الباحث القرآني

﴿ويَقُولُونَ﴾ حِكايَةً لِجِنايَةٍ أُخْرى لَهم وفي الكَشّافِ تَفْسِيرُ المُضارِعِ بِالماضِي أيْ وقالُوا وجَعَلَ ذَلِكَ إشارَةً إلى أنَّ العَطْفَ لَيْسَ عَلى ﴿ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا﴾ كَما يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ اللَّفْظِ وإنَّما هو عَلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذا﴾ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ وأوْثَرَ المُضارِعَ عَلى الماضِي لِيُؤْذَنَ بِاسْتِمْرارِ هَذِهِ المَقالَةِ وأنَّها مِن دَأْبِهِمْ وعادَتِهِمْ مَعَ ما في ذَلِكَ مِنِ اسْتِحْضارِ صُورَتِها الشَّنِيعَةِ وجُوِّزَ العَطْفُ عَلى (يَعْبُدُونَ) وهو الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ وأبْقى بَعْضُهُمُ الفِعْلَ عَلى ظاهِرِهِ ولَهُ وجْهٌ والقائِلُ كَفّارُ مَكَّةَ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ أرادُوا آيَةً مِنَ الآياتِ الَّتِي اقْتَرَحُوها كَآيَةِ مُوسى وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ ومَعْنى إنْزالِها عَلَيْهِ إظْهارُ اللَّهِ تَعالى لَها عَلى يَدِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وطَلَبُوا ذَلِكَ تَعَنُّتًا وعِنادًا وإلّا فَقَدْ أتى صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِآياتٍ ظاهِرَةٍ ومُعْجِزاتٍ باهِرَةٍ تَعْلُو عَلى جَمِيعِ الآياتِ وتَفُوقُ سائِرَ المُعْجِزاتِ لا سِيَّما القُرْآنَ العَظِيمَ الباقِيَ إعْجازُهُ عَلى وجْهِ الدَّهْرِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ولَعَمْرِي لَوْ أنْصَفُوا لاسْتَغْنَوْا عَنْ كُلِّ آيَةٍ غَيْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَإنَّهُ الآيَةُ الكُبْرى ومَن رَآهُ وسَبَرَ أحْوالَهُ لَمْ يَكَدْ يَشُكُّ في أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿فَقُلْ﴾ لَهم في الجَوابِ ﴿إنَّما الغَيْبُ لِلَّهِ فانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ 20﴾ وهو جَوابٌ عَلى ما قَرَّرَهُ الطِّيبِيُّ عَلى الأُسْلُوبِ الحَكِيمِ فَإنَّهم حِينَ طَلَبُوا ما طَلَبُوا مَعَ وُجُودِ الآياتِ المُتَكاثِرَةِ دَلَّ عَلى أنَّ سُؤالَهم لِلتَّعَنُّتِ كَما عَلِمْتَ آنِفًا فَأجِيبُوا بِما أُجِيبُوا لِيُؤْذَنَ بِأنَّ سُؤالَهم سُؤالُ المُقْتَرِحِينَ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ نِقْمَةَ اللَّهِ تَعالى وحُلُولَ عِقابِهِ ويَعْنِي أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يَسْتَأْصِلَ شَأْفَتَكم لَكِنْ لا أعْلَمُ مَتى يَكُونُ وأنْتُمْ كَذَلِكَ لِأنَّ ذَلِكَ مِنَ الغَيْبِ وهو مُخْتَصٌّ بِهِ تَعالى لا يَعْلَمُهُ أحَدٌ غَيْرُهُ جَلَّ شَأْنُهُ وإذا كانَ كَذَلِكَ فانْتَظِرُوا ما يُوجِبُهُ اقْتِراحُكم إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ إيّاهُ وقِيلَ: إنَّ المُرادَ أنَّهُ تَعالى هو المُخْتَصُّ بِعِلْمِ الغَيْبِ والصّارِفُ عَنْ إنْزالِ الآياتِ المُقْتَرَحَةِ أمْرٌ مَغِيبٌ فَلا يَعْلَمُهُ إلّا هو واعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأنَّهُ مُعَيَّنٌ وهو عِنادُهم قالَ تَعالى: ﴿وما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ . (p-93)وأُجِيبُ بِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ عِنادَهم هو الصّارِفُ وقَدْ يُجابُ المُعانِدُ والآيَةُ وإنْ دَلَّتْ عَلى بَقائِهِمْ عَلى العِنادِ وإنْ جاءَتْ لَمْ تَدُلَّ عَلى أنَّ العِنادَ هو الصّارِفُ واخْتارَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ ما اقْتَرَحْتُمُوهُ وزَعَمْتُمْ أنَّهُ مِن لَوازِمِ النُّبُوَّةِ وعَلَّقْتُمْ إيمانَكم بِنُزُولِهِ مِنَ الغُيُوبِ المُخْتَصَّةِ بِهِ سُبْحانَهُ لا وُقُوفَ لِي عَلَيْهِ فانْتَظِرُوا نُزُولَهُ إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ لِما يَفْعَلُ اللَّهُ تَعالى بِكم لِاجْتِرائِكم عَلى مَثَلِ هَذِهِ العَظِيمَةِ مِن جُحُودِ الآياتِ واقْتِراحِ غَيْرِها واعْتُرِضَ عَلى ما قِيلَ بِأنَّهُ يَأْباهُ تَرْتِيبُ الأمْرِ بِالِانْتِظارِ عَلى اخْتِصاصِ الغَيْبِ بِهِ تَعالى والَّذِي يَخْطِرُ بِالبالِ أنَّ سُؤالَ القَوْمِ قاتَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى مُتَضَمِّنٌ لِدَعْوى أنَّ الصَّلاحَ في إنْزالِ آيَةٍ مِمّا اقْتَرَحُوا حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرُوا ما نَزَلَ ولَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ فَكَأنَّهم قالُوا: لا صَلاحَ في نُزُولِ ما نَزَلْ وإنَّما الصَّلاحُ في إنْزالِ آيَةٍ مِمّا نَقْتَرِحُ فَلَوْلا نَزَلَتْ وفي ذَلِكَ دَعْوى الغَيْبِ بِلا رَيْبٍ فَأجِيبُوا بِأنَّ الغَيْبَ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ فَهو الَّذِي يَعْلَمُ ما بِهِ الصَّلاحُ لا أنْتُمْ ولا غَيْرُكم ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿فانْتَظِرُوا﴾ إلَخْ عَلى مَعْنى وإذا كانَ عِلْمُ الغَيْبِ مُخْتَصًّا بِاللَّهِ تَعالى وقَدِ ادَّعَيْتُمْ مِن ذَلِكَ ما ادَّعَيْتُمْ وطَعَنْتُمْ فِيما طَعَنْتُمْ فانْتَظِرُوا نُزُولَ العَذابِ بِكم إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظَرِينَ إيّاهُ ولا يُرَدُّ عَلى هَذا ما أوْرَدَ عَلى غَيْرِهِ ولا ما عَسى أنْ يُورِدَ أيْضًا فَتَأمَّلْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب