الباحث القرآني
﴿قُلْ﴾ لِجَمِيعِ مَن شَكَّ في دِينِكَ وكَفَرَ بِكَ ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ أُوثِرَ الخِطابُ بِاسْمِ الجِنْسِ مُصَدَّرًا بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ تَعْمِيمًا لِلتَّبْلِيغِ وإظْهارًا لِكَمالِ العِنايَةِ بِشَأْنِ ما بَلَغَ إلَيْهِمْ ﴿إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينِي﴾ الَّذِي أعْبُدُ اللَّهَ تَعالى بِهِ وأدْعُوكم إلَيْهِ ولَمْ تَعْمَلُوا ما هو ولا صِفَتُهُ حَتّى قُلْتُمُ إنَّهُ صَبَأ
﴿فَلا أعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ ﴿ولَكِنْ أعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ﴾ ثُمَّ يَفْعَلُ بِكم ما يَفْعَلُ مِن فُنُونِ العَذابِ وجَعَلَ هَذِهِ الجُمْلَةَ بِاعْتِبارِ مَضْمُونِها جَوابًا بِتَأْوِيلِ الأخْبارِ وإلّا فَلا تَرَتُّبَ لَها عَلى الشَّرْطِ بِحَسَبِ الظّاهِرِ فالمَعْنى إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن ذَلِكَ فَأُخْبِرُكم أنَّهُ تَخْصِيصُ العِبادَةِ بِهِ تَعالى ورَفْضُ عِبادَةٍ ما سِواهُ مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها مِمّا تَعْبُدُونَهُ جَهْلًا وقَدْ كَثُرَ جَعْلُ الأخْبارِ بِمَفْهُومِ الجُمْلَةِ جَزاءً نَحْوَ إنْ أكْرَمْتَنِي اليَوْمَ فَقَدْ أكْرَمْتُكَ أمْسِ وعَلى هَذا الطَّرْزِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما بِكم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ فَإنَّ اسْتِقْرارَ النِّعْمَةِ لَيْسَ سَبَبًا لِحُصُولِها مِنَ اللَّهِ تَعالى بَلِ الأمْرُ بِالعَكْسِ وإنَّما سَبَبٌ لِلْأخْبارِ بِحُصُولِها مِنهُ تَعالى كَما قَرَّرَهُ ابْنُ الحاجِبِ (p-197)وقَدْ يَكُونُ المَعْنى إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن صِحَّةِ دِينِي وسَدادِهِ فَأُخْبِرُكم أنَّ خُلاصَتَهُ العِبادَةُ لا لَهُ هَذا شَأْنُهُ دُونَ ما تَعْبُدُونَهُ مِمّا هو بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ الشَّأْنِ فاعْرِضُوا ذَلِكَ عَلى عُقُولِكم وأجِيلُوا فِيهِ أفْكارَكم وانْظُرُوا بِعَيْنِ الإنْصافِ لِتَعْلَمُوا صِحَّتَهُ وحَقِّيَّتَهُ وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّهُ لا يُحْتاجُ عَلى هَذا إلى جَعْلِ المُسَبِّبِ الإخْبارُ والإعْلامُ بَلْ يُعْتَبَرُ الجَزاءُ الأمْرَ بِعَرْضِ ما ذُكِرَ عَلى عُقُولِهِمْ والتَّفَكُّرُ فِيهِ والأظْهَرُ اعْتِبارُ كَوْنِ الإخْبارِ جَزاءً كَما في المَعْنى الأوَّلِ والتَّعْبِيرُ عَما هم عَلَيْهِ بِالشَّكِّ مَعَ كَوْنِهِمْ قاطِعِينَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لِلْإيذانِ بِأنَّ أقْصى ما يُمْكِنُ عُرُوضُهُ لِلْعاقِلِ في هَذا البابِ هو الشَّكُّ في الصِّحَّةِ وأمّا القَطْعُ بِعَدَمِها فَما لا سَبِيلَ إلَيْهِ وقِيلَ: لا نُسَلِّمُ أنَّهم كانُوا قاطِعِينَ بَلْ كانُوا في شَكٍّ واضْطِرابٍ عِنْدَ رُؤْيَةِ المُعْجِزاتِ وجِيءَ – بِأنَّ - لِلْإشارَةِ إلّا أنَّهُ مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ لِوُجُودِ ما يُزِيلُهُ
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَعْنى إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينِي ومِمّا أنا عَلَيْهِ أاثْبُتُ عَلَيْهِ أمْ أتْرُكُهُ وأُوافِقُكم فَلا تُحَدِّثُوا أنْفُسَكم بِالمُحالِ ولا تَشُكُّوا في أمْرِي واقْطَعُوا عَنِّي أطْماعَكم واعْلَمُوا أنِّي لا أعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مَن دُونِ اللَّهِ ولا أخْتارُ الضَّلالَةَ عَلى الهُدى كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ﴾ ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ ولا يَخْفى أنَّ ما قَبْلُ أوْفَقُ بِالمَقامِ وتَقْدِيمُ تَرْكِ عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى عَلى عِبادَتِهِ سُبْحانَهُ لِتَقَدُّمِ التَّخْلِيَةِ عَلى التَّحْلِيَةِ كَما في كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ والإيذانِ بِالمُخالَفَةِ مِن أوَّلِ الأمْرِ وتَخْصِيصُ التَّوَفِّي مِن بَيْنِ سائِرِ صِفاتِ الأفْعالِ بِالذِّكْرِ مُتَعَلِّقًا بِهِمْ لِلتَّخْوِيفِ فَإنَّهُ لا شَيْءَ أشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ المَوْتِ وقِيلَ: المُرادُ أعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَكم ثُمَّ يَتَوَفّاكم ثُمَّ يُعِيدُكم وفِيهِ إيماءٌ إلى الحَشْرِ الَّذِي يُنْكِرُونَهُ وهو مِن أُمَّهاتِ أُصُولِ الدِّينِ ثُمَّ حُذِفَ الطَّرَفانِ وأُبْقِيَ الوَسَطُ لِيَدُلَّ عَلَيْهِما فَإنَّهُما قَدْ كَثُرَ اقْتِرانُهُما بِهِ في القُرْآنِ ﴿وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ 104﴾ أيْ أوْجَبَ اللَّهُ تَعالى عَلى ذَلِكَ فَوُجُوبُ الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى شَرْعِيٌّ كَسائِرِ الواجِباتِ وذَكَرَ المَوْلى صَدْرَ الشَّرِيعَةِ أنَّ لِلشَّرْعِيِّ مَعْنَيَيْنِ ما يَتَوَقَّفُ عَلى الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الصَّلاةِ والصَّوْمِ وما ورَدَ بِهِ الشَّرْعُ ولا يَتَوَقَّفُ عَلى الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الإيمانِ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ ووُجُوبِ تَصْدِيقِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ عَلى الشَّرْعِ فَهو لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ بِالمَعْنى الأوَّلِ وذَلِكَ لِأنَّ ثُبُوتَ الشَّرْعِ مَوْقُوفٌ عَلى الإيمانِ بِوُجُودِ البارِي تَعالى وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ وكَلامِهِ وعَلى التَّصْدِيقِ بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِدَلالَةِ مُعْجِزاتِهِ فَلَوْ تَوَقَّفَ شَيْءٌ مِن هَذِهِ الأحْكامِ عَلى الشَّرْعِ لَزِمَ الدَّوْرَ ولِقائِلٍ أنْ يَمْنَعَ تَوَقُّفَ الشَّرْعِ عَلى وُجُوبِ الإيمانِ ونَحْوِهِ سَواءٌ أُرِيدَ بِالشَّرْعِ خِطابُ اللَّهِ تَعالى أوْ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَوَقُّفُ التَّصْدِيقِ بِثُبُوتٍ شَرْعِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ وعَلى التَّصْدِيقِ بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ودَلالَةِ مُعْجِزاتِهِ لا يَقْتَضِي تَوَقُّفَهُ عَلى وُجُوبِ الإيمانِ والتَّصْدِيقِ ولا عَلى العِلْمِ بِوُجُوبِهِما غايَتُهُ أنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلى نَفْسِ الإيمانِ والتَّصْدِيقِ وهو غَيْرُ مُفِيدٍ لِتَوَقُّفِهِ عَلى وُجُوبِ الإيمانِ والتَّصْدِيقِ ولا مُنافٍ لِتَوَقُّفِ وُجُوبِ الإيمانِ ونَحْوِهِ عَلى الشَّرْعِ كَما هو المَذْهَبُ عِنْدَهم مِن أنْ لا وُجُوبَ إلّا بِالسَّمْعِ وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيَّ هُنا: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ السَّلامُ أُمِرَ بِالعَقْلِ والوَحْيِ لا يَخْلُو عَنْ نَزْغَةٍ اعْتِزالِيَّةٍ كَما هو دَأْبُهُ في كَثِيرٍ مِنَ المَواضِعِ ومَن قالَ مِنَ المُفَسِّرِينَ مِنّا: إنَّهُ وجَبَ عَلى ذَلِكَ بِالعَقْلِ والسَّمْعِ أرادَ بِالعَقْلِ التّابِعَ لِما سُمِعَ بِالشَّرْعِ فَلا تَبَعِيَّةَ والكَلامُ عَلى حَذْفِ الجارِّ أيْ أُمِرْتُ بِأنْ أكُونَ وحَذْفُهُ مِن أنْ وأنَّ مُطَّرِدٌ وإنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ فالحَذْفُ بَعْدُ أمْرٌ مَسْمُوعٌ عَنِ العَرَبِ كَقَوْلِهِ: (p-198)
؎أمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذا مالٍ وذا نَشَبِ
وأدْخَلَ بَعْضُهم هَذِهِ الجُمْلَةَ في الجَزاءِ ولَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ
{"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن دِینِی فَلَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِینَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق