الباحث القرآني

﴿وتِلْكَ عادٌ﴾ أنَّثَ اسْمَ الإشارَةِ بِاعْتِبارِ القَبِيلَةِ عَلى ما قِيلَ، فالإشارَةُ إلى ما في الذِّهْنِ وصِيغَةُ البَعِيدِ لِتَحْقِيرِهِمْ أوْ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنزِلَةَ البَعِيدِ لِعَدَمِهِمْ، أوِ الإشارَةُ إلى قُبُورِهِمْ ومَصارِعِهِمْ، وحِينَئِذٍ الإشارَةُ لِلْبَعِيدِ المَحْسُوسِ، والإسْنادُ مَجازِيٌّ أوْ هو مِن مَجازِ الحَذْفِ، أيْ تِلْكَ قُبُورُ عادٍ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ بِتَقْدِيرِ أصْحابِ تِلْكَ عادٌ، والجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وكانَ المَقْصُودُ الحَثَّ عَلى الِاعْتِبارِ بِهِمْ والِاتِّعاظِ بِأحْوالِهِمْ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ﴾ إلَخْ.. اسْتِئْنافٌ لِحِكايَةِ بَعْضِ قَبائِحِهِمْ، أيْ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمُ الَّتِي أيَّدَ بِها رَسُولَهُ الدّاعِيَ إلَيْهِ ودَلَّ بِها عَلى صِدْقِهِ وأنْكَرُوها فَقالُوا: ﴿يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ،﴾ أوْ أنْكَرُوا آياتِهِ سُبْحانَهُ في الآفاقِ والأنْفُسِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ تَعالى حَسْبَما قالَ لَهم هُودٌ عَلَيْهِ السَّلامُ. وجَوَّزَ أنْ يُرادَ بِها الآياتُ الَّتِي أتى بِها هُودٌ، وغَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويُلائِمُهُ جَمْعُ الرُّسُلِ الآتِي عَلى قَوْلٍ، وعُدِّيَ –جَحَدَ- بِالباءِ حَمْلًا لَهُ عَلى كَفَرَ لِأنَّهُ المُرادُ، أوْ بِتَضْمِينِهِ مَعْناهُ كَما أنَّ كَفَرَ يَجْرِي مَجْرى جَحَدَ فَيُعَدّى بِنَفْسِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ألا إنَّ عادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ وقِيلَ: كَفَرَ كَشَكَرَ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ وبِالباءِ، وظاهِرُ كَلامِ القامُوسِ أنَّ جَحَدَ كَذَلِكَ ﴿وعَصَوْا رُسُلَهُ﴾ قِيلَ: المُرادُ بِالرُّسُلِ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلامُ والرُّسُلُ الَّذِينَ كانُوا مَعَهُ مِن قَبْلِهِ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِمْ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلامُ وسائِرُ الرُّسُلِ مِن قَبْلِهِ تَعالى لِلْأُمَمِ مِن قَبْلِهِ ومِن بَعْدِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِناءً عَلى أنَّ عِصْيانَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وكَذا عِصْيانُ كُلِّ رَسُولٍ بِمَنزِلَةِ عِصْيانِ الرُّسُلِ جَمِيعِهِمْ لِأنَّ الجَمِيعَ مُتَّفِقُونَ عَلى التَّوْحِيدِ فَعِصْيانُ واحِدٍ عِصْيانٌ لِلْجَمِيعِ فِيهِ، أوْ عَلى أنَّ القَوْمَ أمَرَهم كُلُّ رَسُولٍ مِن قَبْلْ بِطاعَةِ الرُّسُلِ والإيمانِ بِهِمْ إنْ أدْرَكُوهم فَلَمْ يَمْتَثِلُوا ذَلِكَ الأمْرَ ﴿واتَّبَعُوا أمْرَ كُلِّ جَبّارٍ﴾ مُتَعالٍ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ، وقالَ الكَلْبِيُّ: هو الَّذِي يَقْتُلُ عَلى الغَضَبِ ويُعاقِبُ عَلى المَعْصِيَةِ. وقالَ الزَّجّاجُ: هو الَّذِي يُجْبِرُ النّاسَ عَلى ما يُرِيدُ، وذَكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّهُ العَظِيمُ في نَفْسِهِ المُتَكَبِّرُ عَلى العِبادِ (p-87)﴿عَنِيدٍ﴾ أيْ طاغٍ مِن –عَنَدَ- بِتَثْلِيثِ النُّونِ –عَنْدًا- بِالإسْكانِ –وعَنَدًا- بِالتَّحْرِيكِ –وعُنُودًا- بِضَمِّ العَيْنِ إذا طَغا وجاوَزَ الحَدَّ في العِصْيانِ، وفَسَّرَهُ الرّاغِبُ بِالمُعْجَبِ بِما عِنْدَهُ، والجَوْهَرِيُّ بِمَن خالَفَ الحَقَّ ورَدَّهُ وهو يَعْرِفُهُ، وكَذا عانَدَ، ويُطْلَقُ الأخِيرُ عَلى البَعِيرِ الَّذِي يَجُورُ عَنِ الطَّرِيقِ ويَعْدِلُ عَنِ القَصْدِ، وجَمْعُهُ عُنَّدٌ كَراكِعٍ ورُكَّعٍ وجَمْعُ العَنِيدِ –عُنُدٌ- كَرَغِيفٍ ورُغُفٍ، والعُنُودُ قِيلَ: بِمَعْنى العَنِيدِ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ يُقالُ: بَعِيرٌ عُنُودٌ، ولا يُقالُ: عَنِيدٌ، ويُجْمَعُ الأوَّلُ عَلى عَنَدَةٍ، والثّانِي عَلى عُنُدٍ، وآخَرُ أنَّ العُنُودَ العادِلُ عَنِ الطَّرِيقِ المَحْسُوسِ، والعَنِيدُ العادِلُ عَنِ الطَّرِيقِ في الحُكْمِ؛ وكِلاهُما مِن –عَنَدَ- وأصْلُ مَعْناهُ عَلى ما قِيلَ: اعْتَزَلَ في جانِبٍ لِأنَّ –العَنَدَ- بِالتَّحْرِيكِ الجانِبُ، يُقالُ: يَمْشِي وسَطًا لا عَنَدًا، ومِنهُ -عِنْدَ- الظَّرْفِيَّةُ، ويُقالُ لِلنّاحِيَةِ أيْضًا: العِنْدُ مُثَلَّثَةٌ، وهَذا الحُكْمُ لَيْسَ كالحُكْمَيْنِ السّابِقَيْنِ مِن جُحُودِ الآياتِ وعِصْيانِ الرُّسُلِ في الشُّمُولِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنهم فَإنَّ اتِّباعَ الأمْرِ مِن أحْكامِ الأسافِلِ دُونَ الرُّؤَساءِ. وقِيلَ: هو مِثْلُ ذَلِكَ في الشُّمُولِ، والمُرادُ –بِالأمْرِ- الشَّأْنُ -وبِكُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ- مَن هَذِهِ صِفَتُهُ مِنَ النّاسِ لا أُناسَ مَخْصُوصُونَ مِن عادٍ مُتَّصِفُونَ بِذَلِكَ، والمُرادُ بِاتِّباعِ الأمْرِ مُلازَمَتُهُ أوِ الرِّضا بِهِ عَلى أتَمِّ وجْهٍ، ويُؤَوِّلُ ذَلِكَ إلى الِاتِّصافِ أيْ إنَّ كُلًّا مِنهُمُ اتَّصَفَ بِصِفَةِ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ، ولا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ الظّاهِرِ، وقَدْ يَدَّعِي العُمُومَ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى ارْتِكابِ مِثْلِهِ، والمُرادُ عَلى ما تَقَدَّمَ أنَّهم عَصَوْا مَن دَعاهم إلى سَبِيلِ الهُدى وأطاعُوا مَن حَداهم إلى مَهاوِي الرَّدى
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب