الباحث القرآني
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً﴾ تَنْبِيهٌ عَلى الِاسْتِدْلالِ عَلى وُجُودِهِ تَعالى ووَحْدَتِهِ وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ وحِكْمَتِهِ بِآثارِ صَنِيعِهِ في النَّيِّرَيْنِ بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلى الِاسْتِدْلالِ بِما مَرَّ وبَيانٌ لِبَعْضِ أفْرادِ التَّدْبِيرِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ إشارَةً إجْمالِيَّةً وإرْشادٌ إلى أنَّهُ سُبْحانَهُ حِينَ دَبَّرَ أُمُورَهُمُ المُتَعَلِّقَةَ بِمَعاشِهِمْ هَذا التَّدَبُّرَ البَدِيعَ فَلَأنْ يُدَبِّرَ مَصالِحَهُمُ المُتَعَلِّقَةَ بِمَعادِهِمْ بِإرْسالِ الرُّسُلِ وإنْزالِ الكُتُبِ أوْلى وأحْرى، أوْ جَعَلَ إمّا بِمَعْنى أنْشَأ وأبْدَعَ فَضِياءً حالٌ مِن مَفْعُولِهِ وإمّا بِمَعْنى صَيَّرَ فَهو مَفْعُولُهُ الثّانِي، والكَلامُ عَلى حَدِّ - ضِيقِ فَمِ القِرْبَةِ - إذْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ خالِيَةً عَنْ تِلْكَ الحالَةِ وهي عَلى ما قِيلَ مَأْخُوذَةٌ مِن شِمْسَةِ القِلادَةِ لِلْخَرَزَةِ الكَبِيرَةِ وسَطُها وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها أعْظَمُ الكَواكِبِ كَما تَدُلُّ عَلَيْهِ الآثارُ ويَشْهَدُ لَهُ الحِسُّ وإلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ أهْلِ الهَيْئَةِ ومِنهم مَن قالَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها في الفَلَكِ الأوْسَطِ بَيْنَ أفْلاكِ العُلْوِيَّةِ وبَيْنَ أفْلاكِ الثَّلاثَةِ الأُخَرِ وهو أمْرٌ ظَنِّيٌّ لَمْ تَشْهَدْ لَهُ الأخْبارُ النَّبَوِيَّةُ كَما سَتَعْلَمُهُ قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، والضِّياءُ مَصْدَرٌ كَقِيامٍ، وقالَ أبُو عَلِيٍّ في الحُجَّةِ: كَوْنُهُ جَمْعًا كَحَوْضٍ وحِياضٍ وسَوْطٍ وسِياطٍ أقْيَسُ مِن كَوْنِهِ مَصْدَرًا وتُعُقِّبَ بِأنَّ إفْرادَ النُّورِ فِيما بَعْدُ يُرَجِّحُ الأوَّلَ وياؤُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ واوٍ لِانْكِسارِ ما قَبْلَها وأصْلُ الكَلامِ جَعَلَ الشَّمْسَ ذاتَ ضِياءٍ
ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ المَصْدَرُ بِمَعْنى اسْمِ الفاعِلِ أيْ مُضِيئَةً وأنْ يَبْقى عَلى ظاهِرِهِ مِن غَيْرِ مُضافٍ فَيُفِيدَ المُبالَغَةَ بِجَعْلِها نَفْسَ الضِّياءِ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ضِئاءً بِهَمْزَتَيْنِ بَيْنَهُما ألِفٌ والوَجْهُ فِيهِ كَما قالَ أبُو البَقاءِ: أنْ يَكُونَ آخِرَ الياءِ وقَدَّمَ الهَمْزَةَ فَلَمّا وقَعَتِ الياءُ طَرَفًا بَعْدَ ألْفِ زائِدَةٍ قُلِبَتْ هَمْزَةً عِنْدَ قَوْمٍ وعِنْدَ آخَرِينَ قُلِبَتْ ألْفًا ثُمَّ قُلِبَتِ الألِفُ هَمْزَةً لِئَلّا يَجْتَمِعَ ألِفانِ ﴿والقَمَرَ نُورًا﴾ أيْ ذا نُورٍ أوْ مُنِيرًا أوْ نَفْسَ النُّورِ عَلى حَدِّ ما تَقَدَّمَ آنِفًا والنُّورُ قِيلَ: أعَمُّ مِنَ الضَّوْءِ بِناءً عَلى أنَّهُ ما قَوِيَ مِنَ النُّورِ والنُّورُ شامِلٌ لِلْقَوِيِّ والضَّعِيفِ والمَقْصُودُ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ تَشْبِيهُ هُداهُ الَّذِي نَصَبَهُ لِلنّاسِ بِالنُّورِ المَوْجُودِ في اللَّيْلِ أثْناءَ الظَّلامِ والمَعْنى أنَّهُ تَعالى جَعَلَ هُداهُ كالنُّورِ في الظَّلامِ فَيُهْدى قَوْمٌ ويَضِلُّ آخَرُونَ ولَوْ جَعَلَهُ كالضِّياءِ الَّذِي لا يَبْقى مَعَهُ ظَلامٌ لَمْ يَضِلَّ أحَدٌ وهو مُنافٍ لِلْحِكْمَةِ وفِيهِ نَظَرٌ وقِيلَ: هُما مُتَبايِنانِ فَما كانَ بِالذّاتِ فَهو ضِياءٌ وما كانَ بِالعَرَضِ فَهو نُورٌ ولِكَوْنِ الشَّمْسِ نَيِّرَةً بِنَفْسِها نُسِبَ إلَيْها الضِّياءُ ولِكَوْنِ نُورِ القَمَرِ مُسْتَفادًا مِنها نَسَبَ إلَيْهِ النُّورَ وتَعَقَّبَهُ العَلّامَةُ الثّانِي بِأنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الحُكَماءِ ولَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ في شَيْءٍ فَإنَّهُ شاعَ نُورُ الشَّمْسِ ونُورُ النّارِ (p-68)ونَحْنُ قَدْ بَسَطْنا الكَلامَ عَلى ذَلِكَ فِيما تَقَدَّمَ وفي كِتابِنا الطِّرازِ المُذَهَّبِ وأتَيْنا فِيهِ هُدًى لِلنّاظِرِينَ
بَقِيَ أنَّ حَدِيثَ الِاسْتِفادَةِ المَذْكُورَةِ سَواءٌ كانَتْ عَلى سَبِيلِ الِانْعِكاسِ مِن غَيْرِ أنْ يَصِيرَ جَوْهَرُ القَمَرِ مُسْتَنِيرًا كَما في المِرْآةِ أوْ بِأنْ يَسْتَنِيرَ جَوْهَرُهُ عَلى ما هو الأشْبَهُ عِنْدَ الإمامِ قَدْ ذَكَرَها كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ حَتّى القاضِي في تَفْسِيرِهِ وهو مِمّا لَمْ يَجِئْ مِن حَدِيثِ مَن عَرَجَ إلى السَّماءِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وإنَّما جاءَ عَنِ الفَلاسِفَةِ وقَدْ زَعَمُوا أنَّ الأفْلاكَ الكُلِّيَّةَ تِسْعَةٌ أعْلاها فَلَكُ الأفْلاكِ ثُمَّ فَلَكُ الثَّوابِتِ ثُمَّ فَلَكُ كِيوانَ ثُمَّ فَلَكُ بَرْجِيسَ ثُمَّ فَلَكُ بَهْرامَ ثُمَّ فَلَكُ الشَّمْسِ ثُمَّ فَلَكُ الزُّهْرَةِ ثُمَّ فَلَكُ الكاتِبِ ثُمَّ فَلَكُ القَمَرِ وزَعَمَ صاحِبُ التُّحْفَةِ أنَّ فَلَكَ الشَّمْسِ تَحْتَ فَلَكِ الزُّهْرَةِ وما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ هو الأوَّلُ واسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنهم عَلى هَذا التَّرْتِيبِ بِما يَبْقِي مَعَهُ الِاشْتِباهُ بَيْنَ الشَّمْسِ وبَيْنَ الزُّهْرَةِ والكاتِبِ كالكَسْفِ والِانْكِسافِ واخْتِلافُ المَنظَرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ إلى مَعْرِفَتِهِ بِذاتِ الشُّعْبَتَيْنِ لِأنَّ الأوَّلَ لا يُتَصَوَّرُ هُناكَ لِأنَّ الزُّهْرَةَ والكاتِبَ يَحْتَرِقانِ عِنْدَ الِاقْتِرانِ في مُعْظَمِ المَعْمُورَةِ والَثّانِي أيْضًا مِمّا لا يُسْتَطاعُ لِتِلْكَ الآلَةِ لِأنَّها تُنْصَبُ في سَطْحِ نِصْفِ النَّهارِ وهَذانِ الكَوْكَبانِ لا يَظْهَرانِ هُناكَ لِكَوْنِهِما حَوالَيِ الشَّمْسِ بِأقَلَّ مِن بُرْجَيْنِ فَإذا بَلَغا نِصْفَ النَّهارِ كانَتِ الشَّمْسُ فَوْقَ الأرْضِ شَرْقِيَّةً أوْ غَرْبِيَّةً فَلا يَرَيانِ أصْلًا وجَعَلَ الشَّمْسَ في الفَلَكِ الأوْسَطِ لِما في ذَلِكَ مِن حُسْنِ التَّرْتِيبِ كَأنَّها شِمْسَةُ القِلادَةِ أوْ لِأنَّها بِمَنزِلَةِ المَلِكِ في العالَمِ فَكَما يَنْبَغِي لِلْمَلِكِ أنْ يَكُونَ في وسَطِ العَسْكَرِ يَنْبَغِي لَها أنْ تَكُونَ في وسَطِ كُراتِ العالَمِ أمْرٌ إقْناعِيٌّ بَلْ هو مِن قَبِيلِ التَّمَسُّكِ بِجِبالِ القَمَرِ ومِثْلُ ذَلِكَ تَمَسُّكُهم في عَدَمِ الزِّيادَةِ عَلى هَذِهِ الأفْلاكِ بِأنَّهُ لا فَضْلَ في الفَلَكِيّاتِ مَعَ أنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ ثَخَنُ الفَلَكِ الأعْظَمِ أقَلُّ ما يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِلْأجْسامِ مِنَ الثَّخانَةِ إذْ لا كَوْكَبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ ثَخَنُهُ مُساوِيًا لِقُطْرِهِ فالزّائِدُ عَلى أقَلِّ ما يُمْكِنُ فَضْلٌ وقَدْ بَيَّنَ في رِسالَةِ الأبْعادِ والأجْرامِ أنَّهُ بَلَغَ الغايَةَ في الثَّخَنِ وقَدْ قَدَّمْنا لَكَ ذَلِكَ وحِينَئِذٍ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنَ الثَّوابِتِ فَلَكٌ عَلى حِدَةٍ وأنْ تَكُونَ تِلْكَ الأفْلاكُ مُتَوافِقَةً في حَرَكاتِها جِهَةً وقُطْبًا ومِنطَقَةً وسُرْعَةً بَلْ لَوْ قِيلَ بِتَخالُفِ بَعْضِها لَمْ يَكُنْ هُناكَ دَلِيلٌ يَنْفِيهِ لَأنَّ المَرْصُودَ مِنها أقَلُّ قَلِيلٍ. فَيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ بَعْضُ ما لَمْ يُرْصَدْ مُتَخالِفًا عَلى أنَّ مِنَ النّاسِ مَن أثْبَتَ كُرَةً فَوْقَ كُرَةِ الثَّوابِتِ وتَحْتَ الفَلَكِ الأعْظَمِ واسْتُدِلَّ عَلى ذَلِكَ بِما اسْتُدِلَّ ومَن عَلِمَ أنَّ أرْبابَ الأرْصادِ مُنْذُ زَمانٍ يَسِيرٍ وجَدُوا كَوْكَبًا سَيّارًا أبْطَأ سَيْرًا مِن زُحَلَ وسَمَّوْهُ هِرَشْلًا وقَدْ رَصَدَهُ لالِنْتُ فَوَجَدَهُ يَقْطَعُ البُرْجَ في سِتِّ سِنِينَ شَمْسِيَّةٍ وأحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وسَبْعَةٍ وعِشْرِينَ يَوْمًا وهو يَوْمُ تَحْرِيرِنا هَذا المَبْحَثَ وهو اليَوْمُ الرّابِعُ والعِشْرُونَ مِن جُمادى الآخِرَةِ سَنَةَ الألْفِ والمِائَتَيْنِ والسِّتِّ والخَمْسِينَ حَيْثُ الشَّمْسُ في السُّنْبُلَةِ قَدْ قُطِعَ مِنَ الحُوتِ دَرَجَةٌ واحِدَةٌ وثَلاثَ عَشْرَةَ دَقِيقَةً راجِعًا لا يَبْقى لَهُ اعْتِمادٌ عَلى ما قالَهُ المُتَقَدِّمُونَ ويَجُوزُ أمْثالُ ما ظَفَرَ بِهِ هَؤُلاءِ المُتَأخِّرُونَ وأيْضًا مِنَ الجائِزِ أنْ تَكُونَ الأفْلاكُ ثَمانِيَةً لا مَكانَ كَوْنَ جَمِيعِ الثَّوابِتِ مَرْكُوزَةً في مُحَدَّبٍ مُمَثِّلِ زُحَلَ أيْ في مُتَمِّمِهِ الحاوِي عَلى أنَّهُ يَتَحَرَّكُ بِالحَرَكَةِ البَطِيئَةِ والفَلَكَ الثّامِنَ يَتَحَرَّكُ بِالحَرَكَةِ السَّرِيعَةِ وحِينَئِذٍ تَكُونُ دائِرَةُ البُرُوجِ المارَّةُ بِأوائِلِ البُرُوجِ مُنْتَقِلَةً بِحَرَكَةِ الثّامِنِ غَيْرَ مُنْتَقِلَةٍ بِحَرَكَةِ المُمَثِّلِ لِيَحْصُلَ انْتِقالُ الثَّوابِتِ بِحَرَكَةِ المُمَثِّلِ مِن بُرْجٍ إلى بُرْجٍ كَما هو الواقِعُ وقَدْ صَرَّحَ البَرْجَنْدِيُّ أنَّ القُدَماءَ لَمْ يُثْبِتُوا الفَلَكَ الأعْظَمَ وإنَّما أثْبَتَهُ المُتَأخِّرُونَ وأيْضًا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ سَبْعَةً بِأنْ يُفْرَضَ الثَّوابِتُ ودائِرَةُ البُرُوجِ عَلى مُحَدَّبِ مُمَثِّلِ زُحَلَ ويَكُونَ هُناكَ نَفْسانِ تَتَّصِلُ إحْداهُما بِمَجْمُوعِ السَّبْعَةِ وتُحَرِّكُها إحْدى الحَرَكَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ والأُخْرى بِالكُرَةِ السّابِعَةِ وتُحَرِّكُها الأُخْرى ولَكِنْ بِشَرْطِ (p-69)أنْ تُفْرَضَ دَوائِرُ البُرُوجِ مُتَحَرِّكَةً بِالسَّرِيعَةِ دُونَ البَطِيئَةِ كَتَحَرُّكِها مُتَوَهِّمَةً عَلى سُطُوحِ المُمَثِّلاتِ بِالسَّرِيعَةِ دُونَ البَطِيئَةِ لِيَنْقُلَ الثَّوابِتَ بِالبَطِيئَةِ مِن بُرْجٍ إلى بُرْجٍ كَما هو الواقِعُ ونَحْنُ مِن وراءِ المَنعِ فِيما يَرُدُّ عَلى هَذا الِاحْتِمالِ وأيْضًا ذَكَرَ الإمامُ أنَّهُ لِمَ لا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الثَّوابِتُ تَحْتَ فَلَكِ القَمَرِ فَتَكُونُ تَحْتَ كُراتِ السَّيّارَةِ لا فَوْقُها وما يُقالُ: مِن أنّا نَرى أنَّ هَذِهِ السَّيّارَةَ تَكْسِفُ الثَّوابِتَ والكاسِفُ تَحْتَ المَكْسُوفِ لا مَحالَةَ مَدْفُوعٌ بِأنَّ هَذِهِ السَّيّاراتِ إنَّما تَكْسِفُ الثَّوابِتَ القَرِيبَةَ مِنَ المِنطَقَةِ دُونَ القَرِيبَةِ مِنَ القُطْبَيْنِ فَلِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: هَذِهِ الثَّوابِتُ القَرِيبَةُ مِنَ المِنطَقَةِ مَرْكُوزَةٌ في الفُلْكِ الثّامِنِ والقَرِيبَةُ مِنَ القُطْبَيْنِ مَرْكَوَزَةٌ في كُرَةٍ أُخْرى تَحْتَ كُرَةِ القَمَرِ عَلى أنَّهُ لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: الكَواكِبُ تَتَحَرَّكُ بِأنْفُسِها مِن غَيْرِ أنْ تَكُونَ مَرْكُوزَةً في جِسْمٍ آخَرَ ودُونَ إثْباتِ الِامْتِناعِ خَرْطَ القَتادِ
وذَكَرُوا في اسْتِفادَةِ نُورِ القَمَرِ مِن ضَوْءِ الشَّمْسِ أنَّهُ مِنَ الحَدَسِيّاتِ لِاخْتِلافِ أشْكالِهِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ وبُعْدِهِ مِنها وذَلِكَ كَما قالَ ابْنُ الهَيْثَمِ لا يُفِيدُ الجَزْمَ بِالِاسْتِفادَةِ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ القَمَرُ كُرَةٌ نِصْفُها مُضِيءٌ ونِصْفُها مُظْلِمٌ ويَتَحَرَّكُ عَلى نَفْسِهِ فَيَرى هِلالًا ثُمَّ بَدْرًا ثُمَّ يَنْمَحِقُ وهَكَذا دائِمًا ومَقْصُودُهُ أنَّهُ لا بُدَّ مِن ضَمِّ شَيْءٍ آخَرَ إلى اخْتِلافِ الأشْكالِ حَسَبَ القُرْبِ والبُعْدِ لِيَدُلَّ عَلى المُدَّعِي وهو حُصُولُ الخُسُوفِ عِنْدَ تَوَسُّطِ الأرْضِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الشَّمْسِ وبَعْضُ المُحَقِّقِينَ كَصاحِبِ حِكْمَةِ العَيْنِ وصاحِبِ المَواقِفِ نَقَلُوا ما نَقَلُوا عَنِ ابْنِ الهَيْثَمِ ولَمْ يَقِفُوا عَلى مَقْصُودِهِ مِنهُ فَقالُوا: إنَّهُ ضَعِيفٌ وإلّا لَما انْخَسَفَ القَمَرُ في شَيْءٍ مِنَ الِاسْتِقْبالاتِ أصْلًا وذَلِكَ كَما قالَ العامِلِيُّ عَجِيبٌ مِنهم وأنْتَ تَعْلَمُ أنْ لا جَزْمَ أيْضًا وأنَّ ضَمَّ ما ضُمَّ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ سَبَبٌ آخَرُ لِاخْتِلافِ تِلْكَ الأشْكالِ النُّورِيَّةِ لَكُنّا لا نَعْلَمُهُ كَأنْ يَكُونَ كَوْكَبٌ كَمَدٌ تَحْتَ فَلَكِ القَمَرِ يَنْخَسِفُ بِهِ في بَعْضِ اسْتِقْبالاتِهِ
وإنْ طُعِنَ في ذَلِكَ بِأنَّهُ لَوْ كانَ لَرُئِيَ
قُلْنا: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الِاخْتِلافُ والخُسُوفُ مِن آثارِ إرادَةِ الفاعِلِ المُخْتارِ مِن دُونِ تَوَسُّطِ القُرْبِ والبُعْدِ مِنَ الشَّمْسِ وحَيْلُولَةِ الأرْضِ بَيْنَها وبَيْنَهُ بَلْ لَيْسَ هُناكَ إلّا تَوَسُّطُ الكافِ والنُّونِ وهو كافٍ عِنْدَ مَن سَلِمَتْ عَيْنُهُ مِنَ الغَيْنِ ولِلْمُتَشَرِّعِينَ مِنَ المُحْدَثِينَ وكَذا لِساداتِنا الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعالى أسْرارَهم كَلِماتٌ شَهِيرَةٌ في هَذا الشَّأْنِ ولَعَلَّكَ قَدْ وقَفْتَ عَلَيْها وإلّا فَسَتَقِفُ بَعْدُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى
وقَدِ اسْتَنَدُوا فِيما يَقُولُونَ إلى أخْبارٍ نَبَوِيَّةٍ وأرْصادٍ قَلْبِيَّةٍ وغالِبُ الأخْبارِ في ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ وما بَلَغَ مِنها آحادٌ ومَعَ هَذا قابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ بِما لا يُنافِي مَذْهَبَ الفَلاسِفَةِ والحَقُّ أنَّهُ لا جَزْمَ بِما يَقُولُونَهُ في تَرْتِيبِ الأجْرامِ العُلْوِيَّةِ وما يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ وأنَّ القَوْلَ بِهِ مِمّا لا يَضُرُّ بِالدِّينِ إلّا إذا صادَمَ ما عُلِمَ مَجِيئُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ (هَذا) وسُمِّيَ القَمَرُ قَمَرًا لِبَياضِهِ كَما قالَ الجَوْهَرِيُّ واعْتَبَرَ هو وغَيْرُهُ كَوْنَهُ قَمَرًا بَعْدَ ثَلاثٍ
﴿وقَدَّرَهُ﴾ أيْ قَدَّرَ لَهُ وهَيَّأ ﴿مَنازِلَ﴾ أوْ قَدَّرَ مَسِيرَهُ في مَنازِلَ فَمَنازِلُ عَلى الأوَّلِ مَفْعُولٌ بِهِ وعَلى الثّانِي نُصِبَ عَلى الظَّرْفِيَّةِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ قَدَّرَ بِمَعْنى جَعَلَ المُتَعَدِّيَ لِواحِدٍ و(مَنازِلَ) حالٌ مِن مَفْعُولِهِ أيْ جَعَلَهُ وخَلَقَهُ مُتَنَقِّلًا وأنْ يَكُونَ بِمَعْنى جَعَلَ المُتَعَدِّيَ لِاثْنَيْنِ أيْ صَيَّرَهُ ذا مَنازِلَ وأيًّا ما كانَ فالضَّمِيرُ لِلْقَمَرِ وتَخْصِيصُهُ بِهَذا التَّقْدِيرِ لِسُرْعَةِ سَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلى الشَّمْسِ ولِأنَّ مَنازِلَهُ مَعْلُومَةٌ مَحْسُوسَةٌ ولِكَوْنِهِ عُمْدَةً في تَوارِيخِ العَرَبِ ولِأنَّ أحْكامَ الشَّرْعِ مَنُوطَةٌ بِهِ في الأكْثَرِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لَهُ ولِلشَّمْسِ بِتَأْوِيلِ كُلٍّ مِنهُما والمَنازِلُ ثَمانِيَةٌ وعِشْرُونَ وهي الشَّرَطانُ والبُطَيْنُ والثُّرَيّا والدَّبَرانُ والهُقَعَةُ والهُنَعَةُ والذِّراعُ والنُّثَرَةُ والطَّرَفُ والجَبْهَةُ والزُّبَرَةُ والصُّرَفَةُ (p-70)والعُواءُ والسِّماكُ الأعْزَلُ والعُفَرَةُ والزَّبانى والإكْلِيلُ والقَلْبُ والشُّوَلَةُ والنَّعائِمُ والبَلْدَةُ وسَعْدُ الذّابِحِ وسَعْدُ بَلْعَ وسَعْدُ السُّعُودِ وسَعْدُ الأخْبِيَةِ وفَرْغُ الدَّلْوِ المُقَدَّمُ والفَرْغُ المُؤَخَّرُ وبَطْنُ الحُوتِ وهي مُقَسَّمَةٌ عَلى البُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشْرَ المَشْهُورَةِ فَيَكُونُ لِكُلِّ بُرْجٍ مَنزِلانِ وثُلُثٌ والبُرْجُ عِنْدَهم ثَلاثُونَ دَرَجَةً حاصِلَةً مِن قِسْمَةِ ثَلاثِمِائَةٍ وسِتِّينَ أجْزاءَ دائِرَةِ البُرُوجِ عَلى اثْنَيْ عَشَرَ والدَّرَجَةُ عِنْدَهم مُنْقَسِمَةٌ بِسِتِّينَ دَقِيقَةً وهي مُنْقَسِمَةٌ بِسِتِّينَ ثانِيَةً وهي مُنْقَسِمَةٌ بِسِتِّينَ ثالِثَةً وهَكَذا إلى الرَّوابِعِ والخَوامِسِ والسَّوادِسِ وغَيْرِها ويَقْطَعُ القَمَرُ بِحَرَكَتِهِ الخاصَّةِ في كُلِّ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ دَرَجَةً وثَلاثَ دَقائِقَ وثَلاثًا وخَمْسِينَ ثانِيَةً وسِتًّا وخَمْسِينَ ثالِثَةً وتَسْمِيَةُ ما ذَكَرْنا مَنازِلَ مَجازٌ لِأنَّهُ عِبارَةٌ عَنْ كَواكِبَ مَخْصُوصَةٍ مِنَ الثَّوابِتِ قَرِيبَةٌ مِنَ المِنطَقَةِ والمَنزِلَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِلْقَمَرِ الفَراغُ الَّذِي يَشْغَلُهُ جِرْمُ القَمَرِ عَلى أحَدِ الأقْوالِ في المَكانِ فَمَعْنى نُزُولِ القَمَرِ في هاتِيكَ المَنازِلِ مُسامَتَتُهُ إيّاها وكَذا تُعْتَبَرُ المُسامَتَةُ في نُزُولِهِ في البُرُوجِ لِأنَّها مَفْرُوضَةٌ أوَّلًا في الفَلَكِ الأعْظَمِ وأمّا تَسْمِيَةُ نَحْوِ الحَمَلِ والثَّوْرِ والجَوْزَةِ بِذَلِكَ فَبِاعْتِبارِ المُسامَتَةِ أيْضًا
وكانَ أوَّلُ المَنازِلِ الشَّرَطِينَ ويُقالُ لَهُ النَّطْحُ وهو لِأوَّلِ الحَمَلِ ثُمَّ تَحَرَّكَتْ حَتّى صارَ أوَّلُها عَلى ما حَرَّرَهُ المُحَقِّقُونَ مِنَ المُتَأخِّرِينَ الفَرْغَ المُؤَخَّرَ ولا يَثْبُتُ عَلى ذَلِكَ لِلثَّوابِتِ حَرَكَةً عَلى التَّوالِي عَلى الصَّحِيحِ وإنْ كانَتْ بَطِيئَةً وهي حَرَكَةُ فَلَكِها ومُثْبِتُو ذَلِكَ اخْتَلَفُوا في مِقْدارِ المُدَّةِ الَّتِي يَقْطَعُ بِها جُزْأً واحِدًا مِن دَرَجاتِ مِنطَقَتِهِ فَقِيلَ هي سِتٌّ وسِتُّونَ سَنَةً شَمْسِيَّةً أوْ ثَمانٍ وسِتُّونَ سَنَةً قَمَرِيَّةً وذَهَبَ ابْنُ الأعْلَمِ إلى أنَّها سَبْعُونَ سَنَةً شَمْسِيَّةً وطابَقَهُ الرَّصْدُ الجَدِيدُ الَّذِي تَوَلّاهُ نُصَيْرٌ الطُّوسِيُّ بِمَراغَةَ وزَعَمَ مُحْيِي الدِّينِ أحَدُ أصْحابِهِ أنَّهُ تَوَلّى رَصْدَ عِدَّةٍ مِنَ الثَّوابِتِ كَعَيْنِ الثَّوْرِ وقَلْبِ العَقْرَبِ بِذَلِكَ الرَّصْدِ فَوَجَدَها تَتَحَرَّكُ في كُلِّ سِتٍّ وسِتِّينَ سَنَةً شَمْسِيَّةً دَرَجَةً واحِدَةً وادَّعى بَطْلَيْمُوسُ أنَّهُ وجَدَ الثَّوابِتَ القَرِيبَةَ إلى المِنطَقَةِ مُتَحَرِّكَةً في كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ دَرَجَةً واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقائِقِ الأحْوالِ وهو المُتَصَرِّفُ في مُلْكِهِ ومَلَكُوتِهِ حَسْبَما يَشاءُ ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ﴾ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِها غَرَضٌ عِلْمِيٌّ لِإقامَةِ مَصالِحِكُمُ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ ﴿والحِسابَ﴾ أيْ ولِتَعْلَمُوا الحِسابَ بِالأوْقاتِ مِنَ الأشْهُرِ والأيّامِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا نِيطَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ المَصالِحِ المَذْكُورَةِ واللّامُ عَلى ما يُفْهَمُ مِن أمالِيِّ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَدَّرَ واسْتَشْكَلَ هو ذَلِكَ بِأنَّ عِلْمَ العَدَدِ والحِسابِ لا يَفْتَقِرُ لِكَوْنِ القَمَرِ مُقَدَّرًا بِالمَنازِلِ بَلْ طُلُوعُهُ وغُرُوبُهُ كافٍ وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ صَلاحُ الثِّمارِ بِوُقُوعِ شُعاعِ القَمَرِ عَلَيْها وُقُوعًا تَدْرِيجِيًّا وكَوْنُهُ أدَلَّ عَلى وُجُودِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى إذْ كَثْرَةُ اخْتِلافِ أحْوالِ المُمْكِنِ وزِيادَةِ تَفاوُتِ أوْصافِهِ أدْعى إلى احْتِياجِهِ إلى صانِعٍ حَكِيمٍ واجِبٍ بِالذّاتِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَعْرِفُهُ الواقِفُونَ عَلى الأسْرارِ وأجابَ مَوْلانا سَرِيِّ الدِّينِ بِأنَّ المُرادَ مِنَ الحِسابِ حِسابُ الأوْقاتِ بِمَعْرِفَةِ الماضِي مِنَ الشَّهْرِ والباقِي مِنهُ وكَذا مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ قالَ: وهَذا إذا عُلِّقَتِ اللّامُ بِقَدَّرَهُ مَنازِلَ فَإنَّ عَلَّقْتَهُ بِجَعَلَ الشَّمْسَ والقَمَرَ لَمْ يَرِدِ السُّؤالُ
ولَعَلَّ الأُولى عَلى هَذا أنْ يُحْمَلَ ﴿السِّنِينَ﴾ عَلى ما يَعُمُّ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةَ والقَمَرِيَّةَ وإنْ كانَ المُعْتَبَرُ في التّارِيخِ العَرَبِيِّ الإسْلامِيِّ السَّنَةَ القَمَرِيَّةَ والتَّفاوُتَ بَيْنَ السَّنَتَيْنِ عَشَرَةَ أيّامٍ وإحْدى عَشْرَةَ ساعَةً ودَقِيقَةً واحِدَةً فَإنَّ السَّنَةَ الأُولى عِبارَةٌ عَنْ ثَلاثِمِائَةٍ وخَمْسَةٍ وسِتِّينَ يَوْمًا وخَمْسَ ساعاتٍ وتِسْعٍ وأرْبَعِينَ دَقِيقَةً عَلى مُقْتَضى الرَّصْدِ الأبْلَخانِيِّ والسَّنَةُ الثّانِيَةُ عِبارَةٌ عَنْ ثَلاثِمِائَةٍ وأرْبَعَةٍ وخَمْسِينَ يَوْمًا وثَمانِي ساعاتٍ وثَمانٍ وأرْبَعِينَ دَقِيقَةً، ويَنْقَسِمُ (p-71)كُلٌّ مِنهُما إلى بَسِيطَةٍ وكَبِيسَةٍ وبَيانُ ذَلِكَ في مَحَلِّهِ وتَخْصِيصُ العَدَدِ بِالسِّنِينَ والحِسابَ بِالأوْقاتِ لِما أنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ في السِّنِينَ المَعْدُودَةِ مَعْنى مُغايِرٌ لِمَراتِبِ الأعْدادِ كَما اعْتُبِرَ في الأوْقاتِ المَحْسُوبَةِ وتَحْقِيقُهُ أنَّ الحِسابَ إحْصاءُ ما لَهُ كَمِّيَّةٌ انْفِصالِيَّةٌ بِتَكْرِيرِ أمْثالِهِ مِن حَيْثُ يَتَحَصَّلُ بِطائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنها عَدَدٌ مُعَيَّنٌ لَهُ اسْمٌ خاصٌّ وحُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ كالسَّنَةِ المُتَحَصِّلَةِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا قَدْ تَحَصَّلَ كُلٌّ مِن ذَلِكَ مِن أيّامٍ مَعْلُومَةٍ قَدْ تَحَصَّلَ كُلٌّ مِنها مِن ساعاتٍ كَذَلِكَ والعَدُّ مُجَرَّدُ إحْصائِهِ بِتَكْرِيرِ أمْثالِهِ مِن غَيْرِ اعْتِبارِ أنْ يَتَحَصَّلَ بِذَلِكَ شَيْءٌ كَذَلِكَ ولَمّا لَمْ يُعْتَبَرْ في السِّنِينَ المَعْدُودَةِ تَحْصِيلُ حَدٍّ مُعَيَّنٍ لَهُ اسْمٌ خاصٌّ غَيْرُ أسامِيِّ مَراتِبِ الأعْدادِ وحُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ أُضِيفَ إلَيْها العَدَدُ وتَحَصُّلُ مَراتِبُ الأعْدادِ مِنَ العَشَراتِ والمِئاتِ والأُلُوفِ اعْتِبارِيٌّ لا يُجْدِي في تَحْصِيلِ المَعْدُودِ نَفْعًا وحَيْثُ اعْتُبِرَ في الأوْقاتِ المَحْسُوبَةِ تَحْصِيلُ ما ذُكِرَ مِنَ المَراتِبِ الَّتِي لَها أسامٍ خاصَّةٌ وأحْكامٌ مُسْتَقِلَّةٌ عُلِّقَ بِها الحِسابُ المُنْبِئَ عَنْ ذَلِكَ والسَّنَةُ مِن حَيْثُ تَحَقَّقِها في نَفْسِها مِمّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الحِسابُ وإنَّما الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ العَدُّ طائِفَةً مِنها وتَعَلُّقُهُ في ضِمْنِ ذَلِكَ بِكُلِّ واحِدَةٍ مِن تِلْكَ الطّائِفَةِ لَيْسَ مِن تِلْكَ الحَيْثِيَّةِ المَذْكُورَةِ أعْنِي حَيْثِيَّةَ تَحَصُّلِها مِن عِدَّةِ أشْهُرٍ قَدْ تَحَصَّلَ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِن عِدَّةِ أيّامٍ قَدْ حَصَلَ كُلٌّ مِنها مِن عِدَّةِ ساعاتٍ فَإنَّ ذَلِكَ وظِيفَةُ الحِسابِ بَلْ مِن حَيْثُ إنَّها فَرْدٌ مِن تِلْكَ الطّائِفَةِ المَعْدُودَةِ مِن غَيْرِ أنْ يُعْتَبَرَ مَعَها شَيْءٌ غَيْرَ ذَلِكَ
وتَقْدِيمُ العَدَدِ عَلى الحِسابِ مَعَ أنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ مُتَعَلِّقِيهِما وُجُودًا وعِلْمًا عَلى العَكْسِ لِأنَّ العِلْمَ المُتَعَلِّقَ بِعَدَدِ السِّنِينَ لَهُ عِلْمٌ إجْمالِيٌّ بِما تَعَلَّقَ بِهِ الحِسابُ تَفْصِيلًا وإنْ لَمْ تَتَّحِدِ الجِهَةُ أوْ لِأنَّ العَدَدَ مِن حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ تَحْصِيلُ أمْرٍ آخَرَ حَسْبَما حَقَّقَ آنِفًا نازِلٌ مِنَ الحِسابِ الَّذِي اعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ مَنزِلَةَ البَسِيطِ مِنَ المُرَكَّبِ قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ
﴿ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ﴾ أيْ ما ذَكَرَ مِنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ عَلى ما حَكى سُبْحانَهُ مِنَ الأحْوالِ ﴿إلا بِالحَقِّ﴾ اسْتِثْناءٌ مِن أعَمِّ أحْوالِ الفاعِلِ والمَفْعُولِ والباءُ لِلْمُلابَسَةِ أيْ ما خَلَقَ ذَلِكَ مُلْتَبِسًا بِشَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ إلّا مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ مُراعِيًا فِيهِ الحِكْمَةَ والمَصْلَحَةَ أوْ مُراعًى فِيهِ ذَلِكَ فالمُرادُ بِالحَقِّ هُنا خِلافُ الباطِلِ والعَبَثِ ﴿يُفَصِّلُ الآياتِ﴾ أيِ الآياتِ التَّكْوِينِيَّةَ المَذْكُورَةَ أوِ الأعَمَّ مِنها ويَدْخُلُ المَذْكُورُ دُخُولًا أوَّلِيًّا أوْ نُفَصِّلُ الآياتِ التَّنْزِيلِيَّةَ المُنَبِّهَةَ عَلى ذَلِكَ وقُرِئَ (نُفَصِّلُ) بِنُونِ العَظَمَةِ وفِيهِ التِفاتٌ ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 5﴾ الحِكْمَةَ في إبْداعِ الكائِناتِ فَيَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلى شُؤُونِ مُبْدِعِها جَلَّ وعَلا أوْ يَعْلَمُونَ ما في تَضاعِيفِ الآياتِ المُنَزَّلَةِ فَيُؤْمِنُونَ بِها
وتَخْصِيصُ التَّفْصِيلِ بِهِمْ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ لِأنَّهُمُ المُنْتَفِعُونَ بِهِ، والمُرادُ لِقَوْمٍ عُقَلاءَ مِن ذَوِي العِلْمِ فَيَعُمُّ مَن ذَكَرْنا وغَيْرَهُمْ
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِیَاۤءࣰ وَٱلۡقَمَرَ نُورࣰا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِینَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَ ٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ یُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











