الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ بَيانٌ لِما آلَ أمْرُ مَن كَفَرَ بِالبَعْثِ المُشارِ إلَيْهِ فِيما سَبَقَ، وأعْرَضَ عَنِ البَيِّناتِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ والمُرادُ بِلِقائِهِ تَعالى شَأْنُهُ إمّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِالبَعْثِ أوْ لِقاءِ الحِسابِ وأيًّا ما كانَ فَفِيهِ مَعَ الِالتِفاتِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ مِن تَهْوِيلِ الأمْرِ ما لا يَخْفى
والرَّجاءُ يُطْلَقُ عَلى تَوَقُّعِ الخَيْرِ كالأمَلِ وعَلى الخَوْفِ وتَوَقُّعِ الشَّرِّ وعَلى مُطْلَقِ التَّوَقُّعِ وهو في الأوَّلِ حَقِيقَةٌ وفي الأخِيرَيْنِ مَجازٌ واخْتارَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ المَعْنى المَجازِيَّ الأخِيرَ المُنْتَظِمَ لِلْأمَلِ والخَوْفِ فالمَعْنى لا يَتَوَقَّعُونَ الرُّجُوعَ إلَيْنا أوْ لِقاءَ حِسابِنا المُؤَدِّيَ إلى حُسْنِ الثَّوابِ أوْ إلى سُوءِ العِقابِ فَلا يَأْمُلُونَ الأوَّلَ ولا يَخافُونَ الثّانِيَ ويُشِيرُ إلى عَدَمِ أمَلِهِمْ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا﴾ فَإنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ إيثارِ الأدْنى الخَسِيسِ عَلى الأعْلى النَّفِيسِ وإلى عَدَمِ خَوْفِهِمْ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واطْمَأنُّوا بِها﴾ فَإنَّ المُرادَ أنَّهم سَكَنُوا فِيها سُكُونَ مَن لا بَراحُ لَهُ آمَنِينَ مِنِ اعْتِراءِ المُزْعِجاتِ غَيْرَ مُخْطِرِينَ بِبالِهِمْ ما يَسُوءُهم مِنَ العَذابِ وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالرَّجاءِ المَعْنى الأوَّلُ والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ لا يُؤَمِّلُونَ حُسْنَ لِقائِنا بِالبَعْثِ والإحْياءِ بِالحَياةِ الأبَدِيَّةِ ورَضُوا بَدَلًا مِنها ومِمّا فِيها مِنَ الكَراماتِ السَّنِيَّةِ بِالحَياةِ الدُّنْيا الفانِيَةِ الدَّنِيَّةِ وسَكَنُوا إلَيْها مُكَبِّينَ عَلَيْها قاصِرِينَ مَجامِعَ هِمَمِهِمْ عَلى لَذائِذِها وزَخارِفِها مِن غَيْرِ صارِفٍ يَلْوِيهِمْ ولا عاطِفٍ يُثْنِيهِمْ وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِهِ المَعْنى الثّانِي والكَلامُ عَلى حَذْفِ المُضافِ أيْضًا أيْ لا يَخافُونَ سُوءَ لِقائِنا الَّذِي يَجِبُ أنْ يُخافَ وتُعُقِّبَ بِأنَّ كَلِمَةَ الرِّضا بِالحَياةِ الدُّنْيا تَأْبى ذَلِكَ فَإنَّها مُنْبِئَةٌ عَمّا تَقَدَّمَ مِن تَرْكِ الأعْلى وأخْذِ الأدْنى وقالَ الإمامُ: إنَّ حَمْلَ الرَّجاءِ عَلى الخَوْفِ بَعِيدٌ لِأنَّ تَفْسِيرَ الضِّدِّ بِالضِّدِّ غَيْرُ جائِزٍ ولا يَخْفى أنَّهُ في حَيِّزِ المَنعُ فَقَدْ ورَدَ ذَلِكَ في اسْتِعْمالِهِمْ وذَكَرَهُ الرّاغِبُ (p-73)والإمامُ المَرْزُوقِيُّ وأنْشَدُوا شاهِدًا لَهُ قَوْلَ أبِي ذُؤَيْبٍ:
؎إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعُها وحالَفَها في بَيْتِ نَوْبِ عَوامِلَ ووَجَّهَ
ذَلِكَ الرّاغِبُ بِأنَّ الرَّجاءَ والخَوْفَ يَتَلازَمانِ وأمّا الِاعْتِراضُ عَلى الإمامِ بِأنَّ اسْتِعْمالَ الضِّدِّ في الضِّدِّ جائِزٌ في الِاسْتِعارَةِ التَّهَكُّمِيَّةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّ مَقْصُودَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى أنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ في غَيْرِ الِاسْتِعارَةِ المَذْكُورَةِ كَما يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ دُونَ اسْتِعارَةٍ ثُمَّ إنَّهُ لا يَجُوزُ اعْتِبارُ هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ هُنا لِأنَّ التَّهَكُّمَ غَيْرُ مُرادٍ كَما لا يَخْفى، ويُعْلَمُ مِمّا ذَكَّرْنا في تَفْسِيرِ الآيَةِ أنَّ الباءَ لِلظَّرْفِيَّةِ وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ عَلى مَعْنى سَكَنُوا بِسَبَبِ زِينَتِها وزَخارِفِها واخْتِيارُ صِيغَةِ الماضِي في الخَصْلَتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ لِلدَّلالَةِ عَلى التَّحَقُّقِ والتَّقَرُّرِ كَما أنَّ اخْتِيارَ صِيغَةِ المُسْتَقْبَلِ في الأوْلى لِلْإيذانِ بِالِاسْتِمْرارِ ﴿والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا﴾ المُفَصَّلَةِ في صَحائِفِ الأكْوانِ حَسْبَما أُشِيرَ إلى بَعْضِها أوْ آياتِنا المُنَزَّلَةِ المُنَبِّهَةِ عَلى الِاسْتِدْلالِ بِها المُتَّفِقَةِ مَعَها في الدَّلالَةِ عَلى حَقِّيَّةِ ما لا يَرْجُونَهُ مِنَ اللِّقاءِ المُتَرَتِّبِ عَلى البَعْثِ وعَلى بُطْلانِ ما رَضُوا بِهِ واطْمَأنُّوا فِيهِ مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا ﴿غافِلُونَ 7﴾ لا يَتَفَكَّرُونَ فِيها أصْلًا وإنْ نُبِّهُوا بِما نُبِّهُوا لِانْهِماكِهِمْ بِما يَصُدُّهم عَنْها مِنَ الأحْوالِ المَعْدُودَةِ وتَكْرِيرُ المَوْصُولِ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلى هَذِهِ الصِّلَةِ المُؤْذِنَةِ بِدَوامِ غَفْلَتِهِمْ واسْتِمْرارِها والعَطْفُ لِمُغايِرَةِ الوَصْفِ المَذْكُورِ لِما قَبْلَهُ مِنَ الأوْصافِ وفي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهم جامِعُونَ لِهَذا وتِلْكَ وأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مُتَمَيِّزٌ مُسْتَقِلٌّ صالِحٌ لِأنْ يَكُونَ مَنشَأً لِلذَّمِّ والوَعِيدِ والقَوْلِ بِأنَّ ذَلِكَ لِتَغايُرِ الوَصْفَيْنِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الوَعِيدَ عَلى الجَمْعِ بَيْنَ الذُّهُولِ عَنِ الآياتِ رَأْسًا والِانْهِماكِ في الشَّهَواتِ بِحَيْثُ لا يَخْطِرُ بِبالِهِمُ الآخِرَةُ أصْلًا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ يُفْهَمُ مِن ظاهِرِهِ أنَّ كُلًّا مِنهُما غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْوَعِيدِ بِالِاسْتِقْلالِ بَلِ المُوجِبُ لَهُ المَجْمُوعُ وهو كَما تَرى وكَوْنُهُ لِتَغايُرِ الفَرِيقَيْنِ بِأنْ يُرادَ مِنَ الأوَّلِينَ مَن أنْكَرَ البَعْثَ ولَمْ يُرِدْ إلّا الحَياةَ الدُّنْيا وبِالآخِرِينَ مَن ألْهاهُ حُبُّ العاجِلِ عَنِ التَّأمُّلِ في الآجِلِ والإعْدادِ لَهُ كَأهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ ألْهاهم حُبُّ الدُّنْيا والرِّياسَةِ عَنِ الإيمانِ والِاسْتِعْدادِ لِلْآخِرَةِ بَعِيدٌ غايَةَ البُعْدِ في هَذا المَقامِ
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَٱطۡمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق