الباحث القرآني
و «إنَّهُ» أيِ الإنْسانَ كَما قالَ الحَسَنُ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ﴿عَلى ذَلِكَ﴾ أيْ عَلى كُنُودِهِ ﴿لَشَهِيدٌ﴾ لِظُهُورِ أثَرِهِ عَلَيْهِ فالشَّهادَةُ بِلِسانِ الحالِ الَّذِي هو أفْصَحُ مِن لِسانِ المَقالِ. وقِيلَ: هي بِلِسانِ المَقالِ لَكِنْ في الآخِرَةِ. وقِيلَ: شَهِيدٌ مِنَ الشُّهُودِ لا مِنَ الشَّهادَةِ بِمَعْنى أنَّهُ كَفُورٌ مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرانِهِ وعَمَلِ السُّوءِ مَعَ العِلْمِ بِهِ غايَةَ المَذَمَّةِ والظّاهِرُ الأوَّلُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: ضَمِيرُ «إنَّهُ» عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى؛ أيْ: وإنَّ رَبَّهُ سُبْحانَهُ شاهِدٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الكَلامُ عَلى سَبِيلِ الوَعِيدِ، واخْتارَهُ التَّبْرِيزِيُّ فَقالَ: هو الأصَحُّ؛ لِأنَّ الضَّمِيرَ يَجِبُ عَوْدُهُ إلى أقْرَبِ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ. وفِيهِ أنَّ الوُجُوبَ مَمْنُوعٌ، واتِّساقُ الضَّمائِرِ وعَدَمُ تَفْكِيكِها يُرَجِّحُ الأوَّلَ؛ فَإنَّ الضَّمِيرَ السّابِقَ أعْنِي ضَمِيرَ ﴿لِرَبِّهِ﴾ لِلْإنْسانِ ضَرُورَةً وكَذا الضَّمِيرُ اللّاحِقُ أعْنِي الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ﴾ أيِ المالِ، (p-219)ووَرَدَ بِهَذا المَعْنى في القُرْآنِ كَثِيرًا حَتّى زَعَمَ عِكْرِمَةُ أنَّ الخَيْرَ حَيْثُ وقَعَ في القُرْآنِ هو المالُ وخَصَّهُ بَعْضُهم بِالمالِ الكَثِيرِ وفُسِّرَ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ﴾ وإطْلاقُ كَوْنِهِ خَيْرًا بِاعْتِبارِ ما يَراهُ النّاسُ وإلّا فَمِنهُ ما هو شَرٌّ يَوْمَ القِيامَةِ، واللّامُ لِلتَّعْلِيلِ أيْ إنَّهُ لِأجْلِ حُبِّ المالِ ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أيْ: لَبَخِيلٌ كَما قِيلَ، وكَما يُقالُ لِلْبَخِيلِ شَدِيدٌ يُقالُ لَهُ مُتَشَدِّدٌ كَما في قَوْلِ طَرَفَةَ:
؎أرى المَوْتَ يَعْتامُ الكِرامَ ويَصْطَفِي عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
وشَدِيدٌ فِيهِ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى مَفْعُولٍ؛ كَأنَّ البَخِيلَ شَدَّ عَنِ الإفْضالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى فاعِلٍ؛ كَأنَّهُ شَدَّ صُرَّتَهُ فَلا يُخْرِجُ مِنها شَيْئًا. وجَوَّزَ غَيْرُ واحِدٍ أنْ يُرادَ بِالشَّدِيدِ القَوِيُّ ولَعَلَّهُ الأظْهَرُ وكَأنَّ اللّامَ عَلَيْهِ بِمَعْنى فِي؛ أيْ: وإنَّهُ لَقَوِيٌّ مُبالِغٌ في حُبِّ المالِ. والمُرادُ قُوَّةُ حُبِّهِ لَهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: المَعْنى: وإنَّهُ لِحُبِّ المالِ وإيثارِ الدُّنْيا وطَلَبِها قَوِيٌّ مُطِيقٌ وهو لِحُبِّ عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى وشُكْرِ نِعْمَتِهِ سُبْحانَهُ ضَعِيفٌ مُتَقاعِسٌ؛ تَقُولُ: هو شَدِيدٌ لِهَذا الأمْرِ وقَوِيٌّ لَهُ إذا كانَ مُطِيقًا لَهُ ضابِطًا. وجَعَلَ النَّيْسابُورِيُّ اللّامَ عَلى هَذا لِلتَّعْلِيلِ ولَيْسَ بِظاهِرٍ. فَتَأمَّلْ.
وقالَ الفَرّاءُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدُ الحُبِّ يَعْنِي أنَّهُ يُحِبُّ المالَ ويُحِبُّ كَوْنَهُ مُحِبًّا لَهُ إلّا أنَّهُ اكْتَفى بِالحُبِّ الأوَّلِ عَنِ الثّانِي كَما قالَ تَعالى: ﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ أيْ في يَوْمٍ عاصِفِ الرِّيحِ فاكْتَفى بِالأوَّلِ عَنِ الثّانِي. وقالَ قُطْرُبٌ: أيْ إنَّهُ شَدِيدٌ لِحُبِّ الخَيْرِ كَقَوْلِكَ: إنَّهُ لِزَيْدٍ ضَرُوبٌ، فِي: إنَّهُ ضَرُوبٌ لِزَيْدٍ. وظاهِرُ التَّمْثِيلِ أنَّهُ اعْتَبَرَ حُبَّ الخَيْرِ مَفْعُولًا بِهِ لِشَدِيدٍ، وإنَّ «شَدِيدٌ» اسْمُ فاعِلٍ جِيءَ بِهِ عَلى فَعِيلٍ لِلْمُبالَغَةِ وأنَّ اللّامَ في ﴿لِحُبِّ﴾ لِلتَّقْوِيَةِ وفِيهِ ما فِيهِ.
وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُعْتَبَرَ أنَّ شَدِيدًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ كانَتْ مُضافَةً إلى مَرْفُوعِها وهو «حُبِّ» المُضافُ إلى الخَيْرِ إضافَةَ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِهِ، ثُمَّ حُوِّلَ الإسْنادُ وانْتَصَبَ المَرْفُوعُ عَلى التَّشْبِيهِ بِالمَفْعُولِ بِهِ، ثُمَّ قُدِّمَ وجُرَّ بِاللّامِ وفِيهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّكَلُّفِ أنَّ تَقَدُّمَ مَعْمُولِ الصِّفَةِ عَلَيْها لا يَجُوزُ، وكَوْنُهُ مَجْرُورًا في مِثْلِ ذَلِكَ لا يُجْدِي نَفْعًا؛ إذْ لَيْسَ هو فِيهِ نَحْوَ: زَيْدٌ بِكَ فَرِحٌ كَما لا يَخْفى.
ويُفْهِمُ مِن كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ في الكَشّافِ جَوازُ أنْ يُرادَ بِهِ ما هو عِنْدَهُ تَعالى مِنَ الطّاعاتِ عَلى أنَّ المَعْنى: إنَّهُ لِحُبِّ الخَيْراتِ غَيْرُ هَشٍّ مُنْبَسِطٍ ولَكِنَّهُ شَدِيدٌ مُنْقَبِضٌ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَ ٰلِكَ لَشَهِیدࣱ","وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَیۡرِ لَشَدِیدٌ"],"ayah":"وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَیۡرِ لَشَدِیدٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











