الباحث القرآني

﴿وقالَ مُوسى﴾ لَما رَأى تَخَوُّفَ المُؤْمِنِينَ ﴿يا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ﴾ أيْ صَدَّقْتُمْ بِهِ وبِآياتِهِ ﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا﴾ أيِ اعْتَمِدُوا لا عَلى أحَدٍ سِواهُ فَإنَّهُ سُبْحانَهُ كافِيكم كُلَّ شَرٍّ وضُرٍّ (p-170)﴿إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ 84﴾ أيْ مُسْتَسْلِمِينَ لِقَضاءِ اللَّهِ تَعالى مُخْلِصِينَ لَهُ، ولَيْسَ هَذا مِن تَعْلِيقِ الحُكْمِ بِشَرْطَيْنِ بَلْ مِن تَعْلِيقِ شَيْئَيْنِ بِشَرْطَيْنِ لِأنَّهُ عَلَّقَ وُجُوبَ التَّوَكُّلِ المَفْهُومِ مِنَ الأمْرِ وتَقْدِيمِ المُتَعَلِّقِ بِالإيمانِ فَإنَّهُ المُقْتَضِي لَهُ وعَلَّقَ نَفْسَ التَّوَكُّلِ ووُجُودِهِ بِالإسْلامِ والإخْلاصِ لِأنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ مَعَ التَّخْلِيطِ، ونَظِيرُ ذَلِكَ: إنْ دَعاكَ زِيدٌ فَأجِبْهُ إنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَإنَّ وُجُوبَ الإجابَةِ مُعَلَّقٌ بِالدَّعْوَةِ ونَفْسَ الدَّعْوَةِ مُعَلَّقَةٌ بِالقُدْرَةِ، وحاصِلُهُ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ فَيَجِبُ عَلَيْكُمُ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ فافْعَلُوهُ واتَّصِفُوا بِهِ إنْ كُنْتُمْ مُسْتَسْلِمِينَ لَهُ تَعالى. وهَذا النَّوْعُ عَلى ما في الكَشْفِ يُفِيدُ مُبالِغَةً في تُرَتِّبُ الجَزاءِ عَلى الشَّرْطِ عَلى نَحْوِ: إنْ دَخَلْتِ الدّارَ فَأنْتِ طالِقٌ إنْ كُنْتِ زَوْجَتِي. وجَعَلَهُ بَعْضُهم مِن بابِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطَيْنِ المُقْتَضِي لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ الثّانِي عَلى الأوَّلِ في الوُجُودِ حَتّى لَوْ قالَ: إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَأنْتِ طالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدّارَ لَمْ تُطَلَّقْ ما لَمْ تَدْخُلْ قَبْلَ الكَلامِ لِأنَّ الشَّرْطَ الثّانِيَ شَرْطٌ لِلْأوَّلِ فَيَلْزَمُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ، وقَرَّرَهُ بِأنَّ هَهُنا ثَلاثَةُ أشْياءَ: الإيمانُ والتَّوَكُّلُ والإسْلامُ والمُرادُ بِالإيمانِ التَّصْدِيقُ وبِالتَّوَكُّلِ إسْنادُ الأُمُورِ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ وبِالإسْلامِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وقَطْعُ الأسْبابِ فَعَلَّقَ التَّوَكُّلَ بِالتَّصْدِيقِ بَعْدَ تَعْلِيقِهِ بِالإسْلامِ لِأنَّ الجَزاءَ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ الأوَّلِ وتَفْسِيرٌ لِلْجَزاءِ الثّانِي كَأنَّهُ قِيلَ: إنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ بِاللَّهِ تَعالى وآياتِهِ فَخُصُّوهُ سُبْحانَهُ بِإسْنادِ جَمِيعِ الأُمُورِ إلَيْهِ وذَلِكَ لا يَتَحَصَّلُ إلّا بَعْدَ أنْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ لِلَّهِ تَبارَكَ وتَعالى مُسْتَسْلِمِينَ بِأنْفُسِكم لَهُ سُبْحانَهُ لَيْسَ لِلشَّيْطانِ فِيكم نَصِيبٌ وإلّا فاتْرُكُوا أمْرَ التَّوَكُّلِ. ويُعْلَمُ مِنهُ أنْ لَيْسَ لِكُلِّ أحَدٍ مِنَ المُومِنِينَ الخَوْضُ في التَّوَكُّلِ بَلْ لِلْآحادِ مِنهم وأنَّ مَقامَ التَّوَكُّلِ دُونَ مَقامِ التَّسْلِيمِ، والأكْثَرُ عَلى الأوَّلِ ولَعَلَّهُ أدَقُّ نَظَرًا
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب