الباحث القرآني
﴿وأوْحَيْنا إلى مُوسى وأخِيهِ أنْ تَبَوَّآ﴾ (أنْ) مُفَسِّرَةٌ لِأنَّ في الوَحْيِ مَعْنى القَوْلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ (p-171)تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً والتَّبَوُّءُ اتِّخاذُ المُباءَةِ أيِ المَنزِلِ كالتَّوَطُّنِ اتِّخاذُ الوَطَنِ، والجُمْهُورُ عَلى تَحْقِيقِ الهَمْزَةِ ومِنهم مَن قَرَأ (تَبَوَّيا ﴿لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ فَجَعَلَها ياءً وهي مُبْدَلَةٌ مِنَ الهَمْزَةِ تَخْفِيفًا والفِعْلُ عَلى ما قِيلَ مِمّا يَتَعَدّى لِواحِدٍ فَيُقالُ: تَبَوَّأ زَيْدٌ كَذا لَكِنْ إذا أُدْخِلَتِ اللّامُ عَلى الفاعِلِ فَقِيلَ: تَبَوَّأ لِزَيْدٍ كَذا تَعَدّى لَمّا كانَ فاعِلًا بِاللّامِ فَيَتَعَدّى لِاثْنَيْنِ، وخَرَجَتِ الآيَةُ عَلى ذَلِكَ فَلِقَوْمِكُما أحَدُ المَفْعُولَيْنِ، وقِيلَ: هو مُتَعَدٍّ لِواحِدٍ و﴿لِقَوْمِكُما﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ البُيُوتِ، واللّامُ عَلى الوَجْهَيْنِ غَيْرُ زائِدَةٍ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: هو مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لِاثْنَيْنِ واللّامُ زائِدَةٌ كَما في ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ وفَعَلَ وتَفَعَّلَ قَدْ يَكُونانِ بِمَعْنًى مِثْلَ عَلَّقْتُها وتَعَلَّقْتُها، والتَّقْدِيرُ بَوِّئا قَوْمَكُما بُيُوتًا يَسْكُنُونَ فِيها أوْ يَرْجِعُونَ إلَيْها لِلْعِبادَةِ. و(مِصْرَ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأنَّهُ مُؤَنَّثُ مَعْرِفَةٍ ولَوْ صَرَفْتَهُ لِخِفَّتِهِ كَما صَرَفْتَ هِنْدًا لَكانَ جائِزًا، والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِتَبَوَّآ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن ﴿بُيُوتًا﴾ أوْ مِن قَوْمِكُما أوَ مِن ضَمِيرِ الفاعِلِ في (تَبَوَّآ) وفِيهِ ضَعْفٌ ﴿واجْعَلُوا﴾ أنْتُما وقَوْمُكُما فَفِيهِ تَغْلِيبُ المُخاطَبِ عَلى غَيْرِهِ ﴿بُيُوتَكُمْ﴾ تِلْكَ فالإضافَةُ لِلْعَهْدِ ﴿قِبْلَةً﴾ أيْ مُصَلًّى وقِيلَ: مَساجِدُ مُتَوَجِّهَةٌ نَحْوَ القِبْلَةِ يَعْنِي الكَعْبَةَ فَإنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يُصَلِّي إلَيْها، وعَلى التَّفْسِرَيْنِ تَكُونُ القِبْلَةُ مَجازًا فِيما فُسِّرَتْ بِهِ بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ أوِ الكُلِّيَّةِ والجُزْئِيَّةِ، والِاخْتِلافُ في المُرادِ هُنا ناظِرٌ لِلِاخْتِلافِ في أنَّ تِلْكَ البُيُوتَ المُتَّخَذَةَ هَلْ لِلسُّكْنى أوْ لِلصَّلاةِ، فَإنْ كانَ الأوَّلَ فالقِبْلَةُ مَجازٌ عَنِ المُصَلّى وإنْ كانَ الثّانِي فَهي مَجازٌ عَنِ المَساجِدِ.
