الباحث القرآني

﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الأخْذِ والإهْلاكِ الَّذِي مَرَّ بَيانُهُ، وهو عَلى ما قالَ السَّمِينُ: خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أخْذُ رَبِّكَ﴾ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وقِيلَ: بِالعَكْسِ، والكافُ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ اسْمِيَّةً وأنْ تَكُونَ حَرْفِيَّةً، وقَدْ يُجْعَلُ المُشارُ إلَيْهِ الأخْذَ المَذْكُورَ بَعْدُ كَما تَحَقَّقَ قَبْلُ، وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ بِغَيْرِ واوٍ. ﴿إذا أخَذَ القُرى﴾ أيْ أهْلَها وإنَّما أسْنَدَ إلَيْها لِلْإشْعارِ بِسَرَيانِ أثَرِهِ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ وأبُو رَجاءٍ (وكَذَلِكَ أخَذَ رَبُّكَ إذا أخَذَ) عَلى أنَّ أخَذَ رَبُّكَ فِعْلٌ وفاعِلٌ، والظَّرْفُ لِما مَضى، وهو إخْبارٌ عَمّا جَرَتْ بِهِ عادَةُ اللَّهِ تَعالى في إهْلاكِ مَن تَقَدَّمَ مِنَ الأُمَمِ، وكَذَلِكَ عَلى هَذا سادٌّ مَسَدَّ المَصْدَرِ النَّوْعِيِّ ولا مانِعَ مِن تَقَدُّمِهِ عَلى الفِعْلِ، والقُرى مُتَنازَعٌ لِلْمَصْدَرِ والفِعْلِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وهِيَ ظالِمَةٌ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ ( القُرى ) ولِذا أنَّثَ الضَّمِيرَ و( ظالِمَةٌ ) إلّا أنَّ وصْفَ القُرى بِالظُّلْمِ مَجازٌ وهو في الحَقِيقَةِ صِفَةُ أهْلِها وجَعْلُهُ حالًا مِنَ المُضافِ المُقَدَّرِ أوَّلًا وتَأْنِيثُهُ مُكْتَسَبٌ مِنَ المُضافِ إلَيْهِ تُكَلُّفٌ، وفائِدَةُ هَذِهِ الحالِ الإشْعارُ بِأنَّ أخْذَهم بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ، وفي ذَلِكَ مِن إنْذارِ الظّالِمِ ما لا يَخْفى، والمُرادُ بِالظُّلْمِ إمّا الكُفْرُ أوْ ما هو أعَمُّ، وظاهِرُ صَنِيعِ بَعْضِهِمْ أخْذًا مِن إطْلاقِهِ أنَّهُ شامِلٌ لِظُلْمِ المَرْءِ نَفْسَهُ، وغَيْرَهُ ﴿إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ﴾ وجِيعٌ ﴿شَدِيدٌ﴾ لا يُرْجى مِنهُ الخَلاصُ وهَذا مُبالَغَةٌ في التَّهْدِيدِ والتَّحْذِيرِ، أخْرَجَ الشَّيْخانِ في صَحِيحَيْهِما والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ، وآخَرُونَ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى لَيُمْلِي لِلظّالِمِ حَتّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأ ﴿وكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ﴾»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب