الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحَآجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ ﴾ [التوبة: ١٩].
ذكَر اللهُ ضلالَ قريشٍ وجَهْلَهم، باختلالِ أولويّاتِهم، فأَغْراهُم الشيطانُ بأعمالٍ صالحةٍ يَفعَلونَها لِتَستُرَ على نفوسِهم شِرْكَهم وكُفْرَهم باللهِ، فاغتَرُّوا بسِقايةِ الحاجِّ وبناءِ الكعبةِ وتَشْيِيدِها، وهذا القَدْرُ مِن التلبيسِ يَلحَقُ كثيرًا مِن الناسِ، إذْ يقَعُ في حَبائِلِ الشِّرْكِ، ويقومُ بعملٍ صالحٍ، مِن صِلَةِ رحمٍ، وإطعامٍ وسقايةٍ، وكفالةِ يتيمٍ وأَرْمَلَةٍ، فيَظُنُّ أنّه على خيرٍ وحقٍّ، وكلُّ أعمالِه تلك لا يَقبَلُها اللهُ ولا يُثيبُهُ عليها في الآخِرةِ، كما تقدَّمَ بيانُ ذلك مِرارًا، منها عندَ قولِ اللهِ تعالى: ﴿مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: ١١٧].
خطَرُ الجَهْلِ بمَراتِبِ الأعمالِ:
واختلالُ مراتبِ العملِ الصالحِ عندَ الكافرِ والمسلمِ يَغُرُّهُ ويَستدرِجُهُ في الغيِّ والباطلِ:
أمّا الكافِرُ: فيَغترُّ بكُفْرِهِ ويُسلِّيهِ ما يَعمَلُهُ مِن عملٍ صالحٍ في الظاهرِ، ولا يَجِدُ منه في الآخرةِ شيئًا.
وأمّا المسلمُ: فإمّا أن يقَعَ في مفضولاتٍ تَشغَلُهُ عن فاضلاتٍ، وهذا أخَفُّ، وإمّا أن يقَعَ في مستحَبّاتٍ تَغُرُّهُ فيَترُكَ الواجباتِ، وقد يترُكُ مكروهاتٍ، يَظُنُّهُ أنّه ورَعٌ، وهو واقعٌ في محرَّماتٍ، ويعظُمُ استدراجُ المسلمِ في ذلك بمقدارِ نصيبه مِن الجهلِ بتفاضُلِ الأعمالِ، وغَفْلَتِهِ عن عواقبِ الأفعالِ، وأخطَرُ ذلك عالِمٌ يَشغَلُ الناسَ بمفضولاتٍ، والناسُ في سَكْرَةِ المُوبِقاتِ والمُهلِكاتِ، كالشِّرْكيّاتِ والبِدَعِ والمعاصي، ولهذا كان أكملُ العلمِ هو العِلْمَ بمراتبِ الأعمالِ فيما بينَها وتفاضُلِها، سواءٌ كانت خيرًا أو شرًّا، وأمّا تمييزُ الخيرِ مِن الشرِّ، فهو سهلٌ على كلِّ عاقلٍ.
ومِن هذا البابِ دخَلَ الضَّلالُ على كفّارِ قريشٍ، فظَنُّوا أنّهم أتَوْا بأعمالٍ عظيمةٍ سبَقُوا الناسَ بها، وغرَّهُمُ الشَّيْطانُ أنّهم اختَصُّوا بها، وغَفَلوا عن الكفرِ والشِّرْكِ الذي وقَعُوا فيه، وهو يُبطِلُ كلَّ أعمالِهم تلك، كما رَوى الطبريُّ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبّاسٍ، قال في قولِه: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحَآجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾: «قال العبّاسُ بنُ عبدِ المطَّلبِ حِينَ أُسِرَ يومَ بدرٍ: لَئِنْ كنتُم سبَقتُمونا بالإسلامِ والهجرةِ والجهادِ، لقد كُنّا نَعْمُرُ المسجدَ الحرامَ، ونَسْقِي الحاجَّ، ونفُكُّ العانيَ! قال اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحَآجِّ﴾، إلى قولِه: ﴿الظّالِمِينَ ﴾، يعني: أنّ ذلك كان في الشِّرْكِ، ولا أقْبَلُ ما كان في الشِّرْكِ»[[«تفسير الطبري» (١١ /٣٧٨).]].
ومِن هذا البابِ أيضًا وقَعَ اللَّبْسُ على العامَّةِ في تمييزِ الظالِمِينَ والمنافِقِينَ مِن الصّادِقِينَ، فيَرَوْنَ آحادَ أعمالِ البِرِّ للمنافِقِينَ والظّالِمِينَ مِن صدقةٍ وسُقْيا وعمارةِ المساجدِ، ويَغفُلونَ عمّا هم عليه مِن محادَّةٍ للهِ، مِن كُفْرٍ وشِرْكٍ وسَرِقةٍ وظُلْمٍ وبَغْيٍ، والعالِمُ العارِفُ يُدرِكُ مقامَ الضَّلالاتِ في مُقابِلِ الهدايات، والمعاصي في مُقابِلِ الطاعات، وقَدْرَ كلِّ واحدةٍ على ضدِّها، وقد روى مسلمٌ، عن مُصعَبِ بنِ سعدٍ، قال: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلى ابْنِ عامِرٍ يَعُودُهُ وهُوَ مَرِيضٌ، فَقالَ: ألا تَدْعُو اللهَ لِي يا بْنَ عُمَرَ؟ قالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ)، وكُنْتَ عَلى البَصْرَةِ[[أخرجه مسلم (٢٢٤).]].
{"ayah":"۞ أَجَعَلۡتُمۡ سِقَایَةَ ٱلۡحَاۤجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَجَـٰهَدَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ لَا یَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق