الباحث القرآني

﴿ألا إنَّ لِلَّهِ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ﴾ أيْ مِنَ المَلائِكَةِ والثَّقَلَيْنِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ –بِمَنِ- الشّائِعُ في العُقَلاءِ، والتَّغْلِيبُ غَيْرُ مُناسِبٍ هُنا، ووَجْهُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ الإيذانُ بِعَدَمِ الحاجَةِ إلى التَّصْرِيحِ بِغَيْرِهِمْ فَإنَّهم مَعَ شَرَفِهِمْ وعُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ إذا كانُوا عَبِيدًا للَّهِ مَمْلُوكِينَ لَهُ سُبْحانَهُ فَما عَداهم مِنَ المَوْجُوداتِ أوْلى بِذَلِكَ، والجُمْلَةُ مَعَ ما فِيها مِنَ التَّأْكِيدِ لِما سَبَقَ مِنِ اخْتِصاصِ العِزَّةِ بِهِ جَلَّ شَأْنُهُ المُوجِبُ لِسَلْوَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وعَدَمِ مُبالاتِهِ بِمَقالاتِ المُشْرِكِينَ تَمْهِيدٌ لِما لَحِقَ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ﴾ ودَلِيلٌ عَلى بُطْلانِ ظُنُونِهِمْ وأعْمالِهِمُ المَبْنِيَّةِ عَلَيْها والِاقْتِصارِ عَلى أحَدِ الأمْرَيْنِ قُصُورٌ فَلا تَكُنْ مِنَ القاصِرِينَ، و(ما) نافِيَةٌ و(شُرَكاءَ) مَفْعُولُ (يَتَّبِعُ) ومَفْعُولُ (يَدْعُونَ) مَحْذُوفٌ لِظُهُورِهِ، أيْ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ شُرَكاءَ في (p-154)الحَقِيقَةِ وإنْ سَمَّوْها شُرَكاءَ لِجَهْلِهِمْ فالمُرادُ سَلْبُ الصِّفَةِ في الحَقِيقَةِ ونَفْسُ الأمْرِ فَما ذَكَرَهُ أبُو البَقاءِ مِن عَدَمِ جَوازِ هَذا الوَجْهِ مِنَ الإعْرابِ لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى نَفْيِ اتِّباعِهِمُ الشُّرَكاءَ مَعَ أنَّهُمُ اتَّبَعُوهم ناشِئٌ مِنَ الغَفْلَةِ عَمّا ذَكَرْنا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ (شُرَكاءَ) المَذْكُورَ مَفْعُولُ (يَدْعُونَ) ويَكُونُ مَفْعُولُ (يَتَّبِعُ) مَحْذُوفًا لِانْفِهامِهِ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ﴾ أيْ ما يَتَّبِعُونَ يَقِينًا وإنَّما يَتَّبِعُونَ ظَنَّهُمُ الباطِلَ أوْ ظَنَّهم أنَّها شُرَكاءُ بِتَقْدِيرِ مَعْمُولِ الظَّنِّ أوْ تَنْزِيلِهِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ، وقَدَّرَ بَعْضُهم مَفْعُولَ (يَتَّبِعُونَ) شُرَكاءَ مَيْلًا إلى إعْمالِ الثّانِي في التَّنازُعِ، وتُعُقِّبُ بِأنَّهُ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن ذَلِكَ البابِ لِأنَّ مَفْعُولَ الفِعْلِ الأوَّلِ مُقَيَّدٌ دُونَ الثّانِي فَلا يَتَحَدُّ المَعْمُولُ والِاتِّحادُ شَرْطٌ في ذَلِكَ، وكَوْنُ التَّقْيِيدِ عارِضًا بَعْدَ الإعْمالِ بِقَرِينَةِ عامِلِهِ فَلا يُنافِي ما شُرِطَ في البابِ بِالبابِ كَما لا يَخْفى، وجُوِّزَ أيْضًا أنْ تَكُونَ (ما) اسْتِفْهامِيَّةٌ مَنصُوبَةٌ بِيَتَّبِعُ و(شُرَكاءَ) مَفْعُولُ (يَدْعُونَ) أيْ أيَّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ المُشْرِكُونَ أيْ ما يَتَّبِعُونَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وأنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً مَعْطُوفَةً عَلى (مَن) أيْ ولَهُ تَعالى ما يَتَّبِعُهُ المُشْرِكُونَ خَلْقًا ومَلَكًا فَكَيْفَ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ سُبْحانَهُ، وتَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِيما سَبَقَ عِبارَةٌ أوْ دِلالَةٌ لِلْمُبالَغَةِ في بَيانِ بُطْلانٍ الاتْباعِ وفَسادِ ما بَنَوْهُ عَلَيْهِ مِنَ الظَّنِّ الَّذِي هو الفَسادُ بِمَكانٍ، وجُوِّزَ عَلى احْتِمالِ المَوْصُولِيَّةِ أنْ تَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ باطِلٌ ونَحْوَهُ أوِ الخَبَرُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: (أنْ يَتَّبِعُونَ) والعائِدُ مَحْذُوفٌ أيْ في عِبادَتِهِ أوِ اتْباعِهِ. وقَرَأ السِّلْمِيُّ (تَدْعُونَ) بِالتّاءِ الخَطابِيَّةِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ وهي قِراءَةٌ مُتَّجِهَةٌ خِلافًا لِزاعِمِ خِلافِهِ فَإنَّ (ما) فِيها اسْتِفْهامِيَّةٌ لِلتَّبْكِيتِ والتَّوْبِيخِ والعائِدُ عَلى (الَّذِينَ) مَحْذُوفٌ و(شُرَكاءَ) حالٌ مِنهُ، والمُرادُ مِنَ (الَّذِينَ) المَلائِكَةُ والمَسِيحُ وعُزَيْرٌ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَكَأنَّهُ قِيلَ: أيَّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ الَّذِينَ تَدْعُونَهم حالَ كَوْنِهِمْ شُرَكاءَ في زَعْمِكم مِنَ المَلائِكَةِ والنَّبِيِّينَ تَقْرِيرًا لِكَوْنِهِمْ مُتَّبِعِينَ لِلَّهِ تَعالى مُطِيعِينَ لَهُ وتَوْبِيخًا لَهم عَلى عَدَمِ اقْتِدائِهِمْ بِهِمْ في ذَلِكَ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ﴾ وحاصِلُهُ أنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهم يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعالى ولا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ فَما لكم لا تَقْتَدُونَ بِهِمْ ولا تَتْبَعُونَهم في ذَلِكَ ثُمَّ صَرَفَ الكَلامَ عَنِ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ فَقِيلَ: إنْ يَتَّبِعْ هَؤُلاءِ إلّا الظَّنَّ ولا يَتَّبِعُونَ ما يَتْبَعُهُ المَلائِكَةُ والنَّبِيُّونَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِنَ الحَقِّ ﴿وإنْ هم إلا يَخْرُصُونَ 66﴾ أيْ يَحْزَرُونَ ويُقَدَّرُونَ أنَّهم شُرَكاءُ تَقْدِيرًا باطِلًا أوْ يَكْذِبُونَ فِيما يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى أنَّ الخَرْصَ إمّا بِمَعْنى الحِرْزِ والتَّخْمِينِ كَما هو الأصْلُ الشّائِعُ فِيهِ، وإمّا بِمَعْنى الكَذِبِ فَإنَّهُ جاءَ اسْتِعْمالُهُ في ذَلِكَ لِغَلَبَتِهِ في مِثْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب