الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الإنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ أيْ: لَكَفُورٌ جَحُودٌ مِنَ كَنَدَ النِّعْمَةَ كَفَرَها ولَمْ يَشْكُرْها وأنْشَدُوا: ؎كَنُودٌ لِنَعْماءِ الرِّجالِ ومَن يَكُنْ كَنُودًا لِنَعْماءِ الرِّجالِ يُبْعَدِ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُقاتِلٍ: الكَنُودُ بِلِسانِ كِنْدَةَ وحَضْرَمَوْتَ العاصِي، وبِلِسانِ رَبِيعَةَ ومُضَرَ الكَفُورُ، وبِلِسانِ كِنانَةَ البَخِيلُ السَّيِّئُ المَلَكَةِ، ومِنهُ الأرْضُ الكَنُودُ الَّتِي لا تُنْبِتُ شَيْئًا. وقالَ الكَلْبِيُّ نَحْوُهُ إلّا أنَّهُ قالَ: وبِلِسانِ بَنِي مالِكٍ البَخِيلُ ولَمْ يَذْكُرْ حَضْرَمَوْتَ بَلِ اقْتَصَرَ عَلى كِنْدَةَ. وتَفْسِيرُهُ بِالكَفُورِ هُنا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ، وأخْرَجَهُ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي أُمامَةَ مَرْفُوعًا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ. وفِي رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: هو اللّائِمُ لِرَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ يَعُدُّ السَّيِّئاتِ ويَنْسى الحَسَناتِ. ورَوى الطَّبَرانِيُّ وغَيْرُهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««أتَدْرُونَ ما الكَنُودُ؟» قالُوا: اللَّهُ تَعالى ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: «هُوَ الكَفُورُ الَّذِي يَضْرِبُ عَبْدَهُ ويَمْنَعُ رَفْدَهُ ويَأْكُلُ وحْدَهُ»». وأخْرَجَهُ البُخارِيُّ في الأدَبِ المُفْرَدِ والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُما تَفْسِيرَهُ بِالَّذِي يَمْنَعُ رَفْدَهُ ويَنْزِلُ وحْدَهُ ويَضْرِبُ عَبْدَهُ مَوْقُوفًا عَلى أبِي أُمامَةَ. والجُمْهُورُ عَلى تَفْسِيرِهِ بِالكَفُورِ، وكُلٌّ مِمّا ذُكِرَ لا يَخْلُو عَنْ كُفْرانٍ، والكُفْرانُ المُبالَغُ فِيهِ يَجْمَعُ صُنُوفًا مِنهُ. وألْ في «الإنْسانَ» لِلْجِنْسِ، والحُكْمُ عَلَيْهِ بِما ذُكِرَ بِاعْتِبارِ بَعْضِ الأفْرادِ. وقِيلَ: المُرادُ بِهِ كافِرٌ مُعَيَّنٌ؛ لِما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ في قُرْطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلٍ القُرَشِيِّ، وأُيِّدَ بِقَوْلِهِ تَعالى بَعْدُ: ﴿أفَلا يَعْلَمُ﴾ إلَخْ. لِأنَّهُ لا يَلِيقُ إلّا بِالكافِرِ. وفي الأمْرَيْنِ نَظَرٌ. وقِيلَ: المُرادُ بِهِ كُلُّ النّاسِ عَلى مَعْنى أنَّ طَبْعَ الإنْسانِ يَحْمِلُهُ عَلى ذَلِكَ إلّا إذا عَصَمَهُ اللَّهُ تَعالى بِلُطْفِهِ وتَوْفِيقِهِ مِن ذَلِكَ واخْتارَهُ عِصامُ الدِّينِ وقالَ: فِيهِ مَدْحٌ لِلْغُزاةِ لِسَعْيِهِمْ عَلى خِلافِ طَبْعِهِمْ. و«لِرَبِّهِ» مُتَعَلِّقٌ بِ «كَنُودٌ» واللّامُ غَيْرُ مانِعَةٍ مِن ذَلِكَ، وقُدِّمَ لِلْفاصِلَةِ مَعَ كَوْنِهِ أهَمَّ مِن حَيْثُ إنَّ الذَّمَّ البالِغَ إنَّما هو عَلى كَنُودِ نِعْمَتِهِ عَزَّ وجَلَّ وقِيلَ لِلتَّخْصِيصِ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب