الباحث القرآني
﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيْ أخْذِهِ سُبْحانَهُ لِلْأُمَمِ المُهْلَكَةِ أوْ فِيما قَصَّ مِن أخْبارِهِمْ ﴿لآيَةً﴾ أيْ لَعَلامَةً، وفَسَّرَها بَعْضُهم بِالعِبْرَةِ لِما أنَّها تَلْزَمُها وهو حَسَنٌ؛ والتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أيْ لَعِبْرَةً عَظِيمَةً ﴿لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ﴾ فَإنَّهُ إذا رَأى ما وقَعَ في الدُّنْيا بِالمُجْرِمِينَ مِنَ العَذابِ الألِيمِ اعْتُبِرَ بِهِ حالُ العَذابِ المَوْعُودِ فَإنَّهُ عَصا مِن عَصِيِّهِ وقَلِيلٌ مِن كَثِيرٍ، وانْزَجَرَ بِذَلِكَ عَنِ المَعاصِي الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْها العَذابُ وأكَبَّ عَلى التَّقْوى والخَشْيَةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وقَدْ أُقِيمَ (مَن خافَ) إلَخْ مَقامَ مَن صَدَّقَ بِذَلِكَ لِما بَيْنَهُما (p-138)مِنَ اللُّزُومِ ولِأنَّ الِاعْتِبارَ إنَّما يَنْشَأُ مِنَ الخَوْفِ، وذَكَرَ هَذا القَيْدَ لِأنَّ مَن أنْكَرَ الآخِرَةَ وأحالَ فَناءَ هَذا العالَمِ أسْنَدَ الحَوادِثَ إلى أسْبابٍ فَلَكِيَّةٍ وأوْضاعٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِذَلِكَ أصْلًا، ولَمْ يَنْزَجِرْ عَنِ الضَّلالَةِ قَطْعًا، وقالَ: إنَّ ما وقَعَ إنَّما وقَعَ لِهاتَيْكِ الأسْبابِ والأوْضاعِ لا لِلْمَعاصِي الَّتِي اقْتَرَفَتْها الأُمَمُ المُهْلَكَةُ.
وقِيلَ: المُرادُ إنَّ فِيما ذُكِرَ دَلِيلًا عَلى عَذابِ المُجْرِمِينَ في الآخِرَةِ لِأنَّهم إذا عُذِّبُوا في الدُّنْيا لِإجْرامِهِمْ -وهِيَ دارُ العَمَلِ- فَلَأنْ يُعَذَّبُوا في الآخِرَةِ عَلَيْهِ -وهِيَ دارُ الجَزاءِ- أوْلى، وقِيلَ: المُرادُ إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلى البَعْثِ والجَزاءِ، وذَلِكَ أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَدْ أخْبَرُوا بِاسْتِئْصالِ مَن كَذَّبَهم وأشْرَكَ بِاللَّهِ ووَقَعَ ما أخْبَرُوا بِهِ وفْقَ إخْبارِهِمْ، وذَلِكَ أحَدُ الشَّواهِدِ عَلى صِدْقِهِمْ فَيَكُونُونَ صادِقِينَ فِيما يُخْبِرُونَ بِهِ مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ فَلا بُدَّ أنْ يَقَعَ لا مَحالَةَ، والتَّقْيِيدُ بِما ذُكِرَ هُنا كالتَّقْيِيدِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) وهو كَما تَرى (ذَلِكَ) إشارَةٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الآخِرَةِ ﴿يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ﴾ أيْ يُجْمَعُ لَهُ النّاسُ لِلْمُحاسَبَةِ والجَزاءِ، فالنّاسُ نائِبُ فاعِلِ مَجْمُوعٍ.
وأجازَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً و(مَجْمُوعٌ) خَبَرُهُ، وفِيهِ بُعْدٌ إذِ الظّاهِرُ حِينَئِذٍ أنْ يَكُونَ مَجْمُوعًا وعَدَلَ عَنِ الفِعْلِ -وكانَ الظّاهِرُ- لِيَدُلَّ الكَلامُ عَلى ثُبُوتِ مَعْنى الجَمْعِ وتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ لا مَحالَةَ وأنَّ النّاسَ لا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ فَهو أبْلَغُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكم لِيَوْمِ الجَمْعِ﴾ وإيضاحُهُ أنَّ في هَذا دَلالَةً عَلى لُزُومِ الوَصْفِ ولُزُومِ الإسْنادِ، وفي ذَلِكَ عَلى حُدُوثِ تَعَلُّقِ الجَمْعِ بِالمُخاطَبِينَ واخْتِصاصِهِ بِاليَوْمِ، ولِهَذا اسْتَدْرَكَهُ بِقَوْلِهِ: الجَمْعُ فَأضافَ اليَوْمَ إلَيْهِ لِيَدُلَّ عَلى لُزُومِهِ لَهُ وإنَّما الحادِثُ جَمْعُ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ دُفْعَةً ﴿وذَلِكَ﴾ أيْ يَوْمُ القِيامَةِ مَعَ مُلاحَظَةِ عُنْوانِ جُمَعِ النّاسِ لَهُ ﴿يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ أيْ مَشْهُودٌ فِيهِ فاتَّسَعَ في الجارِّ والمَجْرُورِ ووَصَلَ الفِعْلَ إلى الضَّمِيرِ إجْراءً لَهُ مَجْرى المَفْعُولِ بِهِ كَما في قَوْلِهِ:
؎ويَوْمًا شَهِدْناهُ سَلِيمًا وعامِرًا قَلِيلٌ سِوى طَعْنِ الدِّراكِ نَوافِلُهُ
أيْ يَشْهَدُ فِيهِ الخَلائِقُ المَوْقِفَ لا يَغِيبُ عَنْهُ أحَدٌ وإنَّما لَمْ يَجْعَلْ نَفْسَ اليَوْمِ مَشْهُودًا بَلْ جُعِلَ مَشْهُودًا فِيهِ ولَمْ يُذْكَرِ المَشْهُودُ تَهْوِيلًا وتَعْظِيمًا أنْ يَجْرِيَ عَلى اللِّسانِ وذَهابًا إلى أنْ لا مَجالَ لِالتِفاتِ الذِّهْنِ إلى غَيْرِهِ، وقَدْ يُقالُ: المَشْهُودُ هو الَّذِي كَثُرَ شاهِدُوهُ، ومِنهُ قَوْلُهُمْ: لِفُلانٍ مَجْلِسٌ مَشْهُودٌ وطَعامٌ مَحْضُورٌ، ولِأُمِّ قَيْسٍ الضَّبِّيَّةِ:
؎ومَشْهَدٌ قَدْ كَفَيْتُ النّاطِقِينَ بِهِ ∗∗∗ في مَحْفِلٍ مِن نَواصِي النّاسِ مَشْهُودٍ
واعْتَبَرُوا كَثْرَةَ شاهِدِيهِ نَظَرًا إلى أنَّهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُطْلَقَ اسْمُ المَشْهُودِ عَلى الإطْلاقِ عَلَيْهِ، ولَوْ جُعِلَ اليَوْمُ نَفْسَهُ مَشْهُودًا مِن غَيْرِ هَذا الِاعْتِبارِ لَمْ يَحْصُلِ الغَرَضُ مِن تَعْظِيمِ اليَوْمِ وتَمْيِيزِهِ فَإنَّ سائِرَ الأيّامِ كَذَلِكَ لَكِنْ جاءَ الِامْتِيازُ مِن ذَلِكَ لِما أُضِيفَ إلَيْهِ مِنَ الكَثْرَةِ المَهُولَةِ المُمَيَّزَةِ، وبِما ذَكَرَ يُعْلَمُ سُقُوطُ ما قِيلَ: الشُّهُودُ الحُضُورُ، واجْتِماعُ النّاسِ حُضُورُهم فَمَشْهُودٌ بَعْدَ مَجْمُوعٍ مُكَرَّرٌ
{"ayah":"إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ ذَ ٰلِكَ یَوۡمࣱ مَّجۡمُوعࣱ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَ ٰلِكَ یَوۡمࣱ مَّشۡهُودࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق