الباحث القرآني

وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إلَيْهِ مَرْجِعُكم جَمِيعًا﴾ كالتَّعْلِيلِ لِوُجُوبِ العِبادَةِ والجارُّ والمَجْرُورُ خَبَرٌ مُتَقَدِّمٌ و﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وهو مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لا اسْمُ مَكانٍ خِلافًا لِمَن وهِمَ فِيهِ و﴿جَمِيعًا﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ لِكَوْنِهِ فاعِلًا في المَعْنى أيْ إلَيْهِ تَعالى رُجُوعُكم مُجْتَمِعِينَ لا إلى غَيْرِهِ سُبْحانَهُ بِالبَعْثِ ﴿وعْدَ اللَّهِ﴾ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ لِأنَّها وعْدٌ مِنهُ تَعالى بِالبَعْثِ وحَيْثُ كانَتْ لا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الوَعْدِ كانَ ذَلِكَ مِن أفْرادِ المَصْدَرِ المُؤَكِّدِ لِنَفْسِهِ عِنْدَهم كَما في قَوْلِكَ: لَهُ عَلَيَّ ألْفٌ عُرْفًا ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى المَصْدَرِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أيْ وعَدَ اللَّهُ وعْدًا وأيّا ما كانَ فَهو دَلِيلٌ عَلى أنَّ المُرادَ بِالرُّجُوعِ الرُّجُوعُ بِالبَعْثِ لِأنَّ ما بِالمَوْتِ بِمَعْزِلٍ عَنِ الوَعْدِ كَما أنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الِاجْتِماعِ فَما وقَعَ في بَعْضِ نُسَخِ القاضِي بِالمَوْتِ أوِ النُّشُورِ لَيْسَ عَلى ما يَنْبَغِي وقُرِئَ ﴿وعْدَ اللَّهِ﴾ بِصِيغَةِ الفِعْلِ ورَفْعِ الِاسْمِ الجَلِيلِ عَلى الفاعِلِيَّةِ ﴿حَقًّا﴾ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِما دَلَّ عَلَيْهِ الأوَّلُ وهو مِن قِسْمِ المُؤَكِّدِ لِغَيْرِهِ لِأنَّ الأوَّلَ لَيْسَ نَصًّا فِيهِ فَإنَّ الوَعْدَ يَحْتَمِلُ الحَقِّيَّةَ والتَّخَلُّفَ وقِيلَ: إنَّهُ مَنصُوبٌ بِوَعَدَ عَلى تَقْدِيرِ - في - وتَشْبِيهُهُ بِالظَّرْفِ كَقَوْلِهِ: أفِي الحَقِّ أنِّي هائِمٌ بِكِ مُغْرَمٌ والأوَّلُ أظْهَرُ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ كالتَّعْلِيلِ لِما أفادَهُ ﴿إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ فَإنَّ غايَةَ البَدْءِ والإعادَةِ هو الجَزاءُ بِما يَلِيقُ وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ والأعْمَشُ (أنَّهُ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى تَقْدِيرِ لِأنَّهُ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِمِثْلِ ما نَصَبَ (وعْدَ) أيْ وعَدَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بَدْءَ الخَلْقِ ثُمَّ إعادَتَهُ أيْ إعادَتَهُ بَعْدَ بَدْئِهِ ويَكُونُ الوَعْدُ واقِعًا عَلى المَجْمُوعِ لَكِنْ بِاعْتِبارِ الجُزْءِ الأخِيرِ لِأنَّ البَدْءَ لَيْسَ مَوْعُودًا وأنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِمِثْلِ ما نَصَبَ حَقًّا أيْ حَقَّ بَدْءُ الخَلْقِ ثُمَّ إعادَتُهُ نَظِيرُ قَوْلِ الحَماسِيِّ: ؎أحَقًّا عِبادَ اللَّهِ أنْ لَسْتُ رائِيًا رِفاعَةَ طُولَ الدَّهْرِ إلّا تَوَهُّمًا وعَنِ المَرْزُوقِيِّ أنَّهُ خَرَّجَهُ عَلى النَّصْبِ عَلى الظَّرْفِيَّةِ وهو إمّا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ أوْ ظَرْفٌ مُعْتَمَدٌ وزُعِمَ أنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ النَّصْبُ بِوَعْدَ اللَّهِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ والرَّفْعُ بِحَقًّا عَلى أنَّهُ فاعِلٌ لَهُ وظاهِرُ كَلامِ الكَشّافِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الفِعْلَيْنِ العامِلَيْنِ في المَصْدَرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ هُما اللَّذانِ يَعْمَلانِ فِيما ذُكِرَ لا فِعْلانِ آخَرانِ مِثْلُهُما وحِينَئِذٍ يَفُوتُ أمْرُ التَّأْكِيدِ الَّذِي ذَكَرْناهُ لِأنَّ فاعِلَ العامِلِ بِالمَصْدَرِ المُؤَكَّدِ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ عائِدًا عَلى ما تَقَدَّمَهُ مِمّا أكَّدَهُ وقُرِئَ (حَقٌّ أنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ) وهو كَقَوْلِكَ: حَقٌّ أنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ وقُرِئَ (يُبْدِئُ) مِن أبْدَأ ولَعَلَّ المُرادَ مِنَ الخَلْقِ نَحْوَ المُكَلَّفِينَ لا ما يَعُمُّ ذَلِكَ والجَماداتِ ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ غَيْرُ واحِدٍ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّ مَعْنى الآيَةِ يُحْيِي الخَلْقَ ثُمَّ يُمِيتُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالقِسْطِ﴾ أيْ بِالعَدْلِ وهو حالٌ مِن فاعِلِ (يَجْزِي) أيْ مُتَلَبِّسًا بِالعَدْلِ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِيَجْزِي أيْ لِيَجْزِيَهم بِقِسْطِهِ ويُوَفِّيَهم (p-67)أُجُورَهم وإنَّما أجْمَلَ ذَلِكَ إيذانًا بِأنَّهُ لا يَفِي بِهِ الحَصْرُ، ويُرَشِّحُ ذَلِكَ جَعْلَ ذاتِهِ الكَرِيمَةِ هي المُجازِيَةَ أوْ بِقِسْطِهِمْ وعَدْلِهِمْ في أُمُورِهِمْ أوْ بِإيمانِهِمْ؛ ورُجِّحَ هَذا بِأنَّهُ أوْفَقُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ وعَذابٌ ألِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ 4﴾ فَإنَّ مَعْناهُ ويَجْزِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِشَرابٍ مِن ماءٍ حارٍّ وقَدِ انْتَهى حَرُّهُ وعَذابٍ ألِيمٍ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ فَيَظْهَرُ التَّقابُلُ بَيْنَ سَبَبَيْ جَزاءِ المُؤْمِنِينَ وجَزاءِ الكافِرِينَ مَعَ أنَّهُ لا وجْهَ لِتَخْصِيصِ العَدْلِ بِجَزاءِ المُؤْمِنِينَ بَلْ جَزاءُ الآخِرِينَ أوْلى بِهِ كَما لا يَخْفى وتَكْرِيرُ الإسْنادِ بِجَعْلِ الجُمْلَةِ الظَّرْفِيَّةِ خَبَرًا لِلْمَوْصُولِ لِتَقْوِيَةِ الحُكْمِ، والجَمْعُ بَيْنَ صِيغَتَيِ الماضِي والمُضارِعِ لِلدَّلالَةِ عَلى مُواظَبَتِهِمْ عَلى الكُفْرِ وتَغْيِيرُ النَّظْمِ الكَرِيمِ لِلْمُبالَغَةِ في اسْتِحْقاقِهِمُ العِقابَ بِجَعْلِهِ حَقًّا مُقَرَّرًا لَهم والإيذانِ بِأنَّ التَّعْذِيبَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الِانْتِظامِ في سِلْكِ العِلَّةِ الغائِيَّةِ لِلْإعادَةِ بِناءً عَلى تَعَلُّقٍ لِيَجْزِيَ بِها أوَّلَها ولِلْبَدْءِ بِناءً عَلى تَعَلُّقِهِ بِهِما عَلى التَّنازُعِ وإنَّما المُنْتَظِمُ في ذَلِكَ السِّلْكِ هو الإثابَةُ فَهي المَقْصُودَةُ بِالذّاتِ والعِقابُ واقِعٌ بِالعَرَضِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب