الباحث القرآني

قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ثُمَّ جَعَلْناكم خَلائِفَ في الأرْضِ مِن بَعْدِهِمْ﴾ فَإنَّهُ صَرِيحٌ في أنَّهُ ابْتِداءُ تَعُرُّضٍ لِأُمُورِهِمْ وأنَّ ما بُيِّنَ فِيهِ مَبادِئُ أحْوالِهِمْ لِاخْتِبارِ كَيْفِيَّةِ أعْمالِهِمْ عَلى وجْهٍ يُشْعِرُ بِاسْتِمالَتِهِمْ نَحْوَ الإيمانِ والطّاعَةِ فَمُحالٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ بَيانِ مُنْتَهى أمْرِهِمْ وخِطابِهِمْ بِبَتِّ القَوْلِ بِإهْلاكِهِمْ لِكَمالِ إجْرامِهِمْ والعَطْفُ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ أهْلَكْنا﴾ لا عَلى ما قَبْلَهُ والمَعْنى ثُمَّ اسْتَخْلَفْناكم في الأرْضِ بَعْدَ إهْلاكِ أُولَئِكَ القُرُونِ الَّتِي تَسْمَعُونَ أخْبارَها وتُشاهِدُونَ آثارَها (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْلَمُونَ 14) أيْ لِنَعْلَمَ أيَّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَ فَكَيْفَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِتَعْلَمُونِ، وقَدْ صَرَّحَ في المُغْنِي بِأنَّ كَيْفَ تَأْتِي كَذَلِكَ وأنَّ مِنهُ ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ ولَيْسَتْ مَعْمُولَةً ﴿لِنَنْظُرَ﴾ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ الصَّدارَةُ فَيُمْنَعُ ما قَبْلَهُ مِنَ العَمَلِ فِيهِ ولِذا لَزِمَ تَقْدِيمُهُ عَلى عامِلِهِ هُنا وقِيلَ: مَحَلُّها النَّصْبُ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ ﴿تَعْمَلُونَ﴾ كَما هو المَشْهُورُ فِيها إذا كانَ بَعْدَها فِعْلٌ نَحْوَ كَيْفَ ضَرَبَ زَيْدٌ أيْ عَلى أيِّ حالٍ تَعْمَلُونَ الأفْعالَ اللّائِقَةَ بِالِاسْتِخْلافِ مِن أوْصافِ الحُسْنِ وفِيهِ مِنَ المُبالَغَةِ في (p-83)الزَّجْرِ عَنِ الأعْمالِ السَّيِّئَةِ ما فِيهِ وقِيلَ: مَحَلُّها النَّصْبُ عَلى أنَّها مَفْعُولٌ بِهِ لِتَعْلَمُونِ أيْ أيَّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَ خَيْرًا أوْ شَرًّا وقَدْ صَرَّحُوا بِمَجِيئِها كَذَلِكَ أيْضًا وجَعَلُوا مِن ذَلِكَ نَحْوَ كَيْفَ ظَنَنْتَ زَيْدًا وبِما ذُكِرَ فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ الآيَةَ وتَعَقَّبَهُ القُطْبُ بِما تَعَقَّبَهُ ثُمَّ قالَ: ولَعَلَّهُ جَعَلَ كَيْفَ هَهُنا مَجازًا بِمَعْنى أيِّ شَيْءٍ لِدَلالَةِ المَقامِ عَلَيْهِ وذَكَرَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ التَّحْقِيقَ أنَّ مَعْنى كَيْفَ السُّؤالُ عَنِ الأحْوالِ والصِّفاتِ لا عَنِ الذَّواتِ وغَيْرِها فالسُّؤالُ هُنا عَنْ أحْوالِهِمْ وأعْمالِهِمْ ولا مَعْنى لِلسُّؤالِ عَنِ العَمَلِ إلّا عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا أوْ قَبِيحًا وخَيْرًا أوْ شَرًّا فَكَيْفَ لَيْسَتْ مَجازًا بَلْ هي عَلى حَقِيقَتِها ثُمَّ إنَّ اسْتِعْمالَ النَّظَرِ بِمَعْنى العِلْمِ مَجازٌ حَيْثُ شُبِّهَ بِنَظَرِ النّاظِرِ وعِيانِ المُعايِنِ في تَحَقُّقِهِ والكَلامُ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ مُرَتَّبَةٌ عَلى اسْتِعارَةٍ تَصْرِيحِيَّةٍ تَبَعِيَّةٍ والمُرادُ يُعامِلُكم مُعامَلَةَ مَن يَطْلُبُ العِلْمَ بِأعْمالِكم لِيُجازِيَكم بِحَسَبِها كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلا﴾ وقِيلَ: يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: المُرادُ بِالعِلْمِ المَعْلُومُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذا مَجازًا مُرَتَّبًا عَلى اسْتِعارَةٍ وأيًّا ما كانَ فَلا يَلْزَمُ أنْ لا يَكُونَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عالِمًا بِأعْمالِهِمْ قَبْلَ اسْتِخْلافِهِمْ ولَيْسَ مَبْنى تَفْسِيرِ النَّظَرِ بِالعِلْمِ عَلى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ كَما هو مَذْهَبُ بَعْضِ القَدَرِيَّةِ القائِلِينَ بِأنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لا يَرى ولا يَرى فَإنّا ولِلَّهِ تَعالى الحَمْدُ مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَرى ويُرى والشُّرُوطُ في الشّاهِدِ لَيْسَتْ عَقْلِيَّةً كَما حُقِّقَ في مَوْضِعِهِ وإنَّ الرُّؤْيَةَ صِفَةٌ مُغايِرَةٌ لِلْعِلْمِ وكَذا السَّمْعُ أيْضًا ومِمَّنْ يَقُولُ أيْضًا: إنَّ صُوَرَ الماهِيّاتِ الحادِثَةَ مَشْهُودَةٌ لِلَّهِ تَعالى أزَلًا في حالِ عَدَمِها في أنْفُسِها في مَرايا الماهِيّاتِ الثّابِتَةِ عِنْدَهُ جَلَّ شَأْنُهُ بَلْ هو مَبْنِيٌّ عَلى اقْتِضاءِ المَعْنى لَهُ فَإنَّكَ إذا قُلْتَ: أكْرَمْتُكَ لِأرى ما تَصْنَعُ. فَمَعْناهُ أكْرَمْتُكَ لِأخْتَبِرَكَ وأعْلَمَ صُنْعَكَ فَأُجازِيَكَ عَلَيْهِ ومِن هُنا يُعْلَمُ أنَّ حَمْلَ النَّظَرِ عَلى الِانْتِظارِ والتَّرَبُّصِ كَما هو أحَدُ مَعانِيهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وبَعْضُ النّاسِ حَمَلَ كَلامَ بَعْضِ الأفاضِلِ عَلَيْهِ وارْتَكَبَ شَطَطًا وتَكَلَّمَ غَلَطًا (هَذا) وقُرِئَ (لِنَظُّرَ) بِنُونٍ واحِدَةٍ وتَشْدِيدِ الظّاءِ ووَجْهُ ذاكَ أنَّ النُّونَ الثّانِيَةَ قُلِبَتْ ظاءً وأُدْغِمَتْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب