الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿فَإنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلى طائِفَةٍ مِنهُمْ فاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أبَدًا ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالقُعُودِ أوَّلَ مَرَّةٍ فاقْعُدُوا مَعَ الخالِفِينَ ۝﴾ [التوبة: ٨٣]. في هذه الآيةِ: دليلٌ على أنّ مَن وقَعَ منه خِيانةٌ وغَدْرٌ وضَرَرٌ: لا يُعادُ فيُوَلّى على ما غدَرَ به، وذلك أنّ اللهَ لم يأذَنْ للمُنافِقينَ بعدَ ما سبَقَ منهم، ولقولِهِ ﷺ: (لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ)[[أخرجه البخاري (٦١٣٣)، ومسلم (٢٩٩٨).]]. قَبُولُ تَوْبةِ المُرْتَدِّ وعدَمُ تَوْلِيَتِهِ وتصديرِهِ: والذين ينتكِسُونَ عن الحقِّ ثمَّ يَعودونَ إليه، تُقبَلُ توبتُهم، وتُحمَدُ أوْبتُهم، ولا يُشمَتُ بسابِقَتِهم، ولكنْ لا يُوَلَّوْنَ ولا يُصَدَّرُونَ لقيادةِ الأمَّةِ، ولا في مواضعِ التأثيرِ فيها، وذلك أنّهم لا يُؤتمَنونَ في عَوْدَتِهم إلى ما كانوا عليه، فالتَّذَبْذُبُ صِفةُ المُنافِقينَ، وربَّما كان ذلك يعودُ إلى عدَمِ رَجاحةِ العقلِ وسلامتِهِ، وكلُّ ذلك يُضِرُّ بالأُمَّةِ، ولم يَكُنِ النبيُّ ﷺ والخلفاءُ الراشدونَ يُوَلُّونَ مرتدًّا تائبًا على بلدٍ، ولا يَجعلونَهُ إمامًا في ثَغْرٍ، وإنْ قَبِلُوا توبتَهُ وحَمِدُوها، إلاَّ ما كانَ مِن جَعْلِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ ابنَ أبي السَّرْحِ والِيًا على مِصرَ، وذلك بعدَما سَبَرَ حالَه واستقامةَ أمرِه، وقد تَدَرَّجَ في تولِيَتِه، فبَدَأَ به على الخراجِ والحَرْبِ، ثم على صَعِيدِ مِصْرَ، ثُمَّ على مِصْر، وكان بينَ توبَتِه وولايتِه عليها نحوٌ مِن خَمسةَ عَشَرَ عامًا. وهذا يَختلِفُ عمَّن كان على كُفْرٍ أو شِرْكٍ، ثمَّ دخَلَ إلى الإسلامِ والحقِّ، فثبَتَ عليه، فهؤلاءِ لم يَدْخُلوا الحقَّ ثمَّ خرَجُوا منه، وإنّما أتَوْهُ مُقبِلِين، ولَزِمُوهُ مُستيقِنين، وهؤلاءِ كعامَّةِ الصحابةِ، كانوا على جاهليَّةٍ وشِرْكٍ فدَخَلُوا إلى الخيرِ، ولم تَكُنْ سابقتُهم عَيْبًا فيهم بعدَ إسلامِهم، ولا مانِعًا مِن وِلايتِهم ولا سِيادتِهم، وحالُهم وحالُ أمثالِهم يَختلِفُ عمَّن دخَلَ الإسلامَ واتَّبَعَ الحقَّ ثمَّ ترَكَهُ بعدَ معرِفتِه، فإنّ هؤلاءِ لا يُؤمَنونَ مِن تركِهِ مرَّةً أُخرى، لأنّهم أقلُّ ثَباتًا مِن غيرِهم غالبًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب