قال ﴿إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ فزعم أَهل التأويل انه في معنى: "سَفَّهَ نفسَه" وقال يونس: "أُراها لُغَة". ويجوز في هذا القول: "سِفِهْتُ زَيْداً"، وهو يشبه "غِبَنَ رأيَه" و"خَسِرَ نَفْسَه" الا ان هذا كثير، ولهذا معنى ليس لذاك. تقول: "غِبَنَ فيَ رأيِهِ" و"خَسِرَ في أَهْلِهِ" و"خَسِرَ في بيعِه". وقد جاء لهذا نظير، قال: "ضُرِبَ عبدُ اللّهِ الظهرَ والبَطْنَ" ومعناه: على الظهر والبطن" كما قالوا: "دَخَلْتُ البيتَ" وإنما هو "دَخَلْتُ في البيتِ". وقوله: "تَوَجَّهَ مَكَّةَ والكُوفَةَ" وانما هو: إلى مَكَّة والكُوفَةِ. ومما يشبه هذا قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون]:
نُغالِي اللَّحْمَ لِلأَضْيافِ نِيْئاً * وَنَبْذُلُهُ إذا نَضِجَ القُدورُ
يريد: نُغالى باللحم. ومثل هذا ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ﴾ يقول: "لأوْلادِكمُ" [و] ﴿وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ﴾ أي: عَلَى عُقْدَةِ النِكاحِ. وأحسن [من] ذلك أن تقول: "إنَّ سَفِهَ نَفْسَهُ" جرت مجرى "سَفُهَ" إذْ كان الفعل غير متعد، وانما عداه الى "نَفْسِه" و"رَأيِهِ" وأشباهُ ذا مِمّا هو في المعنى نحو "سَفِهَ" اذا لم يتعد. واما "غَبِنَ" و"خَسِرَ" فقد يتعدى* الى غيره تقول: "غَبِنَ خَمْسين" و"خَسِرَ خَمْسِين".
{"ayah":"وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَـٰهُ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}