الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝﴾ [الأنفال: ٤٥]. تقدَّمَ الكلامُ قريبًا على الثَّباتِ، وتحريمِ الفِرارِ مِن الزَّحْفِ، وحُكْمِ التحيُّزِ والتحرُّفِ إلى فِئةٍ. وفي هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ ذِكْرِ اللهِ عندَ القتالِ، فإنّه مِن أعظَمِ المثبِّتاتِ، فإنّ اللهَ إذا حضَرَ ذِكرُهُ في القلبِ، وتعلَّقَتِ الأفعالُ به وصدَقَتْ وأخلَصَتْ للهِ، فإنّ اللهَ يُعِينُها ويَكْفِيها ويسدِّدُها، فإنّ كفايةَ اللهِ لعبدِهِ بمِقْدارِ عبوديَّتِهِ له. ولمّا كان التقاءُ الصَّفَّيْنِ أحوَجَ ما يكونُ فيه المُقاتِلُ إلى عَوْنِ اللهِ وتسديدِه، شُرِعَ له التجرُّدُ والتخلُّصُ مِن كلِّ مذكورٍ إلاَّ اللهَ، وقد استُحِبَّ الصمتُ عندَ لقاءِ العدوِّ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (لا تَتَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللهَ العافِيَةَ، فَإذا لَقِيتُمُوهُمْ فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللهَ، وإنْ أجْلَبُوا وصاحُوا فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ) [[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٥١٨)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٣٤١٨)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٩ /١٥٣).]]. وفي الطبرانيِّ، مِن حديثِ زيدِ بنِ أرْقَمَ، مرفوعًا، قال: (إنَّ اللهَ عزّ وجل يُحِبُّ الصَّمْتَ عِنْدَ ثَلاثٍ: عِنْدَ تِلاوَةِ القُرْآنِ، وعِنْدَ الزَّحْفِ، وعِنْدَ الجِنازَةِ)[[أخرجه الطبراني في «الكبير» (٥١٣٠).]]. وفي حديثٍ قدسيٍّ: (إنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِيَ الَّذِي يَذْكُرُنِي وهُوَ مُلاقٍ قِرْنَهُ) [[أخرجه الترمذي (٣٥٨٠).]]. وفيها كلامٌ، وأصلُ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو في «الصحيحَيْنِ»، من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ أبي أوْفى، قال ﷺ: (لا تَتَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ، واسْأَلُوا اللهَ العافِيَةَ، فَإذا لَقِيتُمُوهُمْ فاصْبِرُوا) [[أخرجه البخاري (٢٩٦٦)، ومسلم (١٧٤٢).]]. وإنّما استُحِبَّ الصمتُ عندَ القتالِ، حتى لا ينشغِلَ المُقاتِلُ في الصَّفِّ بغيرِ اللهِ، ولا يُثِيرَ الهلَعَ في نفوسِ المُسلِمينَ بخوفِهِ وفَزَعِه، ولا يدُلَّ العدوَّ عليه بكلامِه، بخلافِ ما يكونُ فيه الكلامُ لمصلحةِ المُسلِمينَ مِن التثبيتِ والتصبيرِ والدَّلالةِ على مَكامِنِ العدوِّ ومَواضعِ ضَعْفِه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب