الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ وطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ واللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فاقْرَأُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكُمْ مَرْضى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فاقْرَأُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وما تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِن خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وأَعْظَمَ أجْرًا واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝﴾ [المزمل: ٢٠]. كان النبيُّ ﷺ ومَن معه مِن أصحابِه يقومونَ تارةً ثُلُثَيِ الليلِ، وتارةً نِصْفَه، وتارةً ثُلُثَه، وذلك لمّا أمَر اللهُ به ابتداءً، وقد لَقِيَ الصحابةُ مِن ذلك شِدَّةً ومشقَّةً، فخفَّف اللهُ عنهم في ذلك، وجعَلَ قَدْرَ ما يقومونَهُ بحسَبِ ما تيسَّرَ لهم مِن غيرِ أمرٍ، وقد رَوى سعدُ بنُ هشامٍ، قال: انْطَلَقْنا إلى عائِشَةَ، فاسْتَأْذَنّا عَلَيْها، فَدَخَلْنا، قُلْتُ: أنْبِئِينِي عَنْ قِيامِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَتْ: «ألَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ ﴿ياأَيُّها المُزَّمِّلُ ۝﴾ [المزمل: ١] ؟»، قُلْتُ: بَلى، قالَتْ: «فَإنَّ اللهَ افْتَرَضَ القِيامَ فِي أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقامَ النَّبِيُّ ﷺ وأَصْحابُهُ حَوْلًا، حَتّى انْتَفَخَتْ أقْدامُهُمْ، وأَمْسَكَ اللهُ خاتِمَتَها اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ عزّ وجل التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصارَ قِيامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ»[[أخرجه مسلم (٧٤٦)، والنسائي في «السنن الكبرى» (١١٥٦٣)، واللفظ له.]]. والتخفيفُ ظاهرٌ في الآيةِ في قولِه تعالى: ﴿عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فاقْرَأُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾، فذكَر القرآنَ، لأنّه هو أطولُ ما بصلاةِ الليلِ، وتُسمّى الصلاةُ قرآنًا، كما في قولِهِ تعالى: ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا ۝﴾ [الإسراء: ٧٨]، ويُسمّى القرآنُ صلاةً كذلك، كما في قولِه تعالى: ﴿ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها﴾ [الإسراء: ١١٠]، يعني: قراءتَك. ودَلَّ على وجوبِ قيامِ الليلِ أولَ الأمرِ قولُه تعالى: ﴿عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾، والمرادُ بالإحصاءِ: الطاقةُ، ثمَّ رفَع الحرَجَ بالتوبةِ على التارِكِ. وقد بيَّن اللهُ سببَ عُذْرِهِ لعِبادِهِ بذلك في قولِه: ﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكُمْ مَرْضى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وذلك لأنّ مِن الناسِ مَن يكونُ مريضًا أو يحتاجُ إلى نشاطٍ في نهارِه ليتكسَّبَ ويطلُبَ الرِّزْقَ، وطولُ قيامِهِ الليلَ يُزاحِمُ نشاطَهُ في النهارِ. وإسقاطُ اللهِ لنافلةِ الليلِ لا يُسقِطُ فريضةَ الصلاةِ، وحتى لا يُظَنَّ ذلك قال تعالى: ﴿وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾، يعني: الفريضةَ. ثمَّ رغَّب اللهُ في تقديمِ العملِ الصالحِ وعدمِ التكاسُلِ عنه، فهو قرضٌ يكونُ وفاؤُهُ يومَ القيامةِ بعظيمِ الأجرِ والثوابِ، كما قال: ﴿وأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وما تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِن خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وأَعْظَمَ أجْرًا واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب