الباحث القرآني

سُورَةُ الماعُونِ وتُسَمّى سُورَةَ أرَأيْتَ والدِّينِ والتَّكْذِيبِ. وهي مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجُمْهُورِ، وأخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ كَما في الدُّرِّ المَنثُورِ. وفي البَحْرِ أنَّها مَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ وحُكِيَ ذَلِكَ أيْضًا عَنِ الضَّحّاكِ. وقالَ هِبَةُ اللَّهِ المُفَسِّرُ الضَّرِيرُ: نَزَلَ نِصْفُها بِمَكَّةَ في العاصِ بْنِ وائِلٍ، ونِصْفُها في المَدِينَةِ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ المُنافِقِ. وآيُها سَبْعٌ في العِراقِيِّ وسِتٌّ في الباقِيَةِ. ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ في سُورَةِ قُرَيْشٍ: ﴿أطْعَمَهم مِن جُوعٍ﴾ ذَمَّ عَزَّ وجَلَّ هُنا مَن لَمْ يَحُضَّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ، ولَمّا قالَ تَعالى هُناكَ: ( لْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ ) ذَمَّ سُبْحانَهُ هُنا مَن سَها عَنْ صَلاتِهِ أوْ لَمّا عَدَّدَ نِعَمَهُ تَعالى عَلى قُرَيْشٍ وكانُوا لا يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ والجَزاءِ أتْبَعَ سُبْحانَهُ امْتِنانَهُ عَلَيْهِمْ بِتَهْدِيدِهِمْ بِالجَزاءِ وتَخْوِيفِهِمْ مِن عَذابِهِ فَقالَ عَزَّ قائِلٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ اسْتِفْهامٌ أُرِيدَ بِهِ تَشْوِيقُ السّامِعِ إلى تَعَرُّفِ المُكَذِّبِ وأنَّ ذَلِكَ مِمّا يَجِبُ عَلى المُتَدَيِّنِ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ وعَنْ فِعْلِهِ، وفِيهِ أيْضًا تَعْجِيبٌ مِنهُ والخِطابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أوْ لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَهُ، والرُّؤْيَةُ بِمَعْنى المَعْرِفَةِ المُتَعَدِّيَةِ لِواحِدٍ. وقالَ الحُوفِيُّ: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةً، وعَلى الوَجْهَيْنِ يَجُوزُ أنْ يُتَجَوَّزَ بِذَلِكَ عَنِ الإخْبارِ فَيَكُونُ المُرادُ بِ أرَأيْتَ أخْبِرْنِي وحِينَئِذٍ تَكُونَ مُتَعَدِّيَةً لِاثْنَيْنِ أوَّلُهُما المَوْصُولُ وثانِيهِما مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَن هو أوَألَيْسَ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذابِ، والقَوْلُ بِأنَّهُ لا تَكُونُ الرُّؤْيَةُ المُتَجَوَّزُ بِها إلّا بَصَرِيَّةً فِيهِ نَظَرٌ، وكَذا إطْلاقُ القَوْلِ بِأنَّ كافَ الخِطابِ لا تَلْحَقُ البَصَرِيَّةَ؛ إذْ لا مانِعَ مِن ذَلِكَ بَعْدَ التَّجَوُّزِ فَلا يُرَجَّحُ كَوْنُها عِلْمِيَّةً قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: «أرَأيْتُكَ» بِكافِ الخِطابِ المَزِيدَةِ لِتَأْكِيدِ التّاءِ. و(الدِّينِ) الجَزاءُ وهو أحَدُ مَعانِيهِ ومِنهُ: كَما تَدِينُ تُدانُ. وفي مَعْناهُ قَوْلُ مُجاهِدٍ: الحِسابُ أوِ الإسْلامُ. كَما هو الأشْهَرُ ولَعَلَّهُ مُرادُ مَن فَسَّرَهُ بِالقُرْآنِ. وكَذا مَن فَسَّرَهُ كابْنِ عَبّاسٍ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وقَرَأ الكِسائِيُّ: «أرَيْتَ» بِحَذْفِ الهَمْزَةِ كَأنَّهُ حَمَلَ الماضِيَ في حَذْفِ هَمْزَتِهِ عَلى مُضارِعِهِ (p-242)المُطَّرِدِ فِيهِ حَذْفُها، وهَذا كَما أُلْحِقَ تَعَدَّ بِيَعِدُ في الإعْلالِ، ولَعَلَّ تَصْدِيرَ الفِعْلِ هُنا بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ سَهَّلَ أمْرَ الحَذْفِ فِيهِ لِمُشابَهَتِهِ لِلَفْظِ المُضارِعِ المَبْدُوءِ بِالهَمْزَةِ، ومِن هَنا كانَتْ هَذِهِ القِراءَةُ أقْوى تَوْجِيهًا مِمّا في قَوْلِهِ: ؎صاحِ هَلْ رَيْتَ أوْ سَمِعْتَ بِراعٍ رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرى في العِلابِ وقِيلَ: أُلْحِقَ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ بِأرى ماضِي الأفْعالِ لِشَدَّةِ مُشابَهَتِهِ بِهِ وعَدَمِ التَّفاوُتِ إلّا بِفَتْحَةٍ هي لِخِفَّتِها في حُكْمِ السُّكُونِ ولَيْسَ بِذاكَ، وإنْ زُعِمَ أنَّهُ الأوْجَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب