الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: ٢٠٠].
في هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ الاستعاذةِ عندَ ورودِ الشيطانِ على الإنسانِ بخَطَراتِ السُّوءِ، أو دخولِ الإنسانِ أماكنَ يَغلِبُ عليها الشيطانُ كأماكنِ القَذَرِ والنَّجَسِ، أو الخَلَواتِ المُوحِشةِ والبِقاعِ المُقْفِرةِ التي يَغلِبُ على الظنِّ ورودُ الجنِّ والشياطينِ إليها، ولو لم يَرِدْ دليلٌ في خاصَّةِ ذلك.
الاستعاذةُ عند التثاؤُبِ:
ومِن ذلك: الاستعاذةُ عندَ التثاؤبِ، فهو وإن لم يَصِحَّ فيه شيءٌ مرفوعٌ، إلا أنّه لمّا صَحَّ أنّ التثاؤبَ مِن الشيطانِ، كما في قولِهِ ﷺ: (التَّثاؤُبُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، فَإنَّ أحَدَكُمْ إذا قالَ: ها، ضَحِكَ الشَّيْطانُ) [[أخرجه البخاري (٣٢٨٩)، ومسلم (٢٩٩٤).]]، فإنّه يُستحَبُّ الاستعاذةُ عندَهُ ولو لم يَرِدْ دليلٌ بخصوصِه، لعمومِ الآيةِ، ويُروى عن ابنِ مسعودٍ، قال: «التَّثاؤُبُ فِي الصَّلاةِ والعُطاسُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنهُ»، رواهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ، عن يَزِيدَ بنِ أبي ظَبْيانَ، وهو ضعيفٌ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٧٩٨٥).]].
والاستعاذةُ عندَ الشيطانِ والشعورِ به والقُرْبِ مِن مَواضعِهِ مشروعةٌ، وهي كمشروعيَّةِ تخصيصِ الحَمْدِ مِن أنواعِ الذِّكْرِ بالقولِ عندَ تجدُّدِ النِّعْمةِ، لأنّ مِن شُكْرِها حَمْدَ اللهِ عليها، فلا يحتاجُ المؤمنُ إلى نَصٍّ في كلِّ نعمةٍ تتجدَّدُ أنْ يَخُصَّها بالحمدِ للهِ مِن دونِ الأذكارِ، كما أنّه لا يحتاجُ إلى نصٍّ في كلِّ قُرْبٍ للشَّيْطانِ منه أنْ يَخُصَّهُ بالاستعاذةِ باللهِ منه مِن دونِ الأذكارِ والأدعيةِ، وذلك لأنّ اللهَ عمَّمَ وقال: ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾.
مواضعُ الاستعاذةِ:
وقد جاء في الوحيِ بيانٌ لمواضعِ الشيطانِ مِن الإنسانِ، وشُرِعَتْ لها عندَها الاستعاذةُ:
فمـنـهـا: الغَضَبُ، كما قال النبيُّ ﷺ للغاضبِ: (إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَها ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ، لَوْ قالَ: أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ، ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ) [[أخرجه البخاري (٣٢٨٢)، ومسلم (٢٦١٠).]].
ومنها: الحُلُمُ، كما قال ﷺ: (الحُلُمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإذا حَلَمَ أحَدُكُمْ حُلُمًا يَخافُهُ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ، ولْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِن شَرِّها) [[أخرجه البخاري (٣٢٩٢).]].
ومنهـا: عندَ سماعِ نَهِيقِ الحَمِيرِ، كما قال ﷺ: (إذا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمارِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإنَّهُ رَأى شَيْطانًا) [[أخرجه البخاري (٣٣٠٣)، ومسلم (٢٧٢٩).]].
ومنهـا: عندَ الولادةِ ووضعِ الجَنِينِ، كما قال ﷺ: (كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسى بْنِ مَرْيَمَ) [[أخرجه البخاري (٣٢٨٦).]]، وقد قالتِ امرأةُ عِمْرانَ لمّا وضَعَتْ مَرْيَمَ: ﴿وإنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: ٣٦]، ويكونُ التعوُّذُ للتخفيفِ مِن أثرِ الشيطانِ لا لمنعِهِ، لأنّ اللهَ أقْدَرَهُ على الجميعِ إلاَّ عيسى.
ومنهـا: خطَراتُ السُّوءِ التي يَستدرِجُ بها الشيطانُ الإنسانَ ليُفسِدَ إيمانَهُ بربِّه، كما في قولِه ﷺ: (يَأْتِي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حَتّى يَقُولَ لَهُ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإذا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ ولْيَنْتَهِ) [[أخرجه مسلم (١٣٤).]].
ومنهـا: ما جاءَ أنّه مِن كيدِ الشيطانِ ووَسْواسِهِ بالإنسانِ، كالتفاتِ المصلِّي، وكذلك وسْواسُهُ في صلاتِه، وحينَما اشْتَكى عثمانُ بنُ أبي العاصِ للنبيِّ ﷺ مِن ذلك، قال: (ذاكَ شَيْطانٌ يُقالُ لَهُ: خَنْزَبٌ، فَإذا أحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنهُ، واتْفِلْ عَلى يَسارِكَ ثَلاثًا)، كما رواهُ مسلمٌ[[أخرجه مسلم (٢٢٠٣).]]، وفيه أنّ الإنسانَ قد يُحِسُّ بالشيطانِ، ولذا قال عثمانُ بنُ أبي العاصِ في هذا الحديثِ: «فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي».
وقد تُستحَبُّ الاستعاذةُ مِن الشيطانِ في مواضِعَ لم يأتِ التصريحُ بعلَّتِها والحِكْمةِ منها:
كالاستعاذةِ قبلَ القراءةِ في الصلاةِ وخارجَها، وظاهرُهُ: أنّه صَرْفٌ للشَّيْطانِ أن يقطَعَ عنه تدبُّرَهُ وتأمُّلَهُ وحضورَ قَلْبِه، ولا يُشكِلُ على هذا: أنّ قراءةَ القرآنِ في نفسِها مُنفِّرةٌ للشيطانِ، وذلك أنّ الاستعاذةَ سابِقةٌ للقراءةِ، صارفةٌ لحضورِ الشيطانِ ولو في أولِ القراءةِ، وهي تتضمَّنُ الدعاءَ والالتجاءَ إلى اللهِ، وقد يكونُ في ذلك حِكَمٌ أُخرى اللهُ أعلَمُ بها.
ويُشبِهُ هذا الاستعاذةُ عندَ دخولِ المسجدِ، كما في «السُّننِ»، مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، أنّ النبيَّ ﷺ كانَ إذا دَخَلَ المَسْجِدَ، قالَ: (أعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ، وبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وسُلْطانِهِ القَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [[أخرجه أبو داود (٤٦٦).]]. وعندَ ابنِ ماجَهْ يقولُ: (اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) عندَ الخروجِ مِن المسجدِ، مِن حديثِ أبي هريرةَ[[أخرجه ابن ماجه (٧٧٣).]].
والاستعاذةُ عندَ كلِّ موضعٍ يكونُ فيه شيطانٌ دَلَّ الدليلُ على ذلك، دليلٌ مِن جنسِ التسبيحِ عندَ تنزيهِ اللهِ مِن ألفاظِ وأفعالِ النقصِ ولو لم يَرِدْ في عَيْنِ الألفاظِ والأفعالِ حُكْمٌ خاصٌّ، ومِن جنسِ الصدقةِ بعدَ السيِّئةِ، ومِن جنسِ قولِ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ، عندَ التلبُّسِ بقولِ الكُفْرِ وفعلِهِ ولو مِن غيرِ قصدٍ، كما قال ﷺ: (مَن حَلَفَ فَقالَ فِي حَلِفِهِ: واللاَّتِ والعُزّى، فَلْيَقُلْ: لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، ومَن قالَ لِصاحِبِهِ: تَعالَ أُقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ) [[أخرجه البخاري (٤٨٦٠)، ومسلم (١٦٤٧).]].
وأمّا القولُ بعدمِ مشروعيَّةِ الاستعاذةِ عندَ التثاؤبِ، لأنّ النبيَّ ﷺ بيَّنَ أنّ التثاؤُبَ مِن الشيطانِ وأمَرَ بكَظْمِهِ حَسَبَ الاستطاعةِ ولم يُرشِدْ إلى الاستعاذةِ، كما أرشَدَ عثمانَ بنَ أبي العاصِ عندَ إحساسِهِ بالشيطانِ يَحُولُ بينَهُ وبينَ صلاتِهِ، فأمَرَهُ بالاستعاذةِ والتَّفْلِ: فهذا ككثيرٍ مِن النِّعَمِ التي يذكُرُها اللهُ ويذكُرُ أنّها مِن عِنْدِهِ ولا يَنُصُّ على الحمدِ، فليس كلُّ نِعْمةٍ يذكُرُ أنّها مِن اللهِ ولا يأمُرُ بالحمدِ عندَ ذِكْرِهِ لها: لا يُشرَعُ الحمدُ لذلك، كما أنّه ليس كلُّ عملٍ يذكُرُ اللهُ أنّه مِن الشيطانِ ولا يأمُرُ بالاستعاذةِ منه عندَ ذِكْرِهِ له: لا يُشرَعُ له الاستعاذةُ، لكثرةِ الأنواعِ وتعدُّدِها، فاكتُفِيَ بالأمرِ العامِّ.
{"ayah":"وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِیعٌ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق