فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي مَعْنَى الْقَسَمِ فِيهَا: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: إنَّ مَعْنَاهُ وَرَبِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَهَذَا الْمَحْذُوفُ مُقَدَّرٌ فِي كُلِّ قَسَمٍ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَسَمِ بِهَا.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ كَمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَآدَمُ خُلِقَ وَحْدَهُ قَبْلَ خَلْقِ حَوَّاءَ حَسْبَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ وَصُورَةُ الْمُصْحَفِ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَابْنَ مَسْعُودٍ، كَانَا يَقْرَآنِ: وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَالَ إبْرَاهِيمُ: قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالُوا: كُلُّنَا. قَالَ تَقْرَءُونَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]؟ قَالَ عَلْقَمَةُ: وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ هَكَذَا، وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَنْ أَقْرَأَ: وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَاَللَّهِ لَا أُتَابِعُهُمْ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بَشَرٌ، إنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصُّحُفِ؛ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِأَحَدٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّظَرُ فِيمَا يُوَافِقُ خَطَّهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ ضَبْطُهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَيَنْقَطِعُ مَعَهُ الْعُذْرُ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ.
{"ayah":"وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰۤ"}