الباحث القرآني
﴿فَلَمّا ألْقَوْا﴾ ما ألْقَوْا مِنَ العِصِيِّ والحِبالِ واسْتَرْهَبُوا النّاسَ وجاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴿قالَ﴾ لَهم ﴿مُوسى﴾ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِهِمْ وبِما صَنَعُوا ﴿ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ﴾ (ما) مَوْصُولَةٌ وقَعَتْ مُبْتَدَأً و(السِّحْرُ) خَبَرٌ وألْ فِيهِ لِلْجِنْسِ والتَّعْرِيفِ لِإفادَةِ القَصْرِ إفْرادًا أيِ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ هو السِّحْرُ لا الَّذِي سَمّاهُ فِرْعَوْنُ ومَلَؤُهُ مِن آياتِ اللَّهِ تَعالى سِحْرًا وهو لِلْجِنْسِ ونُقِلَ عَنِ الفَرّاءِ أنَّ ألْ لِلْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ السِّحْرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا لَسِحْرٌ﴾ ورَدَ بِأنَّ شَرْطَ كَوْنِها لِلْعَهْدِ اتِّحادُ المُتَقَدِّمِ والمُتَأخِّرِ ذاتًا كَما في ﴿أرْسَلْنا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولا﴾ ﴿فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ ولا اتِّحادَ فِيما نَحْنُ فِيهِ فَإنَّ السِّحَرالمُتَقَدِّمَ ما جاءَ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهَذا ما جاءَ بِهِ السَّحَرَةُ ومِنَ النّاسِ مَن مَنَعَ اشْتِراطَ الِاتِّحادِ الذّاتِيِّ مُدَّعِيًا أنَّ الِاتِّحادَ في الجِنْسِ كافٍ فَقَدْ قالُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والسَّلامُ عَلَيَّ﴾ إنَّ ألْ لِلْعَهْدِ مَعَ أنَّ السَّلامَ الواقِعَ عَلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ غَيْرُ السَّلامِ الواقِعِ عَلى يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ ذاتًا والظّاهِرُ اشْتِراطُ ذَلِكَ وعَدَمُ كِفايَةِ الِاتِّحادِ في الجِنْسِ وإلّا لَصَحَّ في رَأيْتُ رَجُلًا وأكْرَمْتُ الرَّجُلَ إذا كانَ الأوَّلُ زَيْدًا والثّانِي عَمْرًا مَثَلًا أنْ يُقالَ: إنَّ ألْ لِلْعَهْدِ لِأنَّ الِاتِّحادَ في الجِنْسِ ظاهِرٌ ولَمْ نَجِدْ مَن يَقُولُهُ بَلْ لا أظُنُّ أحَدًا تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ وما في الآيَةِ مِن هَذا القَبِيلِ بَلِ المُغايِرَةُ بَيْنَ المُتَقَدِّمِ والمُتَأخِّرِ أظْهَرُ إذِ الأوَّلُ سِحْرٌ ادِّعائِيٌّ والثّانِي حَقِيقِيٌّ و(السَّلامُ) فِيما قَلَوْا مُتَحِدٌّ، وتَعَدُّدُ مَن وقَعَ عَلَيْهِ لا يَجْعَلُهُ مُتَعَدِّدًا في العُرْفِ والتَّدْقِيقُ الفَلْسَفِيُّ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ في مِثْلِ ذَلِكَ.
وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ القَوْلَ بِكَوْنِ التَّعْرِيفِ لِلْعَهْدِ مَعَ دَعْوى اسْتِفادَةِ القَصْرِ مِنهُ مِمّا يَتَنافَيانِ لِأنَّ (p-167)القَصْرَ إنَّما يَكُونُ إذا كانَ التَّعْرِيفُ لِلْجِنْسِ نَعَمْ إذا لَمْ يُرِدْ بِالنَّكِرَةِ المَذْكُورَةِ أوَّلًا مُعَيَّنَ ثُمَّ عُرِّفَتْ لا يُنافِي التَّعْرِيفُ الجِنْسِيَّةَ لِأنَّ النَّكِرَةَ تُساوِي تَعْرِيفَ الجِنْسِ فَحِينَئِذٍ لا يُنافِي تَعْرِيفُ العَهْدِ القَصْرَ وإنْ كانَ كَلامُهم يُخالِفُهُ ظاهِرًا فَلْيُحَرَّرِ انْتَهى.
