فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَى النَّبِيِّ رَدُّهُ مِنْ حَالَةِ الْغَفْلَةِ إلَى حَالَةِ الذِّكْرِ، وَتَوْبَةُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ رُجُوعُهُمْ مِنْ حَالَةِ الْمَعْصِيَةِ إلَى حَالَةِ الطَّاعَةِ، وَانْتِقَالُهُمْ مِنْ حَالَةِ الْكَسَلِ إلَى حَالَةِ النَّشَاطِ، وَخُرُوجُهُمْ عَنْ صِفَةِ الْإِقَامَةِ وَالْقُعُودِ إلَى حَالَةِ السَّفَرِ وَالْجِهَادِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَتَوْبَةُ اللَّهِ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: دُعَاؤُهُ إلَى التَّوْبَةِ، يُقَالُ: تَابَ اللَّهُ عَلَى فُلَانٍ، أَيْ دَعَاهُ، وَيُقَالُ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: يَسَّرَهُ لِلتَّوْبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ خَبَرًا، وَقَدْ يَكُونُ دُعَاءً.
وَيُقَالُ: تَابَ عَلَيْهِ: ثَبَّتَهُ عَلَيْهَا، وَيُقَالُ: تَابَ عَلَيْهِ: قَبِلَ تَوْبَتَهُ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ جَمَعَ لِهَؤُلَاءِ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَيَفْتَرِقُ فِي سَائِرِ النَّاسِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُوهُ إلَى التَّوْبَةِ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَلَا يُيَسِّرُهَا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُوهُ إلَيْهَا وَيُيَسِّرُهَا وَلَا يُدِيمُهَا، فَإِنْ دَامَتْ إلَى الْمَوْتِ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى {فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117]: يَعْنِي جَيْشَ تَبُوكَ؛ خَرَجَ النَّاسُ إلَيْهَا فِي جَهْدٍ وَحَرٍّ وَرِجْلَةٍ وَعُرْيٍ وَحَفَاءٍ، حَتَّى لَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْلِهِ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] أَنَّهُمْ طَلَبُوا نِعَالًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ».
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 117]: أَمَّا هَذَا فَلَيْسَ لِلنَّبِيِّ فِيهِ مَدْخَلٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ، أَمَّا أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَدْخُلُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ إذْنِهِ لِلْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ فَعَذَرَهُ اللَّهُ فِي إذْنِهِ لَهُمْ، وَتَابَ عَلَيْهِ وَعَذَرَهُ، وَبَيَّنَ لِلْمُؤْمِنِينَ صَوَابَ فِعْلِهِ بِقَوْلِهِ: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} [التوبة: 47] إلَى: {الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47].
وَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيِّ فَكَادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بِبَقَائِهِمْ بَعْدَهُ، كَأَبِي حَثْمَةَ وَغَيْرِهِ، بِإِرَادَتِهِمْ الرُّجُوعَ مِنْ الطَّرِيقِ حِينَ أَصَابَهُمْ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْعَطَشُ، حَتَّى نَحَرُوا إبِلَهُمْ، وَعَصَرُوا كُرُوشَهَا، فَاسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ، فَنَزَلَ الْمَطَرُ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْإِمَامِ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ اعْتَذَرَ إلَيْهِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَالِ، وَرِفْقًا بِالْخَلْقِ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
{"ayah":"لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقࣲ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}