الباحث القرآني
سُورَةُ العَصْرِ
مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ والجُمْهُورِ، ومَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ ومُقاتِلٍ. وآيُها ثَلاثٌ بِلا خِلافٍ، وهي عَلى قِصَرِها جَمَعَتْ مِنَ العُلُومِ ما جَمَعَتْ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أنَّهُ قالَ: لَوْ لَمْ يَنْزِلْ غَيْرُ هَذِهِ السُّورَةِ لَكَفَتِ النّاسَ؛ لِأنَّها شَمِلَتْ جَمِيعَ عُلُومِ القُرْآنِ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي حُذَيْفَةَ وكانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قالَ: كانَ الرَّجُلانِ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إذا التَقَيا لَمْ يَتَفَرَّقا حَتّى يَقْرَأ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ سُورَةَ «والعَصْرِ» ثُمَّ يُسَلِّمُ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ. وفِيها إشارَةٌ إلى حالِ مَن لَمْ يُلْهِهِ التَّكاثُرُ ولِذا وُضِعَتْ بَعْدَ سُورَتِهِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿والعَصْرِ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: أقْسَمَ سُبْحانَهُ بِصَلاةِ العَصْرِ لِفَضْلِها لِأنَّها الصَّلاةُ الوُسْطى عِنْدَ الجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ««شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطى صَلاةِ العَصْرِ»».
ولِما في مُصْحَفِ (p-228)حَفْصَةَ: ««والصَّلاةُ الوُسْطى صَلاةُ العَصْرِ»».
وفِي الحَدِيثِ: ««مَن فاتَتْهُ صَلاةُ العَصْرِ فَكَأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ»».
ورُوِيَ «أنَّ امْرَأةً كانَتْ تَصِيحُ في سِكَكِ المَدِينَةِ: دُلُّونِي عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَرَآها عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَسَألَها: ماذا حَدَثَ؟
فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ زَوْجِي غابَ فَزَنَيْتُ فَجاءَنِي ولَدٌ مِنَ الزِّنا فَألْقَيْتُ الوَلَدَ في دِنِّ خَلٍّ فَماتَ، ثُمَّ بِعْتُ ذَلِكَ الخَلَّ. فَهَلْ لِي مِن تَوْبَةٍ؟ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: أمّا الزِّنا فَعَلَيْكِ الرَّجْمُ بِسَبَبِهِ، وأمّا القَتْلُ فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ، وأمّا بَيْعُ الخَلِّ فَقَدِ ارْتَكَبْتِ كَبِيرًا، لَكِنْ ظَنَنْتُ أنَّكِ تَرَكْتِ صَلاةَ العَصْرِ»».
ذَكَرَهُ الإمامُ وهو لَعَمْرِي إمامٌ في نَقْلِ مِثْلِ ذَلِكَ مِمّا لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أئِمَّةِ الحَدِيثِ؛ فَإيّاكَ والِاقْتِداءَ بِهِ. وخُصَّتْ بِالفَضْلِ لِأنَّ التَّكْلِيفَ في أدائِها أشَقُّ لِتَهافُتِ النّاسِ في تِجاراتِهِمْ ومَكاسِبِهِمْ آخِرَ النَّهارِ واشْتِغالِهِمْ بِمَعايِشِهِمْ. وقِيلَ: أقْسَمَ عَزَّ وجَلَّ بِوَقْتِ تِلْكَ الصَّلاةِ لِفَضِيلَةِ صَلاتِهِ أوْ لِخَلْقِ آدَمَ أبِي البَشَرِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِ مِن يَوْمِ الجُمْعَةِ وإلى هَذا ذَهَبَ قَتادَةُ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: العَصْرُ العَشِيُّ أقْسَمَ سُبْحانَهُ بِهِ كَما أقْسَمَ بِالضُّحى لِما فِيهِما مِن دَلائِلِ القُدْرَةِ. وقالَ الزَّجّاجُ:
العَصْرُ اليَوْمُ، والعَصْرُ اللَّيْلَةُ، وعَلَيْهِ قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:
؎ولَمْ يَلْبَثِ العَصْرانِ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ إذا طَلَبا أنْ يُدْرِكا ما تَيَمَّما
وقِيلَ: العَصْرُ بُكْرَةً والعَصْرُ عَشِيَّةً؛ وهُما الإبْرادانِ وعَلَيْهِ وعَلى ما قَبْلَهُ يَكُونُ القَسَمُ بِواحِدٍ مِنَ الأمْرَيْنِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وقِيلَ: المُرادُ بِهِ عَصْرُ النُّبُوَّةِ وكَأنَّهُ عَنى بِهِ وقْتَ حَياتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَأنَّهُ أشْرَفُ الأعْصارِ لِتَشْرِيفِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ. وقِيلَ: هو زَمانُ حَياتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وما بَعْدَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ومِقْدارُهُ فِيما مَضى مِنَ الزَّمانِ مِقْدارُ وقْتِ العَصْرِ مِنَ النَّهارِ ويُؤْذِنُ بِذَلِكَ ما رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: ««إنَّما بَقاؤُكم فِيمَن سَلَفَ قَبْلَكم مِنَ الأُمَمِ كَما بَيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ»».
وشَرَفُهُ لِكَوْنِهِ زَمانَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأُمَّتُهُ الَّتِي هي خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ ولا يَضُرُّهُ تَأْخِيرُهُ كَما لا يَضُرُّ السِّنانَ تَأخُّرُهُ عَنْ أطْرافِ مِرانِهِ، والنَّوْرَ تَأخُّرُهُ عَنْ أطْرافِ أغْصانِهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو الدَّهْرُ أقْسَمَ عَزَّ وجَلَّ بِهِ لِاشْتِمالِهِ عَلى أصْنافِ العَجائِبِ؛ ولِذا قِيلَ لَهُ أبُو العَجَبِ وكَأنَّهُ تَعالى يُذَكِّرُ بِالقَسَمِ بِهِ ما فِيهِ مِنَ النِّعَمِ وأضْدادِها لِتَنْبِيهِ الإنْسانِ المُسْتَعِدِّ لِلْخُسْرانِ والسَّعادَةِ ويُعَرِّضُ عَزَّ وجَلَّ لِما في الإقْسامِ بِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ بِنَفْيِ أنْ يَكُونَ لَهُ خُسْرانٌ أوْ دَخْلٌ فِيهِ كَما يَزْعُمُهُ مَن يُضِيفُ الحَوادِثَ إلَيْهِ، وفي إضافَةِ الخُسْرانِ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإنْسانِ إشْعارٌ بِأنَّهُ صِفَةٌ لَهُ لا لِلزَّمانِ كَما قِيلَ:
؎يَعِيبُونَ الزَّمانَ ولَيْسَ فِيهِ ∗∗∗ مَعايِبُ غَيْرَ أهْلٍ لِلزَّمانِ
وتُعُقِّبَ بِأنَّ اسْتِعْمالَ العَصْرِ بِذَلِكَ المَعْنى غَيْرُ ظاهِرٍ.
{"ayah":"وَٱلۡعَصۡرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











