فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: رَأَيْت بَعْضَ الْبَصْرِيِّينَ قَدْ قَالَ: إنَّ النَّمْلَةَ كَانَ لَهَا جَنَاحَانِ، فَصَارَتْ فِي جُمْلَةِ الطَّيْرِ، وَلِذَلِكَ فَهِمَ مَنْطِقَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا مَنْطِقَ الطَّيْرِ؛ وَهَذَا نُقْصَانٌ عَظِيمٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْحِكْمَةَ فِي ذِكْرِ الطَّيْرِ خُصُوصًا دُونَ سَائِرِ الْبَهَائِمِ وَالْحَشَرَاتِ، وَمَا لَا يَعْقِلُ.
وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَ مَنْ لَا يَتَكَلَّمُ، وَيُخْلَقُ لَهُ فِيهِ الْقَوْلُ مِنْ النَّبَاتِ؛ فَكَانَ كُلُّ نَبَاتٍ يَقُولُ لَهُ: أَنَا شَجَرَةُ كَذَا، أَنْفَعُ مِنْ كَذَا، وَأَضُرُّ مِنْ كَذَا، وَفَائِدَتِي كَذَا، فَمَا ظَنُّك بِالْحَيَوَانِ، الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] فَانْظُرْ إلَى فَهْمِهَا بِأَنَّ جُنْدَ سُلَيْمَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُؤْذِي نَمْلَةً مَعَ الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ، وَالْعِلْمِ بِهِ، تَقِيَّةً لِسُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ التَّقِيَّ وَالْفَاجِرَ، وَالْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ؛ إذْ كَانَ فِيهِمْ الشَّيَاطِينُ.
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ جَيْشِ مُحَمَّدٍ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25].
وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ، وَفِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ مِنْ كِتَابِ " أَنْوَارِ الْفَجْرِ ".
وَقَدْ انْتَهَى الْجَهْلُ بِقَوْمٍ إلَى أَنْ يَقُولُوا: إنَّ مَعْنَاهُ: وَالنَّمْلُ لَا يَشْعُرُونَ، فَخَرَجَ مِنْ خِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ إلَى خِطَابِ الْغَائِبِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ إلَّا إبْطَالَ الْمُعْجِزَةِ لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّقْوِيمِ. كَمَا انْتَهَى الْإِفْرَاطُ بِقَوْمٍ إلَى أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّمْلَةِ لَهُ أَنْ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ أَرَى لَك مُلْكًا عَظِيمًا، فَمَا أَعْظَمُ جُنْدِك؟ قَالَ لَهَا: تَسْخِيرُ الرِّيحِ. قَالَتْ لَهُ: إنَّ اللَّهَ أَعْلَمَك أَنَّ كُلَّ مَا أَنْتَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا رِيحٌ. وَمَا أَحْسَنُ الِاقْتِصَادَ، وَأَضْبَطُ السَّدَادَ لِلْأُمُورِ وَالِانْتِقَادَ،
{"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَوۡا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةࣱ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمۡ لَا یَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَیۡمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"}