فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لِلْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّلَاةَ شَفْعٌ كُلُّهَا، وَالْمَغْرِبَ وَتْرٌ؛ قَالَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ].
الثَّانِي: أَنَّ الشَّفْعَ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، رَوَاهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ مِنًى، وَالْوَتْرَ: الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ مِنًى، وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
الرَّابِعُ أَنَّ الشَّفْعَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْوَتْرَ أَيَّامُ مِنًى لِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ.
الْخَامِسُ الشَّفْعُ: الْخَلْقُ، وَالْوَتْرُ اللَّهُ تَعَالَى؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
السَّادِسُ أَنَّهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ شَفْعًا وَمِنْهُ وَتْرًا.
السَّابِعُ أَنَّهُ آدَم؛ وَتْرٌ شَفَعَتْهُ زَوْجَتُهُ، فَكَانَتْ شَفْعًا لَهُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
الثَّامِنُ أَنَّ الْعَدَدَ مِنْهُ شَفْعٌ، وَمِنْهُ وَتْرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَذِهِ الْآيَةُ خِلَافُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّفْعِ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْعَهْدِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عَهْدٌ؛ وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ كُلَّ شَفْعٍ وَوَتْرٍ مِمَّا ذُكِرَ وَمِمَّا لَمْ يُذْكَرْ، وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ يَسْتَغْرِقُ مَا تُرِكَ فِي الظَّاهِرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَكِنْ إنْ قُلْنَا: إنَّ اللَّيَالِيَ الْعَشْرَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ فَوَجْهُ الْقَسَمِ فِيهِ وَحَقِّ الْخَلْقِ وَالْخَالِقِ لَهُمْ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ السَّادِسُ فَمَعْنَاهُ وَحَقِّ الْخَلْقِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ السَّابِعِ وَحَقِّ آدَمَ وَزَوْجَتِهِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّامِنِ أَنَّهُ قَالَ: وَحَقِّ الْعَدَدِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ قِوَامَ الْخَلْقِ وَتَمَامًا لَهُمْ، حَتَّى لَقَدْ غَلَا فِيهِ الْغَالُونَ حَتَّى جَعَلُوهُ أَصْلَ التَّوْحِيدِ وَالتَّكْلِيفِ، وَسِرَّ الْعَالَمِ وَتَفَاصِيلَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهِ، وَهُوَ هَوَسٌ كُلُّهُ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ.
[مَسْأَلَة الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ فِي قولة تَعَالَى وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ]
. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّلَاةُ فَمِنْهَا شَفْعٌ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعُ، وَمِنْهَا وَتْرٌ وَهِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّهَا لَا تُعَادُ فِي جَمَاعَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا لَوْ طُلِبَ بِهَا فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لَانْقَلَبَتْ شَفْعًا، حَتَّى تَنَاهَى عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: لَوْ أَعَادَهَا رَجُلٌ [فِي جَمَاعَةٍ] غَفْلَةً لَقِيلَ لَهُ: أَعِدْهَا ثَالِثَةً؛ حَتَّى تَكُونَ وَتْرًا تِسْعَ رَكَعَاتٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ الْمَغْرِبَ لَوْ صَارَتْ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفْعًا لَصَارَتْ الظُّهْرُ بِإِعَادَتِهَا ثَمَانِيًا، وَيَعُودُ ذَلِكَ فِي حَالِ التَّخْلِيطِ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فَيُقَالُ فِيهِ:
فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي إذَا مَا ذَكَرْتهَا ... أَثِنْتَيْنِ صَلَّيْت الضُّحَى أَمْ ثَمَانِيًا
فَكَمَا لَا تَتَضَاعَفُ الظُّهْرُ بِالْإِعَادَةِ، فَكَذَلِكَ لَا تَتَضَاعَفُ الْمَغْرِبُ، وَأَشَدُّهُ الصَّلَاةُ الثَّالِثَةُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ.
[مَسْأَلَة أَقَلَّ النَّفْلِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ لَمَّا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ أَقَلَّ النَّفْلِ رَكْعَتَانِ.
قُلْنَا: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالشَّفْعِ} [الفجر: 3] يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا.
وقَوْله تَعَالَى: {وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3] يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَتْرِ وَحْدَهُ الَّذِي هُوَ فَرْدٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: «الِاسْتِجْمَارُ وَتْرٌ، وَالطَّوَافُ وَتْرٌ، وَالْفَرْدُ كَثِيرٌ»، وَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ يَكْفِي فِيهِ.
{"ayah":"وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ"}