فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ الْحَسَنُ إذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ، هَذَا خِيرَةُ اللَّهِ، هَذَا وَاَللَّهِ أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إلَى اللَّهِ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ، وَهَذَا ذِكْرٌ ثَانٍ لَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَسَيَأْتِي الثَّالِثُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالْأَذَانَ مَدَنِيٌّ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهَا بِالْمَعْنَى، لَا أَنَّهُ كَانَ الْمَقْصُودَ، وَيَدْخُلُ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ قَالَ فِي النَّبِيِّ وَقَدْ خَنَقَهُ الْمَلْعُونُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ، وَيَتَضَمَّنُ كُلَّ كَلَامٍ حَسَنٍ فِيهِ ذِكْرُ التَّوْحِيدِ وَبَيَانُ الْإِيمَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33]. قَالُوا: هِيَ الصَّلَاةُ، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ أَجَلُّهُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَتْبَعَ الْقَوْلَ الْعَمَلُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى الْإِسْلَامِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْقَوْلِ، وَالسَّيْفُ يَكُونُ لِلِاعْتِقَادِ، وَيَكُونُ لِلْحُجَّةِ، وَكَانَ الْعَمَلُ يَكُونُ لِلرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالِاعْتِقَادِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ لِوَجْهِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] وَلَمْ يَقُلْ [لَهُ] إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ.
{"ayah":"وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلࣰا مِّمَّن دَعَاۤ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}