الباحث القرآني

﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا﴾ أيِ العَمَلَ بِأنْ فَعَلُوا المَأْمُورَ بِهِ واجْتَنَبُوا المَنهِيَّ عَنْهُ وفَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الإحْسانَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ تَعالى كَأنَّكَ تَراهُ فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإنَّهُ يَراكَ» . ﴿الحُسْنى﴾ أيِ المَنزِلَةُ الحُسْنى وهي الجَنَّةُ ﴿وزِيادَةٌ﴾ وهي النَّظَرُ إلى وجْهِ رَبِّهِمُ الكَرِيمِ جَلَّ جَلالُهُ وهو التَّفْسِيرُ المَأْثُورُ عَنْ أبِي بَكْرٍ وعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وابْنِ عَبّاسٍ وحُذَيْفَةَ وابْنِ مَسْعُودٍ وأبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ وخَلْقٍ آخَرِينَ ورُوِيَ مَرْفُوعًا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِن طُرُقٍ شَتّى وقَدْ أخْرَجَ الطَّيالِسِيُّ وأحْمَدُ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ (p-103)وابْنُ خُزَيْمَةَ وابْنُ حَيّانَ وأبُو الشَّيْخِ والدّارَقُطْنِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنْ صُهَيْبٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا﴾ إلَخْ فَقالَ: إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وأهْلُ النّارِ النّارَ نادى مُنادٍ: يا أهْلَ الجَنَّةِ إنَّ لَكم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى مَوْعِدًا يُرِيدُ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ فَيَقُولُونَ: وما هُوَ؟ ألَمْ يُثَقِّلْ مَوازِينَنا ويُبَيِّضْ وُجُوهَنا ويُدْخِلْنا الجَنَّةَ ويُزَحْزِحْنا عَنِ النّارِ؟ قالَ: فَيُكْشَفُ لَهُمُ الحِجابُ فَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ فَواللَّهِ ما أعْطاهُمُ اللَّهُ تَعالى شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِ ولا أقَرَّ لِأعْيُنِهِمْ» فَحِكايَةُ هَذا التَّفْسِيرِ بِقِيلَ: كَما فَعَلَ البَيْضاوِيُّ عَفا اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مِمّا لا يَنْبَغِي وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ عامَلَهُ اللَّهُ تَعالى بِعَدْلِهِ: إنَّ الحَدِيثَ مَرْقُوعٌ بِالقافِ أيْ مُفْتَرًى لا يَصْدُرُ إلّا عَنْ رَقِيعٍ فَإنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلى صِحَّتِهِ وقَدْ أخْرَجَهُ حُفّاظٌ لَيْسَ فِيهِمْ ما يُقالُ نَعَمْ جاءَ في تَفْسِيرِ ذَلِكَ غَيْرُ ما ذُكِرَ لَكِنْ لَيْسَ في هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الصِّحَّةِ ولا رَفَعَ فِيهِ صَرِيحًا فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: الزِّيادَةُ المَغْفِرَةُ والرِّضْوانُ وأخْرَجَ عَنِ الحَسَنِ أنَّها تَضْعِيفُ الحَسَنَةِ بِعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وأخْرَجَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّها أنْ لا يُحاسِبَهم عَلى ما أعْطاهم في الدُّنْيا وأخْرَجَ عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنَّها غُرْفَةٌ مِن لُؤْلُؤَةٍ واحِدَةٍ لَها أرْبَعَةُ أبْوابٍ وتَعَقَّبَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ بِأنَّهُ لا يَصِحُّ وقِيلَ: الزِّيادَةُ أنْ تَمُرَّ السَّحابَةُ بِهِمْ فَتَقُولُ: ما تُرِيدُونَ أنا أُمْطِرُكم فَلا يُرِيدُونَ شَيْئًا إلّا أمْطَرَتْهُمْ وجَمَعَ بَعْضُهم بَيْنَ الرِّواياتِ بِأنَّهُ لا مانِعَ مِن أنْ يَمُنَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ بِكُلِّ ما ذُكِرَ ويُصَدِّقُ عَلَيْهِ أنَّهُ زِيادَةٌ عَلى ما مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الجَنَّةِ وأُيِّدَ ذَلِكَ بِما أخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيانَ أنَّهُ قالَ: لَيْسَ في تَفْسِيرِ القُرْآنِ اخْتِلافٌ إنَّما هو كَلامٌ جامِعٌ يُرادُ بِهِ هَذا وهَذا والَّذِي حَمَلَ الزَّمَخْشَرِيَّ عَلى عَدَمِ الِاعْتِمادِ عَلى الرِّواياتِ النّاطِقَةِ بِحَمْلِ الزِّيادَةِ عَلى رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعالى زَعْمُهُ الفاسِدُ كَأصْحابِهِ أنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُرى وقَدْ عَلِمْتَ مَنشَأ ذَلِكَ الزَّعْمِ وقَدْ رَدَّهُ أهْلُ السُّنَّةِ بِوُجُوهٍ ﴿ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ﴾ أيْ لا يَغْشاها غَبَرَةٌ ما فِيها سَوادٌ ولا أثَرُ هَوانٍ ما وكُسُوفُ بالٍ والمَعْنى لا يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ ما يَعْرِضُ لِأهْلِ النّارِ أوْ لا يَعْرِضُ لَهم ما يُوجِبُ ذَلِكَ مِنَ الحُزْنِ وسُوءِ الحالِ والكَلامُ عَلى الأوَّلِ حَقِيقَةٌ وعَلى الثّانِي كِنايَةٌ لِأنَّ عَدَمَ غَشَيانِ ذَلِكَ لازِمٌ لِعَدَمِ غَشَيانِ ما يُوجِبُهُما فَذَكَرَ اللّازِمَ لِيَنْتَقِلَ مِنهُ إلى المَلْزُومِ ورَجَّحَ هَذا بِأنَّهُ أمْدَحُ والمَقْصُودُ بَيانُ خُلُوصِ نَعِيمِهِمْ مِن شَوائِبِ المَكارِهِ إثْرَ بَيانِ ما مَنَّ سُبْحانَهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّعِيمِ وقِيلَ: إنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ لِتَذْكِيرِهِمْ بِما يُنْقِذُهم مِنهُ فَإنَّهم إذا ذَكَرُوا ذَلِكَ زادَ ابْتِهاجُهم ومَسَرَّتُهم كَما أنَّ أهْلَ النّارِ إذا ذَكَرُوا ما فاتَهم مِنَ النَّعِيمِ ازْدادَ غَمُّهم وحَسْرَتُهم وقِيلَ: الغَرَضُ إدْخالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ بِتَذْكِيرِ حالِ أعْدائِهِمْ أهْلِ النّارِ فَإنَّ الإنْسانَ مَتى عَلِمَ أنَّ عَدُوَّهُ في الهَوانِ وسُوءِ الحالِ ازْدادَ سُرُورًا وقَدْ شاهَدْنا مَن يَكْتَفِي بِمَضَرَّةِ عَدُوِّهِ عَنْ حُصُولِ المَنفَعَةِ لَهُ بَلْ مَن يَسُرُّهُ ضَرَرُ عَدُّوِهِ وإنْ تَضَرَّرَ هو وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ عَلى الفاعِلِ لِلِاهْتِمامِ بِبَيانِ أنَّ المَصُونَ مِنَ الرَّهَقِ أشْرَفُ أعْضائِهِمْ ولِلتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ ولِأنَّ في الفاعِلِ ضَرْبُ تَفْصِيلٍ ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ المَذْكُورُونَ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِمْ بِما تَقَدَّمَ ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ 26﴾ دائِمُونَ بِلا زَوالٍ ويَلْزَمُ ذَلِكَ عَدَمُ زَوالِ نَعِيمِها
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب