الباحث القرآني
﴿ولَوْ أنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ﴾ أيْ بِالكُفْرِ أوْ بِالتَّعَدِّي عَلى الغَيْرِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِن أصْنافِ الظُّلْمِ كَذا (p-137)قِيلَ ورُبَّما يُقْتَصَرُ عَلى الأوَّلِ لِأنَّهُ الفَرْدُ الكامِلُ مَعَ أنَّ الكَلامَ في حَقِّ الكُفّارِ و(لَوْ) قِيلَ بِمَعْنى إنَّ وقِيلَ عَلى ظاهِرِها واسْتُبْعِدَ ولا أراهُ بَعِيدًا ﴿ما في الأرْضِ﴾ أيْ ما في الدُّنْيا مِن خَزائِنِها وأمْوالِها ومَنافِعِها قاطِبَةً ﴿لافْتَدَتْ بِهِ﴾ أيْ لَجَعَلَتْهُ فِدْيَةً لَها مِنَ العَذابِ مِنِ افْتَداهُ بِمَعْنى فَداهُ فالمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أيْ لافْتَدَتْ نَفْسَها بِهِ
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ افْتَدى لازِمًا عَلى أنَّهُ مُطاوِعُ فَدى المُتَعَدِّي يُقالُ: فَداهُ فافْتَدى وتُعُقِّبَ بَأنَّهُ غَيْرُ مُناسِبٍ لِلسِّياقِ إذِ المُتَبادَرُ مِنهُ أنَّ غَيْرَهُ فَداهُ لِأنَّ مَعْناهُ قَبِلْتُ الفِدْيَةَ والقابِلُ غَيْرُ الفاعِلِ ونَظَرَ فِيهِ بِأنَّهُ قَدْ يَتَّحِدُ القابِلُ والفاعِلُ إذْ فَدى نَفْسَهُ نَعَمِ المُتَبادِرُ الأوَّلُ ﴿وأسَرُّوا﴾ أيِ النُّفُوسَ المَدْلُولَ عَلَيْها بِكُلِّ نَفْسٍ والعُدُولُ إلى صِيغَةِ الجَمْعِ لِإفادَةِ تَهْوِيلِ الخَطْبِ بِكَوْنِ الإسْرارِ بِطَرِيقِ المَعِيَّةِ والِاجْتِماعِ وإنَّما لَمْ يُراعَ ذَلِكَ فِيما سَبَقَ لِتَحْقِيقِ ما يُتَوَخّى مِن فَرْضِ كَوْنِ جَمْعِ ما في الأرْضِ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنَ النُّفُوسِ وإيثارِ صِيَغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ لِحَمْلِ لَفْظِ النَّفْسِ عَلى الشَّخْصِ أوْ لِتَغْلِيبِ ذُكُورِ مَدْلُولِهِ عَلى إناثِهِ والإسْرارُ الإخْفاءُ أيْ أخْفَوُا ﴿النَّدامَةَ﴾ أيِ الغَمَّ والأسَفَ عَلى ما فَعَلُوا مِنَ الظُّلْمِ والمُرادُ إخْفاءُ آثارِها كالبُكاءِ وعَضِّ اليَدِ وإلّا فَهي مِنَ الأُمُورِ الباطِنَةِ الَّتِي لا تَكُونُ إلّا سِرًّا وذَلِكَ لِشِدَّةِ حَيْرَتِهِمْ وبَهَتَهم ﴿لَمّا رَأوُا العَذابَ﴾ أيْ عِنْدَ مُعايَنَتِهِمْ مِن فَظاعَةِ الحالِ وشِدَّةِ الأهْوالِ ما لَمْ يَمُرَّ لَهم بِبالٍ فَأشْبَهَ حالُهم حالَ المُقَدَّمِ لِلصَّلْبِ يُثْخِنُهُ ما دَهَمَهُ مِنَ الخَطْبِ ويَغْلِبُ حَتّى لا يَسْتَطِيعَ التَّفَوُّهَ بِبِنْتِ شَفَةٍ ويَبْقى جامِدًا مَبْهُوتًا وقِيلَ: المُرادُ بِالإسْرارِ الإخْلاصُ أيْ أخْلَصُوا النَّدامَةَ وذَلِكَ إمّا لِأنَّ إخْفاءَها إخْلاصُها وإمّا مِن قَوْلِهِمْ: سِرُّ الشَّيْءِ لِخالِصِهِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يُخْفى ويُصانَ ويُضَنَّ بِهِ وفِيهِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ: وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والجِبائِيُّ: إنَّ الإسْرارَ هُنا بِمَعْنى الإظْهارِ وفي الصِّحاحِ أسْرَرْتُ الشَّيْءَ كَتَمْتُهُ وأعْلَنْتُهُ أيْضًا وهو مِنَ الأضْدادِ والوَجْهانِ جَمِيعًا يُفَسَّرانِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأسَرُّوا النَّدامَةَ﴾ وكَذَلِكَ في قَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
انْتَهى وفي القامُوسِ أيْضًا أسَرَّهُ كَتَمَهُ وأظْهَرَهُ ضِدٌّ وفِيهِ اخْتِلافُ اللُّغَوِيِّينَ فَإنَّ الأزْهَرِيَّ مِنهُمُ ادَّعى أنَّ اسْتِعْمالَ أسَرَّ بِمَعْنى أظْهَرَ غَلَطٌ وأنَّ المُسْتَعْمَلَ بِذَلِكَ المَعْنى هو أشَرُّ بِالشِّينِ المُعْجَمَةِ لا غَيْرُ ولَعَلَّهُ قَدْ غَلِطَ في التَّغْلِيطِ وعَلَيْهِ فالإظْهارُ أيْضًا بِاعْتِبارِ الآثارِ عَلى ما لا يَخْفى
وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالإسْرارِ الإخْفاءَ إلّا أنَّ المُرادَ مِن ضَمِيرِ الجَمْعِ الرُّؤَساءُ أيْ أخْفى رُؤَساؤُهُمُ النَّدامَةَ مِن سَفَلَتِهِمُ الَّذِينَ أضَلُّوهم حَياءً مِنهم وخَوْفًا مِن تَوْبِيخِهِمْ وفِيهِ أنَّ ضَمِيرَ ﴿أسَرُّوا﴾ عامٌّ لا قَرِينَةَ عَلى تَخْصِيصِهِ عَلى أنَّ هَوْلَ المَوْقِفِ أشَدُّ مِن أنْ يُتَفَكَّرَ مَعَهُ في أمْثالِ ذَلِكَ وجُمْلَةُ ﴿أسَرُّوا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ عَلى الظّاهِرِ وقِيلَ: حالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ و﴿لَمّا﴾ عَلى سائِرِ الأوْجُهِ بِمَعْنى حِينَ مَنصُوبٌ بِأسَرُّوا وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ لِلشَّرْطِ والجَوابِ مَحْذُوفٌ عَلى الصَّحِيحِ لِدَلالَةِ ما تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أيْ لَمّا رَأوُا العَذابَ أسَرُّوا النَّدامَةَ و﴿قُضِيَ﴾ أيْ حُكِمَ وفُصِلَ بَيْنَهم أيْ بَيْنِ النُّفُوسِ الظّالِمَةِ ﴿بِالقِسْطِ﴾ أيْ بِالعَدْلِ ﴿وهم لا يُظْلَمُونَ 54﴾ أصْلًا لِأنَّهُ لا يُفْعَلُ بِهِمْ إلّا ما يَقْتَضِيهِ اسْتِعْدادُهم وقِيلَ: ضَمِيرُ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ لِلظّالِمِينَ السّابِقِينَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَوْ أنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ﴾ والمَظْلُومِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوهم وإنْ لَمْ يَجْرِ لَهم ذِكْرٌ لَكِنَّ الظُّلْمَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَيْهِمْ وتَخْصِيصُ الظُّلْمِ بِالتَّعَدِّي والمَعْنى وقَعَتِ الحُكُومَةُ بَيْنَ الظّالِمِينَ والمَظْلُومِينَ وعُومِلَ كُلٌّ مِنهُما بِما يَلِيقُ بِهِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ المَقامَ لا يُساعِدُ (p-138)عَلى ذَلِكَ لِأنَّهُ إنْ لَمْ يَقْتَضِ حَمْلُ الظُّلْمِ عَلى أعْظَمِ أفْرادِهِ وهو الشِّرْكُ فَلا أقَلَّ مِن أنَّهُ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلى ما يَدْخُلُ ذَلِكَ فِيهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا والظّاهِرُ أنَّ جُمْلَةُ ﴿قُضِيَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿رَأوُا﴾ فَتَكُونَ داخِلَةً في حَيِّزِ لِما
{"ayah":"وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسࣲ ظَلَمَتۡ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق