فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهَا ثَلَاثُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ اتَّهَمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغَانِمِ، وَرُوِيَ أَنَّ قَطِيفَةً حَمْرَاءَ فُقِدَتْ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا، وَأَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْآيَةَ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْمًا غَلُّوا مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ هَمُّوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ فِيمَا هَمُّوا وَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
الثَّالِثُ: نَهَى اللَّهُ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْيِ. وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي.
[مَسْأَلَةٌ حَقِيقَة الْغُلُولِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي حَقِيقَةِ الْغُلُولِ: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنْ غَلَّ يَنْصَرِفُ فِي اللُّغَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: خِيَانَةٌ مُطْلَقَةٌ.
الثَّانِي: فِي الْحِقْدِ، يُقَالُ فِي الْأَوَّلِ تَغُلُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَفِي الثَّانِي يَغِلُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ خِيَانَةُ الْغَنِيمَةِ؛ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى خَفَاءٍ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَانَ أَصْلُهُ مَنْ خَانَ فِيهِ إذَا أَدْخَلَهُ فِي مَتَاعِهِ فَسَتَرَهُ فِيهِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَا إغْلَالَ وَلَا إسْلَالَ». وَفِيهِ تَفْسِيرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِغْلَالَ خِيَانَةُ الْمَغْنَمِ، وَالْإِسْلَالِ: السَّرِقَةُ مُطْلَقَةٌ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِغْلَالَ وَالْإِسْلَالَ السَّرِقَةُ. وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْإِغْلَالَ خِيَانَةُ الْمَغْنَمِ وَالْإِسْلَالَ سَرِقَةُ الْخَطْفِ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُ، كَمَا يَفْعَلُ سُودَانُ مَكَّةَ الْيَوْمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْقِرَاءَاتِ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ يَغُلُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ، وَهُمَا صَحِيحَتَانِ قِرَاءَةً وَمَعْنًى.
[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي مَعْنَى الْآيَةِ: فَأَمَّا مَنْ قَرَأَهَا بِضَمِّ الْغَيْنِ فَمَعْنَاهُ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونَ فِي مَغْنَمٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ. وَلَا فِي وَحْيٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظَنِينٍ وَلَا ضَنِينٍ، أَيْ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ وَلَا بِخَيْلٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَمِينًا حَرِيصًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ يَخُونُ وَهُوَ يَأْخُذُ مَا أَحَبَّ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ سَهْمُ الصَّفِيِّ؛ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَصْطَفِيَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ مَا أَرَادَ، ثُمَّ يَأْخُذَ الْخُمُسَ وَتَكُونَ الْقِسْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَمَا كَانَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ كَرَامَةَ أَخْلَاقٍ وَطَهَارَةَ أَعْرَاقٍ، فَكَيْفَ مَعَ مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَعِصْمَةِ الرِّسَالَةِ. وَمَنْ قَرَأَ يُغَلَّ بِنَصْبِ الْغَيْنِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: يُوجَدُ غَالًّا، كَمَا تَقُولُ: أَحْمَدْتُ فُلَانًا.
الثَّانِي: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذَا تُلِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفَسَّرَ بِهَذَا عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: نَعَمْ وَيَقْتُلُ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا؛ فَإِنْ بَاعَهُ فِي الْعِلْمِ وَالتَّفْسِيرِ لَا يَبُوعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ، أَنْ يَخُونَهُ أَحَدٌ وُجُودًا، إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخُونَهُ أَحَدٌ شَرْعًا، نَعَمْ يَكُونُ ذَلِكَ فِيهِمْ فُجُورًا وَتَعَدِّيًا، وَخَصَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَخُونَ، وَلَكِنْ هُوَ أَعْظَمُ حُرْمَةً.
الثَّالِثُ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُتَّهَمَ فَإِنَّهُ مُبَرَّأٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ شَيْطَانًا لَبَّسَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيَ وَجَاءَهُ فِي صُورَةِ مَلَكٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُشْكِلَيْنِ، وَخَصَّصْنَاهُ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْنَاهَا بِكِتَابِ " تَنْبِيهِ الْغَبِيِّ عَلَى مِقْدَارِ النَّبِيِّ " وَسَنَذْكُرُهَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَلَا يُعْلَمُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا خَانَهُ أَحَدٌ أَطْلَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا أَقْوَى وُجُوهِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى ثَقَلِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هُوَ فِي النَّارِ» فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ غَلَّ عَبَاءَةً.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَجُلًا أُصِيبَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْقَوْمِ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا». وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: «إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ».
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَذَكَرَ الْغُلُولَ وَعَظَّمَهُ، وَقَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْت» الْحَدِيثَ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا وجد الْمَغْلُول]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إذَا غَلَّ الرَّجُلُ فِي الْمَغْنَمِ فَوَجَدْنَاهُ أَخَذْنَاهُ مِنْهُ وَأَدَّبْنَاهُ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَلِلْحُسَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ، حَيْثُ قَالُوا: يُحْرَقُ رَحْلُهُ إلَّا الْحَيَوَانَ وَالسِّلَاحَ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إلَّا السَّرْجَ، وَالْإِكَافَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قَالَ: «إذَا وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ الْجَارُودِ عَنْ الذُّهْلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ الْقَطَّانِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَذَكَرَهُ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ كَرْكَرَةَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَحْرَقَ مَتَاعَهُ. وَهَذَا أَصَحُّ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ إنَّمَا لَمْ يُحْرِقْ رَحْلَ كَرْكَرَةَ؛ لِأَنَّ كَرْكَرَةَ قَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ؛ وَالتَّحْرِيقُ إنَّمَا هُوَ زَجْرٌ وَرَدْعٌ، وَلَا يُرْدَعُ مَنْ مَاتَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُرْدَعُ بِهِ مَنْ بَقِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ ثُمَّ تُرِكَ، وَيَعْضُدُهُ أَنَّهُ لَا عُقُوبَةَ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ بِجِنَايَتِهِ لِخِيَانَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتِرَاكِ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: تَحْرِيمُ الْغُلُولِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَ الْآخَرِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمُ الصَّفِيِّ.
الثَّانِي: أَنَّ الْوَلِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا شَاءَ، وَهَذَا رُكْنٌ عَظِيمٌ وَأَمْرٌ مُشْكِلٌ، بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الثَّالِثُ: فِي الصَّحِيحِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «أَصَبْت جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ، وَقُلْت: وَاَللَّهِ لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَالْتَفَتَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَبَسَّمُ». قَالَ عُلَمَاؤُنَا: تَبَسُّمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى حَقًّا مِنْ أَخْذِ الْجِرَابِ وَحَقًّا مِنْ الِاسْتِبْدَادِ بِهِ دُونَ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَمْ يَتَبَسَّمْ مِنْهُ وَلَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ إجْمَاعًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأُصُولِ.
[مَسْأَلَةٌ وَطِئَ جَارِيَةً أَوْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ الْغَنِيمَة]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إذَا ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَمَنْ غَصَبَ مِنْهَا شَيْئًا أُدِّبَ، فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً أَوْ سَرَقَ نِصَابًا فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَرَأَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا وَكَانَ سَهْمُهُ كَالْمُشْتَرَكِ الْمُعَيَّنِ. قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ ظَاهِرٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ بَيْتُ الْمَالِ، وَقَدْ مَنَعَ بَيْتُ الْمَالِ، وَقَالَ: لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ يُقْطَعُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: إنَّ حَظَّهُ فِي الْمَغْنَمِ يُورَثُ عَنْهُ وَحَظَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُورَثُ عَنْهُ، وَهِيَ مُشْكِلَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي الْإِنْصَافِ.
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَغُلَّۚ وَمَن یَغۡلُلۡ یَأۡتِ بِمَا غَلَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}