الباحث القرآني

والمُرادُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ﴾ زِيادَةُ التَّنْدِيمِ والتَّجْهِيلِ والمَعْنى أئِذا وقَعَ العَذابُ وحَلَّ بِكم حَقِيقَةً آمَنتُمْ بِهِ وعادَ اسْتِهْزاؤُكم وتَكْذِيبُكم تَصْدِيقًا وإذْعانًا وجِيءَ بِثُمَّ دَلالَةً عَلى زِيادَةِ الِاسْتِبْعادِ وفِيهِ أنَّ هَذا الثّانِيَ أبْعَدُ مِنَ الأوَّلِ وأدْخَلُ في الإنْكارِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ هَذا جَوابَ الشَّرْطِ والِاسْتِفْهامِيَّةُ الأُولى اعْتِراضٌ والمَعْنى أخْبِرُونِي إنْ أتاكم عَذابُهُ آمَنتُمْ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ حِينَ لا يَنْفَعُكُمُ الإيمانُ وأصْلُ الكَلامِ عَلى ما قِيلَ: إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا ووَقَعَ وتَحَقَّقَ آمَنتُمْ ثُمَّ جِيءَ بِحَرْفِ التَّراخِي بَدَلَ الواوِ دَلالَةً عَلى الِاسْتِبْعادِ ثُمَّ زِيدَ أداةُ الشَّرْطِ دَلالَةً عَلى اسْتِقْلالِهِ بِالاسْتِبْعادِ وعَلى أنَّ الأوَّلَ كالتَّمْهِيدِ لَهُ وجِيءَ بِإذا - مُؤَكِّدًا - بِما - تَرْشِيحًا لِمَعْنى الوُقُوعِ والتَّحْقِيقِ وزِيادَةً لِلتَّجْهِيلِ وأنَّهم لَمْ يُومَنُوا إلّا بَعْدُ إنْ لَمْ يَنْفَعْهُمُ البَتَّةَ وهَذا الوَجْهُ مِمّا جَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ في غايَةِ البُعْدِ لِأنَّ ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ لَمْ يَسْمَعْ تَصْدِيرَ الجَوابِ بِهِ والجُمْلَةُ المُصَدَّرَةُ بِالِاسْتِفْهامِ لا تَقَعُ جَوابًا بِدُونِ الفاءِ وأُجِيبُ عَنْ هَذا بِما مَرَّ وأمّا الجَوابُ عَنْهُ بِأنَّهُ أجْرى (ثُمَّ) مَجْرى الفاءِ فَكَما أنَّ الفاءَ في الأصْلِ لِلْعَطْفِ والتَّرْتِيبِ وقَدْ رَبَطَتِ الجَزاءَ فَكَذَلِكَ هَذِهِ فَمُخالِفٌ لِإجْماعِ النُّحاةِ وقِياسُهُ عَلى الفاءِ غَيْرُ جَلِيٍّ ولِهَذِهِ الدَّغْدَغَةِ قِيلَ: مُرادُ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّهُ يَدُلُّ عَلى الجَوابِ والتَّقْدِيرُ إنْ أتاكم عَذابُهُ آمَنتُمْ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وما في النَّظْمِ الكَرِيمِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوَ ﴿كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَخْفى تَكَلُّفُهُ فَإنَّ عَطْفَ التَّأْكِيدِ بِثُمَّ مَعَ حَذْفِ المُؤَكِّدِ مِمّا لا يَنْبَغِي ارْتِكابُهُ ولَوْ قِيلَ: المُرادُ إنَّ (آمَنتُمْ) هو الجَوابُ و﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ﴾ مُعْتَرِضٌ فالِاعْتِراضُ بِالواوِ والفاءِ وأمّا بِثُمَّ فَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أحَدٌ وبِالجُمْلَةِ قَدْ كَثُرَ الجَرْحُ والتَّعْدِيلُ لِهَذا الوَجْهِ ولا يُصْلِحُ العَطّارُ ما أفْسَدَ الدَّهْرُ وقُرِئَ (ثَمَّ) بِفَتْحِ الثّاءِ بِمَعْنى هُنالِكَ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿آلآنَ﴾ عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ وهو الأظْهَرُ والأقْوى مَعْنًى أيْ قِيلَ لَهم عِنْدَ إيمانِهِمْ بَعْدَ وُقُوعِ العَذابِ آلآنَ آمَنتُمْ بِهِ فالآنَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّهُ ظَرْفٌ لِآمَنتُمْ مُقَدَّرًا ومُنِعَ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَذْكُورِ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ صَدْرُ الكَلامِ وقُرِئَ بِدُونِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ والظّاهِرُ عِنْدِي عَلى هَذا تَعَلُّقُهُ بِمُقَدَّرٍ أيْضًا لِأنَّ الكَلامَ عَلى الِاسْتِفْهامِ وبَعْضٌّ جَوَّزَ تَعَلُّقَهُ بِالمَذْكُورِ ولَيْسَ بِذاكَ وعَنْ نافِعٍ أنَّهُ قُرِئَ (آلْآنَ) بِحَذْفِ الهَمْزَةِ الَّتِي بَعْدَ اللّامِ وإلْقاءِ حَرَكَتِها عَلى اللّامِ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: (p-135)﴿وقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ 51﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن فاعِلِ (آمَنتُمْ) المُقَدَّرِ والكَلامُ عَلى ما قِيلَ مَسُوقٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى غَيْرُ داخِلٍ تَحْتِ القَوْلِ المُلَقَّنِ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونٍ ما سَبَقَ مِن إنْكارِ التَّأْخِيرِ والتَّوْبِيخِ عَلَيْهِ وفائِدَةُ الحالِ تَشْدِيدُ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعُ وزِيادَةُ التَّنْدِيمِ والتَّحْسِيرِ قالَ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ: إنَّ آلْآنَ آمَنتُمْ بِهِ يَقْتَضِي أنْ يُقالَ بَعْدَهُ: وقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ لا (تَسْتَعْجِلُونَ) إلّا أنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَهُ لِأنَّ المُرادَ بِهِ الِاسْتِعْجالُ السّابِقُ وهو ما حَكاهُ سُبْحانَهُ عَنْهم بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ وكانَ ذَلِكَ تَهَكُّمًا مِنهم وتَكْذِيبًا واسْتِبْعادًا وفي العُدُولِ اسْتِحْضارٌ لِتِلْكَ المَقالَةِ الشَّنِيعَةِ فَيَكُونُ أبْلَغَ مِن تُكَذِّبُونَ وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى الفِعْلِ لِمُراعاةِ الفَواصِلِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب