فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُرَادِ بِهَا، فَقِيلَ: إنَّهُمْ الْيَهُودُ، وَقِيلَ: هُمْ الْمُنَافِقُونَ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآيَاتِ مُبْتَدَأَةٌ بِذِكْرِهِمْ قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الحشر: 11] إلَى قَوْلِهِ: {الظَّالِمِينَ} [الحشر: 17].
وَعَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الْيَهُودَ بِالنَّصْرِ، وَضَمِنَ لَهُمْ أَنَّ بَقَاءَهُ بِبَقَائِهِمْ وَخُرُوجَهُ بِخُرُوجِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَا وَفَّى بِهِ، بَلْ أَسْلَمَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، فَكَانَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16] فَغَرَّ أَوَّلًا، وَكَذَبَ آخِرًا.
الثَّانِي: أَنَّ الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ وَاحِدَةً عَلَى مُعَادَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَكُنْ لِإِحْدَاهُمَا فِئَةٌ تُخَالِفُ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ.
وَالشَّتَّى: هِيَ الْمُتَفَرِّقَةُ قَالَ الشَّاعِرُ:
إلَى اللَّهِ أَشْكُو نِيَّةً شَقَّتْ الْعَصَا ... هِيَ الْيَوْمُ شَتَّى وَهِيَ بِالْأَمْسِ جُمَّعُ
[مَسْأَلَة صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَعَلَّقَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَنْعِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى صُورَةِ التَّكْبِيرِ وَالْأَفْعَالِ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي النِّيَّةِ. وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ [ذَلِكَ] فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَيَشْمَلُهُ هَذَا اللَّفْظُ، وَيَنَالُهُ هَذَا الظَّاهِرُ.
وَهَذَا كَانَ يَكُونُ حَسَنًا، بَيْدَ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِهِ اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ، وَالصُّورَةُ فِي اخْتِلَافِ النِّيَّةِ وَاتِّفَاقِ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فِيهِمَا وَاحِدٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي الطَّاعَاتِ، وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ اخْتِلَافِ الْمُنَافِقِينَ فِي الْإِذَايَةِ لِلدِّينِ وَمُعَادَاةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
{"ayah":"لَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ جَمِیعًا إِلَّا فِی قُرࣰى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَاۤءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَیۡنَهُمۡ شَدِیدࣱۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِیعࣰا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡقِلُونَ"}