فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: {سَنُقْرِئُكَ} [الأعلى: 6] أَيْ سَنَجْعَلُك قَارِئًا، فَلَا تَنْسَى مَا نُقْرِئُك. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] قَالَ: فَتَحْفَظُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَرْكِ النِّسْيَانِ؛ إذْ كَانَ لَيْسَ مِنْ اسْتِطَاعَتِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ لَهُ تَرْكَهُ، وَحَكَمَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ النَّاسِي فِي حَالِ نِسْيَانِهِ أَنْ يَصْرِفَ نِسْيَانَهُ لَا يُعْقَلُ قَوْلًا، فَكَيْفَ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ فِعْلًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77].
قُلْنَا. مَعْنَاهُ لَا تَتْرُكْ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ لُغَةً. وَالتَّرْكُ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَرْكٌ بِقَصْدٍ، وَتَرْكٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ. وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَرْتَبِطُ بِالْقَصْدِ مِنْ التَّرْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة قِرَاءَة سُورَة الْأَعْلَى والْغَاشِيَة فِي الْعِيدَيْنِ]
. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]» مِنْ طَرِيقِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ، وَغَيْرُهُ زَادَ النُّعْمَانُ: فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.
وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي طَوَّلَ صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ: اقْرَأْ ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وَنَحْوِ ذَلِكَ».
{"ayah":"سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ"}