واعْتُرِضَ القَوْلُ بِحَمْلِ القِبْلَةِ عَلى المَساجِدِ المُتَوَجِّهَةِ إلى الكَعْبَةِ بِأنَّ المَنصُوصَ عَلَيْهِ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أنَّ اليَهُودَ تَسْتَقْبِلُ الصَّخْرَةَ والنَّصارى مَطْلِعَ الشَّمْسِ ولَمْ يَشْتَهِرْ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَسْتَقْبِلُ الكَعْبَةَ في صَلاتِهِ فالقَوْلُ بِهِ غَرِيبٌ وأغْرَبُ مِنهُ ما قالَهُ العَلائِيُّ: مِن أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كانَتْ قِبْلَتَهم كُلَّهُمُ الكَعْبَةُ قِيلَ: وجَعْلُ البُيُوتِ مُصَلًّى يُنافِيهِ ما في الحَدِيثِ: جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا. مِن أنَّ الأُمَمَ السّالِفَةَ كانُوا لا يُصَلُّونَ إلّا في كَنائِسِهِمْ، وأُجِيبُ عَنْ هَذا بِأنَّ مَحَلَّهُ إذا لَمْ يُضْطَرُّوا فَإذا اضُطِرُّوا جازَتْ لَهُمُ الصَّلاةُ في بُيُوتِهِمْ كَما رَخَّصَ لَنا صَلاةَ الخَوْفِ، فَإنَّ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعالى خَرَّبَ مَساجِدَهم ومَنَعَهم مِنَ الصَّلاةِ فَأوْحى إلَيْهِمْ أنْ صَلُّوا في بُيُوتِكم كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ جُبَيْرٍ وقَدْ يُقالُ: إنَّهُ لا مُنافاةَ أصْلًا بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ تَعْيِينُ البُيُوتِ لِلصَّلاةِ وعَدَمُ صِحَّةِ الصَّلاةِ في غَيْرِها فَيَكُونُ حُكْمُها إذْ ذاكَ حُكْمَ الكَنائِسِ اليَوْمَ وما هو مِنَ الخَصائِصِ صِحَّةُ الصَّلاةِ في أيْ مَكانٍ مِنَ الأرْضِ وعَدَمُ تَعَيُّنِ مَوْضِعٍ مِنها لِذَلِكَ فَلا حاجَةَ إلى ما يُقالُ: مِن أنَّ اعْتِبارَ جَعْلِ الأرْضَ كُلِّها مَسْجِدًا خُصُوصِيَّةٌ بِالنَّظَرِ إلى ما اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِن تَعَيُّنِ الصَّلاةِ في الكَنائِسِ وعَدَمِ جَوازِها في أيِّ مَكانٍ أرادَهُ المُصَلِّي مِنَ الأرْضِ وما تَقَدَّمَ مِنِ اسْتِقْبالِ اليَهُودِ الصَّخْرَةَ فالمَشْهُورُ أنَّهُ كانَ في بَيْتِ المَقْدِسِ، وأمّا قَبْلَ بَعْدَ نُزُولِ التَّوْراةِ فَكانُوا يَسْتَقْبِلُونَ التّابُوتَ وكانَ يُوضَعُ في قُبَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى أنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الِاسْتِقْبالَ في بَيْتِ المَقْدِسِ كانَ لِلتّابُوتِ أيْضًا وكانُوا يَضَعُونَهُ عَلى الصَّخْرَةِ فَيَكُونُ اسْتِقْبالُهُ اسْتِقْبالَها وأمّا اسْتِقْبالُهم في مِصْرَ فَيَحْتَمِلُ أنَّهُ كانَ لِلْكَعْبَةِ كَما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ وما في الحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلى آخِرِ أحْوالِهِمْ ويَحْتَمِلُ أنَّهُ كانَ لِلصَّخْرَةِ حَسْبَما هو اليَوْمَ ويَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ وقِيلَ: مَعْنى ﴿قِبْلَةً﴾ مُتَقابِلَةٌ ورَواهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أيِ اجْعَلُوا بُيُوتَكم يُقابِلُ بَعْضُها بَعْضًا ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ فِيها قِيلَ: أُمِرُوا بِذَلِكَ في أوَّلِ أمْرِهِمْ لِئَلّا يَظْهَرَ عَلَيْهِمُ الكَفَرَةُ فَيُؤْذُونَهم ويَفْتِنُونَهم (p-172)فِي دِينِهِمْ وهو مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالبُيُوتِ المَساكِنُ أمّا لَوْ أُرِيدَ بِها المَساجِدُ فَلا يَصِحُّ كَما لا يَخْفى، ولَعَلَّ التَّوْجِيهَ عَلى ذَلِكَ هو أنَّهم أُمِرُوا بِالصَّلاةِ لِيَسْتَعِينُوا بِبَرَكَتِها عَلى مَقْصُودِهِمْ فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ وهي في المَساجِدِ أفْضَلُ فَتَكُونُ أرْجى لِلنَّفْعِ ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ 87﴾ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِمْ وقِيلَ: بِالنُّصْرَةِ في الدُّنْيا إجابَةً لِدَعْوَتِهِمْ والجَنَّةِ في العُقْبى وإنَّما ثَنّى الضَّمِيرَ أوَّلًا لِأنَّ التَّبَوُّءَ لِلْقَوْمِ واتِّخاذَ المَعابِدِ مِمّا يَتَوَلّاهُ رُؤَساءُ القَوْمِ بِتَشاوُرٍ، ثُمَّ جَمَعَ ثانِيًا لِأنَّ جَعْلَ البُيُوتِ مَساجِدَ والصَّلاةَ فِيها مِمّا يَفْعَلُهُ كُلُّ أحَدٍ مَعَ أنَّ في إدْخالِ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ مَعَ القَوْمِ في الأمْرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ تَرْغِيبًا لَهم في الِامْتِثالِ ثُمَّ وحَّدَ ثالِثًا لِأنَّ بِشارَةَ الأُمَّةِ وظِيفَةُ صاحِبِ الشَّرِيعَةِ وهي مِنَ الأعْظَمِ أسَرُّ وأوْقَعُ في النَّفْسِ، ووَضَعَ المْؤُمِنِينَ مَوْضِعَ القَوْمِ لِمَدْحِهِمْ بِالإيمانِ ولِلْإشْعارِ بِأنَّهُ المَدارُ في التَّبْشِيرِ
{"ayah":"وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِیهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُیُوتࣰا وَٱجۡعَلُوا۟ بُیُوتَكُمۡ قِبۡلَةࣰ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











