الباحث القرآني
﴿إنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ أيْ مُطْبَقَةٌ، وتَمامُ الكَلامِ مَرَّ في سُورَةِ البَلَدِ.
﴿فِي عَمَدٍ﴾ جَمْعُ عَمُودٍ كَما قالَ الرّاغِبُ والفَرّاءُ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: جَمْعُ عِمادٍ، وفي البَحْرِ وهو اسْمُ جَمْعٍ، الواحِدُ عَمُودٌ، وقَرَأ الأخَوانِ وأبُو بَكْرٍ: «عُمُدٍ». بِضَمَّتَيْنِ وهارُونُ عَنْ أبِي عَمْرٍو بِضَمِّ العَيْنِ وسُكُونِ المِيمِ وهو في القِراءَتَيْنِ جَمْعُ عَمُودٍ بِلا خِلافٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُمَدَّدَةٍ﴾ صِفَةُ عَمَدٍ في القِراءاتِ الثَّلاثِ أيْ طِوالٍ، والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في ( عَلَيْهِمْ ) أيْ كائِنَيْنِ في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ أيْ مُوثَقِينَ فِيها مِثْلَ المَقاطِرِ؛ وهي خَشَبٌ أوْ جُذُوعٌ كِبارٌ فِيها خُرُوقٌ يُوضَعُ فِيها أرْجُلُ المَحْبُوسِينَ مِنَ اللُّصُوصِ ونَحْوِهِمْ، أوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أيْ: هم كائِنُونَ في عَمَدٍ مُوثَقُونَ فِيها وهي والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ عَمَدٌ مِن حَدِيدٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها مِن نارٍ. واسْتَظْهَرَ بَعْضُهم أنَّ العَمَدَ تُمَدَّدُ عَلى الأبْوابِ بَعْدَ أنْ تُؤْصَدَ عَلَيْهِمْ تَأْكِيدًا لِيَأْسِهِمْ واسْتِيثاقًا في اسْتِيثاقٍ.
وفِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أنَّ اللَّهَ تَعالى بَعْدَ أنْ يُخْرِجَ مِنَ النّارِ عُصاةَ المُؤْمِنِينَ وأطُولَهم مُكْثًا فِيها مَن يَمْكُثُ سَبْعَةَ آلافِ سَنَةٍ يَبْعَثُ عَزَّ وجَلَّ إلى أهْلِ النّارِ مَلائِكَةً بِأطْباقٍ مِن نارِ ومَسامِيرَ مِن نارٍ وعَمَدٍ مِن نارٍ، فَيُطْبَقُ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الأطْباقِ، ويُشَدُّ بِتِلْكَ المَسامِيرِ، وتُمَدَّدُ تِلْكَ العَمَدُ ولا يَبْقى فِيها خَلَلٌ يَدْخُلُ فِيهِ رُوحٌ ولا يَخْرُجُ مِنهُ غَمٌّ، ويَنْساهُمُ الجَبّارُ عَزَّ وجَلَّ عَلى عَرْشِهِ ويَتَشاغَلُ أهْلُ الجَنَّةِ بِنَعِيمِهِمْ ولا يَسْتَغِيثُونَ بَعْدَها أبَدًا ويَنْقَطِعُ الكَلامُ فَيَكُونُ كَلامُهم زَفِيرًا وشَهِيقًا»».
وفِيهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ اللَّهُمَّ أجِرْنا مِنَ النّارِ يا خَيْرَ مُسْتَجارٍ. وعَلى هَذا يَكُونُ الجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِ «مُؤْصَدَةٌ» حالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِيها كَما قالَ صاحِبُ الكَشْفِ وحَكاهُ الطِّيبِيُّ. وفي الإرْشادِ عَنْ أبِي البَقاءِ أنَّهُ صِفَةٌ لِ «مُؤْصَدَةٌ». وقالَ بَعْضٌ: لا مانِعَ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ صِلَةَ «مُؤْصَدَةٌ» عَلى مَعْنى الأبْوابِ أُوصِدَتْ بِالعَمَدِ وسُدَّتْ بِها وأُيِّدَ بِما أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: أدْخَلَهم في عَمَدٍ وتَمَدَّدَتْ عَلَيْهِمْ في أعْناقِهِمُ السَّلاسِلُ فَسُدَّتْ بِها الأبْوابُ ثُمَّ إنَّ ما ذُكِرَ لِإشْعارِهِ بِالخُلُودِ وأشَدِّيَّةِ العَذابِ يُناسِبُ كَوْنَ المُحَدَّثِ عَنْهم كُفّارًا هَمَزُوا ولَمَزُوا خَيْرَ البَشَرِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وما تَقَدَّمَ مِن حَمْلِ العَمَدِ عَلى المَقاطِرِ قِيلَ: يُناسِبُ العُمُومَ؛ لِأنَّ المُغْتابَ كَأنَّهُ سارِقٌ مِنَ أعْراضِ النّاسِ فَيُناسِبُ أنْ يُعَذَّبَ بِالمَقاطِرِ كاللُّصُوصِ فَلا يَلْزَمُ الخُلُودُ. وقَدْ يُقالُ: مَن تَأمَّلَ في هَذِهِ السُّورَةِ ظَهَرَ لَهُ العَجَبُ العُجابُ مِنَ التَّناسُبِ فَإنَّهُ لَمّا بُولِغَ في الوَصْفِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ قِيلَ ( الحُطَمَةِ ) لِلتَّعادُلِ، ولَمّا أفادَ ذَلِكَ كَسْرَ الأعْراضِ قُوبِلَ بِكَسْرِ الأضْلاعِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالحُطَمَةِ، وجِيءَ بِالنَّبْذِ المُنْبِئِ عَنِ الِاسْتِحْقارِ في مُقابَلَةِ ما ظَنَّ الهامِزُ اللّامِزُ بِنَفْسِهِ مِنَ الكَرامَةِ، ولَمّا كانَ مَنشَأُ جَمْعِ المالِ اسْتِيلاءَ حُبِّهِ عَلى القَلْبِ جِيءَ في مُقابِلِهِ: ﴿تَطَّلِعُ عَلى الأفْئِدَةِ﴾ ولَمّا كانَ مِن شَأْنِ جامِعِ المالِ المُحِبِّ لَهُ أنْ يَأْصُدَ عَلَيْهِ قِيلَ في مُقابِلِهِ: ﴿إنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ ولَمّا تَضَمَّنَ ذَلِكَ طُولَ الأمَلِ قِيلَ في مُقابِلِهِ: ﴿عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الأجِلَّةِ فَلْيُتَأمَّلْ. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["إِنَّهَا عَلَیۡهِم مُّؤۡصَدَةࣱ","فِی عَمَدࣲ مُّمَدَّدَةِۭ"],"ayah":"فِی عَمَدࣲ مُّمَدَّدَةِۭ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











