الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ سِيقَ لِبَيانِ النِّعَمِ الفائِضَةِ عَلَيْهِمْ إثْرَ نِعْمَةِ الإنْجاءِ عَلى وجْهِ الإجْمالِ وإخْلالِهِمْ بِشُكْرِها وبَوَّأ بِمَعْنى أنَزَلَ كَأباءَ والِاسْمُ مِنهُ البِيئَةُ بِالكَسْرِ كَما في القامُوسِ وجاءَ بَوَّأهُ مَنزِلًا وبَوَّأهُ في مَنزِلٍ وكَذا بَوَّأْتُ لَهُ مَكانًا إذا سَوَّيْتَهُ وهو مِمّا يَتَعَدّى لِواحِدٍ ولِاثْنَيْنِ أيْ أنْزَلْناهم بَعْدَ أنْ أنْجَيْناهم وأهْلَكْنا أعْداءَهم ﴿مُبَوَّأ صِدْقٍ﴾ أيْ مَنزِلًا صالِحًا مَرْضِيًّا وهو اسْمُ مَكانٍ مَنصُوبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ ويُحْتَمَلُ المَصْدَرِيَّةُ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ مَكانَ مُبَوَّأٍ وبِدُونِهِ وقَدْ يُجْعَلُ مَفْعُولًا ثانِيًا وأصْلُ الصِّدْقِ ضِدَّ الكَذِبِ لَكِنْ جَرَتْ عادَةُ العَرَبِ عَلى أنَّهم إذا مَدَحُوا شَيْئًا أضافُوهُ إلى الصِّدْقِ فَقالُوا: رَجُلُ صِدْقٍ مَثَلًا إذا كانَ كامِلًا في صِفَتِهِ صالِحًا لِلْغَرَضِ المَطْلُوبِ مِنهُ كَأنَّهم لاحَظُوا أنَّ كُلَّ ما يُظَنُّ بِهِ فَهو صادِقٌ والمُرادُ بِهَذا المُبَوَّأِ كَما رَواهُ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ عَنِ الضَّحّاكِ الشّامُ ومِصْرُ فَإنَّ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِينَ كانُوا في زَمانِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهُمُ المُرادُ هُنا مَلَكُوا ذَلِكَ حَسْبَما ذَهَبَ إلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ الفُضَلاءِ وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ وغَيْرُهُ عَنْ قَتادَةَ أنَّ المُرادَ بِهِ الشّامُ وبَيْتُ المَقْدِسِ واخْتارَهُ بَعْضهمْ بِناءً عَلى أنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَعُودُوا إلى مِصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يُرادَ بِبَنِي إسْرائِيلَ عَنِ القَوْلَيْنِ ما يَشْمَلُ ذُرِّيَّتَهم بِناءً عَلى أنَّهم ما دَخَلُوا الشّامَ في حَياةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وإنَّما دَخَلَها أبْناؤُهم وقَدْ تَقَدَّمَ لَكَ ما يَتَعَلَّقُ بِهَذا المَقامِ فَتَذَكَّرْهُ وقِيلَ: المُرادُ بِهِ أطْرافُ المَدِينَةِ إلى جِهَةِ الشَّأْمِ وبِبَنِي إسْرائِيلَ بَنُو إسْرائِيلَ الَّذِينَ كانُوا عَلى عَهْدِ نَبِيِّنا عَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ وأكْمَلُ السَّلامِ ﴿ورَزَقْناهم مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ أيِ اللَّذائِذِ قِيلَ: وقَدْ يُفَسَّرُ بِالحَوْلِ ﴿فَما اخْتَلَفُوا﴾ في أُمُورِ دِينِهِمْ بَلْ كانُوا مُتَّبَعِينَ أمْرَ رَسُولِهِمْ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿حَتّى جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ أيْ إلّا بَعْدَما عَلِمُوا بِقِراءَةِ التَّوْراةِ والوُقُوفِ عَلى أحْكامِها وقِيلَ: المَعْنى ما اخْتَلَفُوا في أمْرِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلّا بَعْدَما عَلِمُوا صِدْقَ نُبُوَّتِهِ بِنُعُوتِهِ المَذْكُورَةِ في كِتابِهِمْ وتَظاهُرِ مُعْجِزاتِهِ وهو ظاهِرٌ عَلى القَوْلِ الأخِيرِ في المُرادِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ المُبَوَّئِينَ وأمّا عَلى القَوْلِ الأوَّلِ فَفِيهِ خَفاءٌ لِأنَّ أُولَئِكَ المُبَوَّئِينَ الَّذِينَ كانُوا في عَصْرِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَخْتَلِفُوا في أمْرِ نَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ضَرُورَةً لِيُنْسَبَ إلَيْهِمْ ذَلِكَ الِاخْتِلافُ حَقِيقَةً ولَيْسَ هَذا نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعالى: (وإذا نْجَيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ) الآيَةَ ولا قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِياءَ اللَّهِ﴾ لِيُعْتَبَرَ المَجازُ وزَعَمَ الطَّبَرْسِيُّ أنَّ المَعْنى أنَّهم كانُوا جَمِيعًا عَلى الكُفْرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ حَتّى أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ونَزَلَتِ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ تَعالى فَمِنهم مَن آمَنَ ومِنهم مَن أصَرَّ عَلى كُفْرِهِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا كَما لا يَخْفى ﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 93﴾ فَيَمِيزُ بَيْنَ الحَقِّ والمُبْطَلِ بِالإثابَةِ والعُقُوبَةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب