الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ ۝﴾ [المدثر: ٤]. أمَر اللهُ نبيَّه بالنِّذارةِ بقولِه: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ ۝﴾ [المدثر: ٢]، ثمَّ أمَرهُ بتطهيرِ ثيابِه، وحمَلَ عامَّةُ المفسِّرينَ مِن السلفِ تطهيرَ الثيابِ على التطهيرِ المعنويِّ، فيجبُ تطهيرُ الثيابِ مِن الإثمِ والحرامِ، والجوارحِ مِن أعمالِ السُّوءِ، وقد كانتِ العربُ تسمِّي الغادرَ دَنِسَ الثيابِ، يقولُ غَيْلانُ بن سَلَمة: وإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ لَبِسْتُ ولا مِن غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٤٠٥).]] وقلةٌ مِن السلفِ كابنِ سِيرينَ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٤٠٩).]] حمَلُوهُ على تطهيرِ الثيابِ بالماءِ مِن الأنجاسِ والأقذارِ، وبهذا القولِ قال الشافعيُّ، ولفظُ التطهيرِ يَحتملُهُ هنا مِن جهةِ اللُّغةِ، لا مِن جهةِ الوضعِ. وقد استدَلَّ بعضُ الفقهاءِ كالشافعيِّ بهذه الآيةِ على وجوبِ تطهيرِ الثيابِ مِن النجاساتِ، وقد اختلَفَ العلماءُ في وجوبِ تطهيرِ الثوبِ مِن النَّجَسِ للصلاةِ على قولَيْنِ، وهما قولانِ في مذهبِ مالكٍ: قيل: إنّ التطهيرَ سُنَّةٌ للصلاةِ ليس بواجبٍ لها، وإنّما هو مِن تمامِها وكمالِها، ومَن صلّى بلِباسٍ غيرِ طاهرٍ، فصلاتُهُ صحيحةٌ، وذلك أنّ مَن صلّى بالاستجمارِ مِن غيرِ غَسْلٍ للمَحَلِّ، فإنّ صلاتَهُ صحيحةٌ، مع القطعِ بوجودِ شيءٍ مِن النَّجَسِ الذي يُمكِنُ إزالتُهُ بالاستنجاءِ بالماءِ. وقال جماعةٌ مِن الفقهاءِ ـ وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ ـ: إنّه يجبُ تطهيرُها، لفعلِ النبيِّ ﷺ حينَما خلَعَ نَعْلَيْهِ وهو في الصلاةِ لمّا أنبَأَهُ جبريلُ أنّ بهما قَذَرًا، كما روى أبو داودَ، مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قال: بَيْنَما رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِأَصْحابِهِ، إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُما عَنْ يَسارِهِ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ القَوْمُ، ألْقَوْا نِعالَهُمْ، فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلاتَهُ، قالَ: (ما حَمَلَكُمْ عَلى إلْقاءِ نِعالِكُمْ؟)، قالُوا: رَأَيْناكَ ألْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَأَلْقَيْنا نِعالَنا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إنَّ جِبْرِيلَ ﷺ أتانِي فَأَخْبَرَنِي أنَّ فِيهِما قَذَرًا ـ أوْ قالَ: أذًى ـ)، وقالَ: (إذا جاءَ أحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ، فَلْيَنْظُرْ: فَإنْ رَأى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أوْ أذًى، فَلْيَمْسَحْهُ ولْيُصَلِّ فِيهِما) [[أخرجه أحمد (٣ /٩٢)، وأبو داود (٦٥٠).]]. وأمّا الاستجمارُ، فهذا تخفيفٌ مِن الشارعِ في شيءٍ لا ينبغي أن يُنقَضَ به الأصلُ، وذلك أنّ التخفيفَ فيه كتخفيفِ الشارعِ في بولِ الغلامِ، وتخفيفُهُ لا يَعني حَمْلَ غيرِهِ عليه، ولا أنّه في ذاتِهِ طاهرٌ. والتخفيفُ في الاستجمارِ أظهَرُ في الحاجةِ مِن التخفيفِ في بولِ الغلامِ، لعمومِ البَلْوى به مِن كلِّ أحدٍ، والتيسيرُ فيه رحمةٌ ويُسْرٌ، دفعًا للحرَجِ والمشقَّةِ، وهي مِن جنسِ العَرايا في البيوعِ، وإباحتُها لا يعني نَقْضَ الأصلِ بها، ولكنَّها تُحمَلُ على التيسيرِ والتخفيفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب