الْآيَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9] {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10]: فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَك عَنْ هَذَا؟ أَلَمْ أَنْهَك عَنْ هَذَا؟ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَبَرَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إنَّك لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرَ مِنِّي، فَنَزَلَتْ: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17] {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاَللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ».
[مَسْأَلَةٌ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُتَيَمِّمًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَعَلَّقَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: لَوْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ [مُتَيَمِّمًا]؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَدْخُلُ فِي الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9] {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10].
وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ هَلْ يَكُونُ فِي صَلَاةٍ إذَا رَأَى الْمَاءَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الذَّمُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً، وَنَحْنُ قُلْنَا لَهُمْ: إذَا أَمَرْتُمُوهُ بِقَطْعِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَقَدْ دَخَلْتُمْ فِي الْعُمُومِ الْمَذْمُومِ. قَالُوا: لَا نَدْخُلُ؛ لِأَنَّا نَرْفَعُ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بِمُعَارِضِهَا وَهُوَ رُؤْيَةُ الْمَاءِ.
قُلْنَا: لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مُعَارِضَةً لِلطَّهَارَةِ بِالتُّرَابِ، إلَّا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ مُقَارِنَةً لِلرُّؤْيَةِ، وَلَا قُدْرَةَ مَعَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ مَعَ قُدْرَةٍ، فَمَانِعٍ فَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ بِحَالِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ.
{"ayah":"أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یَنۡهَىٰ"}