وأقُولُ: دَعْوى الفَرّاءِ العَهْدَ هُنا مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ ولَعَلَّهُ أرادَ الجِنْسَ وإنْ عَبَّرَ بِالعَهْدِ بِناءً عَلى ما ذَكَرَهُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ في هَمْعِ الهَوامِعِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ عُصْفُورٍ أنَّهُ قالَ: لا يَبْعُدُ عِنْدِي أنْ يُسَمّى الألِفُ واللّامُ اللَّتانِ لِتَعْرِيفِ الجِنْسِ عَهْدِيَّتَيْنِ لِأنَّ الأجْناسَ عِنْدَ العُقَلاءِ مَعْلُومَةٌ مُذْ فَهِمُوها والعَهْدُ تُقَدِّمُ المَعْرِفَةَ. وادَّعى أبُو الحَجّاجِ يُوسُفُ بْنُ مَعْزُوزٍ أنَّ ألْ لا تَكُونُ إلّا عَهْدِيَّةً وتَأوَّلَهُ بِنَحْوِ ما ذَكَرَ إلّا أنَّ ظاهِرَ التَّعْلِيلِ لا يُساعِدُ ذَلِكَ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ (سِحْرٌ) بِالتَّنْكِيرِ وأُبَيٌّ (ما أتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ) والكَلامُ عَلى ذَلِكَ مُفِيدٌ لِلْقَصْرِ أيْضًا لَكِنْ بِواسِطَةِ التَّعْرِيضِ لِوُقُوعِهِ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِمْ: ﴿إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وجُوِّزَ في (ما) في جَمِيعِ هَذا القِراءاتِ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً و(السِّحْرُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ (آلسِّحْرُ) بِقَطْعِ الألِفِ ومَدِّها عَلى الِاسْتِفْهامِ فَما اسْتِفْهامِيَّةٌ مَرْفُوعَةٌ عَلى الِابْتِداءِ و﴿جِئْتُمْ بِهِ﴾ خَبَرُها و(السِّحْرُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ شَيْءٌ جَسِيمٌ جِئْتُمْ بِهِ أهُوَ السِّحْرُ أوِ السِّحْرُ هُوَ، وقَدْ يُجْعَلُ السِّحْرُ بَدَلًا مِن (ما) كَما تَقُولُ ما عِنْدَكَ أدِينارٌ أمْ دِرْهَمٌ، وقَدْ تُجْعَلُ (ما) نَصْبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بَعْدَها أيْ أيُّ شَيْءٍ أتَيْتُمْ بِهِ و﴿جِئْتُمْ بِهِ﴾ مُفَسِّرٌ لَهُ وفي (السِّحْرُ) الوَجْهانِ الأوَّلانِ.
وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأً والجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ أيْ أهُوَ السِّحْرُ أوِ السِّحْرُ هو خَبَرُهُ وفِيهِ الإخْبارُ بِالجُمْلَةِ الإنْشائِيَّةِ ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ مَنصُوبَةً بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ المَذْكُورُ لِأنَّ ما لا يَعْمَلُ لا يُفَسِّرُ عامِلًا.
﴿إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ أيْ سَيَمْحَقُهُ بِالكُلِّيَّةِ بِما يُظْهِرُهُ عَلى يَدَيْ مِنَ المُعْجِزَةِ فَلا يَبْقى لَهُ أثَرٌ أصْلًا أوْ سَيَظْهَرُ بُطْلانُهُ وفَسادُهُ لِلنّاسِ والسِّينُ لِلتَّأْكِيدِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ 81﴾ أيْ جِنْسَهم عَلى الإطْلاقِ فَيَدْخُلُ فِيهِ السَّحَرَةُ دُخُولًا أوَّلِيًّا ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالمُفْسِدِينَ المُخاطَبُونَ فَيَكُونُ مِن وضْعِ الظّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالإفْسادِ والإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ والجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِتَعْلِيلِ ما قَبْلَها وتَأْكِيدِهِ والمُرادُ بِعَدَمِ إصْلاحِ ذَلِكَ عَدَمُ إثْباتِهِ أوْ عَدَمُ تَقْوِيَتِهِ بِالتَّأْيِيدِ الإلَهِيِّ لا عَدَمُ جَعْلِ الفاسِدِ صالِحًا لِظُهُورِ أنَّ ذَلِكَ مِمّا لا يَكُونُ أيْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يُثْبِتُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ ولا يُدِيمُهُ بَلْ يُزِيلُهُ ويَمْحَقُهُ أوْ لا يُقَوِّيهِ ولا يُؤَيِّدُهُ بَلْ يُظْهِرُ بُطْلانَهُ ويَجْعَلُهُ مَعْلُومًا.
واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ السِّحْرَ إفْسادٌ وتَمْوِيهٌ لا حَقِيقَةَ لَهُ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ في إطْلاقِ القَوْلِ بِأنَّ السِّحْرَ لا حَقِيقَةَ لَهُ بَحْثًا، والحَقُّ أنَّ مِنهُ ما لَهُ حَقِيقَةٌ ومِنهُ ما هو تَخَيُّلٌ باطِلٌ ويُسَمّى شَعْبَذَةً وشَعْوَذَةً
{"ayah":"فَلَمَّاۤ أَلۡقَوۡا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَیُبۡطِلُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











