتّى لَحِقَ بِأُمِّهِ فَحِينَئِذٍ عَرَفَهم وأمِنَ مِنهُمْ، ولَمْ يَتَحَقَّقْ صِحَّةُ الخَبَرِ عِنْدِي، والَّذِي أمِيلُ إلَيْهِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَرَفَهم قَبْلَ ذَلِكَ، وأنَّ خَوْفَهُ مِنهم لِكَوْنِهِمْ مَلائِكَةً لَمْ يَدْرِ لِأيِّ شَيْءٍ نَزَلُوا، ويَبْعُدْ عِنْدَ مَن عَرَفَ حالَ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ القَوْلُ بِأنَّهُ خافَ بُشْرًا وبَلَغَ مِنهُ الخَوْفُ حَتّى ﴿قالَ إنّا مِنكم وجِلُونَ﴾ لا سِيَّما إذا قُلْنا: إنَّ مَن خافَهم كانُوا ثَلاثَةً وأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ في طَرَفٍ مِنَ الأرْضِ بَلْ كانَ بَيْنَ أصْحابِهِ، أوْ كانَ هُناكَ لَكِنْ بَيْنَ خَدَمِهِ وغِلْمانِهِ ﴿وامْرَأتُهُ﴾ سارَّةُ بِنْتُ هارانَ بْنِ ناحُورٍ وهي بِنْتُ عَمِّهِ ﴿قائِمَةٌ﴾ في الخِدْمَةِ كَما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ وكانَتْ نِساؤُهم لا تَحْتَجِبُ لا سِيَّما العَجائِزُ مِنهُمْ، وكانَتْ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها عَجُوزًا، وقالَ وهْبٌ: كانَتْ قائِمَةً وراءَ السِّتْرِ تَسْمَعُ مُحاوَرَتَهُمْ، وأخَذَ مِنهُ بَعْضُهم أنَّ تَسَتُّرَ النِّساءِ كانَ لازِمًا، والظّاهِرُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِتَأخُّرِ آيَةِ الحِجابِ، ويَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ القِيامَ وراءَ السِّتْرِ كانَ اتِّفاقِيًّا، وعَنِ ابْنِ إسْحاقَ أنَّها كانَتْ قائِمَةً تُصَلِّي، وقالَ المُبَرَّدُ: كانَتْ قائِمَةً عَنِ الوَلَدِ وهو خِلافُ المَشْهُورِ في الِاسْتِعْمالِ، وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ المُغِيرَةِ قالَ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ وهو جالِسٌ، وفي الكَشّافِ بَدَلُ وهو جالِسٌ وهو قاعِدٌ، وعَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ بَدَلُ.
{"ayah":"فَلَمَّا رَءَاۤ أَیۡدِیَهُمۡ لَا تَصِلُ إِلَیۡهِ نَكِرَهُمۡ وَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِیفَةࣰۚ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡ إِنَّاۤ أُرۡسِلۡنَاۤ إِلَىٰ قَوۡمِ لُوطࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











