الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: خَرَجَ مَعَ مُوسَى رَجُلَانِ مِنْ التُّجَّارِ إلَى الْبَحْرِ، فَلَمَّا أَتَيَا إلَيْهِ قَالَا لَهُ: بِمَ أَمَرَك اللَّهُ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَايَ هَذِهِ فَيَجِفُّ. فَقَالَا لَهُ: افْعَلْ مَا أَمَرَك بِهِ رَبُّك، فَلَنْ يُخْلِفَك. ثُمَّ أَلْقَيَا أَنْفُسَهُمَا فِي الْبَحْرِ تَصْدِيقًا لَهُ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ الْبَحْرُ حَتَّى دَخَلَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ كَمَا كَانَ.
وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِلْبَحْرِ: انْفَلِقْ. قَالَ: لَقَدْ اسْتَكْبَرْت يَا مُوسَى، مَا انْفَرَقْت لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَم، فَأَنْفَلِقَ لَك. فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. فَصَارَ لِمُوسَى وَأَصْحَابِهِ الْبَحْرُ طَرِيقًا يَابِسًا. فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَابُ مُوسَى، وَتَكَامَلَ آخِرُ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ، انْصَبَّ عَلَيْهِمْ الْبَحْرُ، وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مُوسَى: مَا غَرِقَ فِرْعَوْنُ. فَنُبِذَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، حَتَّى نَظَرُوا إلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ مَالِكٌ: دَعَا مُوسَى فِرْعَوْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ السَّحَرَةَ آمَنُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَذْكُرُ مِنْ أَخْبَارِ الإسرائليات مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ، أَوْ وَافَقَ السُّنَّةَ أَوْ الْحِكْمَةَ، أَوْ قَامَتْ بِهِ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهَا الشَّرَائِعُ؛ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ عَوَّلَ فِي جَامِعِ الْمُوَطَّأِ.
{"ayah":"فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقࣲ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِیمِ"}