الباحث القرآني

﴿يَحْسَبُ أنَّ مالَهُ أخْلَدَهُ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ أوِ اسْتِئْنافِيَّةٌ وأخْلَدَهُ وخَلَّدَهُ بِمَعْنًى: أيْ: تَرَكَهُ خالِدًا أيْ ماكِثًا مُكْثًا لا يَتَناهى أوْ مُكْثًا طَوِيلًا جِدًّا؛ والكَلامُ مِن بابِ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، والمُرادُ أنَّ المالَ طَوَّلَ أمَلَهُ، ومَنّاهُ الأمانِيَّ البَعِيدَةَ فَهو يَعْمَلُ مِن تَشْيِيدِ البُنْيانِ وغَرْسِ الأشْجارِ وكَرْيِ (p-231)الأنْهارِ ونَحْوِ ذَلِكَ عَمَلَ مَن يَظُنُّ أنَّ مالَهُ أبْقاهُ حَيًّا، والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، والتَّعْبِيرُ بِالماضِي لِلْمُبالَغَةِ في المَعْنى المُرادِ. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ أنَّهُ حاسِبٌ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِفَرْطِ غُرُورِهِ واشْتِغالِهِ بِالجَمْعِ والتَّكاثُرِ عَمّا أمامَهُ مِن قَوارِعِ الآخِرَةِ أوْ لِزَعْمِهِ أنَّ الحَياةَ والسَّلامَةَ عَنِ الأمْراضِ والآفاتِ تَدُورُ عَلى مُراعاةِ الأسْبابِ الظّاهِرَةِ، وأنَّ المالَ هو المِحْوَرُ لِكَرَّتِها والمَلِكُ المُطاعُ في مَدِينَتِها. وقِيلَ: المُرادُ أنَّهُ يَحْسَبُ المالَ مِنَ المُخَلِّداتِ ولا نَظَرَ فِيهِ إلى أنَّ الخُلُودَ دُنْيَوِيٌّ أوْ أُخْرَوِيٌّ ذِكْرًا أوْ عَيْنًا إنَّما النَّظَرُ في إثْباتِ هَذِهِ الخاصَّةِ لِلْمالِ والغَرَضُ مِنهُ التَّعْرِيضُ بِأنَّ ثَمَّ مُخَلِّدًا يَنْبَغِي لِلْعاقِلِ أنْ يُكِبَّ عَلَيْهِ وهو السَّعْيُ لِلْآخِرَةِ وهو بَعِيدٌ جِدًّا ولِذا لَمْ يَجْعَلُ بَعْضُ الأجِلَّةِ التَّعْرِيضَ وجْهًا مُسْتَقِلًّا. وزَعَمَ عِصامُ الدِّينِ أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فاعِلُ أخْلَدَ الحاسِبَ، ومَفْعُولُهُ المالَ، أيْ: يَظُنُّ أنْ يَحْفَظَ مالَهُ أبَدًا ولا يَعْرِفَ أنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْحَوادِثِ أوْ لِلْمُفارَقَةِ بِالمَوْتِ كَما قِيلَ: بَشِّرْ مالَ البَخِيلِ بِحادِثٍ أوْ وارِثٍ. وهو لَعَمْرِي مِمّا لا عِصامَ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب